كلمة “حضارة” ككلمة ثقافة، يكثر دورانها اليوم في المحاضرات والندوات والتأليف، فيقولون: فلان متحضر، وفلان غير متحضر، والأمّة الإسلامية أمّة متحضرة، وكما يوصف الأفراد والجماعات بالتحضر توصف بها الأعمال، فالمعاملة المهذبة توصف بأنها حضارة، والغلظة والجفاء توصف بعكس ذلك.والعرب تريد بالحضارة ما يقابل البداوة، والحاضرة تقابل البادية، وخلاصة ما في المعاجم اللغوية عن مادة حضارة تنتهي بنا إلى أن الحضارة هي حياة المدينة، والبداوة هي حياة البادية، والحضر سكان المدن، والبدو سكان الصحراء.

ولم تعد كلمة حضارة في العرف المعاصر مقصورة على مدلولها القديم المقابل لمدلول كلمة “بداوة”، وإنما جاوزته إلى مدلول آخر هو التعبير عن ارتقاء المجتمع وارتفاعه عن المستويات البدائية, ويقصدون عادة بالمجتمع المتحضر ذلك المجتمع الذي له قيمه الروحية الرفيعة، وأساليبه المادية المتطورة في مواجهة الحياة الطبيعية.

بناءً على هذا التعريف لكلمة “حضارة يكون مصطلح الحضارة أوسع وأشمل من كلمة ثقافة، فالثقافة كما عرفنا هي أسلوب الحياة السائد في مجتمع ما، وهذا الأسلوب إنما هو ثمرة الصفات الخلقية، والقيم الإجتماعية، والمبادئ الروحية، والأصول العقائدية، فالثقافة على ذلك هي المحيط الذي يشكل طباع الفرد وشخصيته، أمّا الحضارة فإنها تضم إلى جانب هذا الرقي المادي الذي بلغه الفرد، وبلغته الأمّة.

ويرى بعض الباحثين أن مدلول الثقافة مساوٍ لمدلول الحضارة، فيشمل كل منهما الجانب المعنوي والجانب المادي.ويرى فريق ثالث أن الحضارة تعني ما توصل إليه مجتمع ما من تقدم مادي في الصناعات والابتكارات والمخترعات والبناء والزراعة وغير ذلك، ولا يُعدُّونها إلى الجانب المعنوى في حياة الأمة (١).

وينبغي أن نلاحظ هنا أمرين، الأول: أن علاقة الثقافة بالحضارة مبنية على تحديد المعنى الاصطلاحي لكل منهما، فقد يكون الاصطلاحان متساويين، وقد يكون مدلول الحضارة أوسع, وقد يكون مدلول كل منهما مختلفًا عن الآخر، وقد قال العلماء قديمًا: لا مشاحَّة في الاصطلاح.

الثاني: أن العلاقة بين الثقافة والحضارة علاقة وثيقة، فإمّا أن تكون الحضارة والثقافة شيئًا واحدًا، فثقافة الأمّة وحضارتها بناء على ذلك تعني المستوى الرفيع الذي بلغته الأمّة في فكرها وتصوراتها وعقائدها وأخلاقها، وإمّا أن تكون الثقافة

هي الركيزة التي تقوم الحضارة عليها – إذا عنينا بالثقافة الجانب المعنوي، وبالحضارة الجانب المادي.


(١) راجع في هذا المبحث كتاب: دراسات في الحضارة والمدنية للدكتور أحمد إبراهيم الشريف ص ١٩ طبعة – الفكر العربي – بيروت، وكتاب تاريخ الحضارة لأبي زيد شلبي ص ٧ – طبع مكبة وهبة القاهرة، وكتاب لمحات في الثقافة الإسلامية للدكتور عمر عودة الخطيب ص ٤٢.