ماهو المشروع في مدح النبي سيد المرسلين محمد ﷺ ؟
قال عليه الصلاة والسلام : “لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله”. رواه البخاري.
قال ابن حجر: الْإِطْرَاء الْمَدْح بِالْبَاطِلِ، تَقُول: أَطْرَيْت فُلَانًا، مَدَحْته فَأَفْرَطْت فِي مَدْحه. اهـ.
ولما قال وفد بني عامر لرسول الله ﷺ : أنتَ سيِّدُنا ، قال : السَّيدُ اللهُ . قالوا : و أفضلُنا فَضلًا ، و أعظمُنا طَوْلًا ، فقالَ : ” قولوا بقولِكم أو بعض قولكم، ولا يَستجرِيَنَّكُم الشَّيطانُ “. رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني. وعند أحمد : ( ما أحبُّ أن ترفعوني فوقَ منزلتي التي أنزلني الله )
قال ابن الأثير في “النهاية”: أَيْ لَا يَغْلِبَنكُمْ فَيَتَّخِذكُمْ جَرْيًا أَيْ رَسُولًا وَوَكِيلًا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا مَدحوهُ فَكَرِهَ لَهُمْ الْمُبَالَغَة فِي الْمَدْح فَنَهَاهُمْ عَنْهُ. اهـ.
فينبغي العلم أن مدح النبي ﷺ ليس عبادة مستقلة يتقرب فيها المسلم إلى الله عز وجل، مثل الصلاة والسلام عليه، ومحبته، ونصرته. وأنه يشرع إن كان للتعريف بالنبي ﷺ، وبيان فضله ، ودراسة سيرته، والدعوة إلى سنته، على أن لايغلو فيها المادح، ويجعلها غناء يتغنى به، ووسيلة ليشتري بها عرَضاً من الدنيا، كأصحاب فِرَق الإنشاد والطرب في زماننا الذين صاروا يتصدرون الواجهات والشاشات، ويحيون المناسبات وتقام لهم الولائم والموالد، ويتاجرون بالحفلات.!!
والغلو في مدح النبي ﷺ ليس من العبادات المشروعة، وهو منهيٌّ عنه في كل الأحوال – والنبي ﷺأهلٌ للثناء والمدح المشروع كما هو مُجمَع عليه بين كل طوائف المسلمين، ولا يٌبغض النبي ﷺ إلا كافر – والتعبير والوصف الذي يحبه النبي ﷺ هو: ( عبدُ الله ورسوله ) وهو ما أرشد إليه كثيراً في أحاديثه الشريفة، وقد جاء وصفُه بالعبودية لله تعالى في المقامات الشريفة، والأمور العظيمة في القرآن الكريم.
ثم إن رفع النبي ﷺ فوق منزلته والغلو في مدحه ليس من علامات محبته.
قال تعالى : { قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِی یُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ }. (آل عمران : 31)
وقال تعالى: { فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِیِّ ٱلۡأُمِّیِّ ٱلَّذِی یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَـٰتِهِۦ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ } ( الأعراف : 158)
وقال تعالى : { فَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلنُّورَ ٱلَّذِیۤ أُنزِلَ مَعَهُۥۤ أُو۟لَـٰۤئكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ } (الأعراف :157 ) .
فالمقصود: الإيمان بالنبي ﷺ ، وبما جاء به من عند الله، ومحبته، والاهتداء بهديه، واتباع طريقته، والدفاع عنه، والذّبِّ عن سنته، وليس التغني والطرب والرقص عند مدحه ، وجعل ذلك ديناً يدين به الناس، كقولهم :
يامادحاً خير الأنام بادر ولا تخش الملام
قل مااستطعت بمدحه مدّاح طه لا يُضام
مدحُ النبي العربي. ديني ويقيني ومذهبي!
نعم لقد صار ديناً عند البعض وغايةً، وهو مما زينه الشيطان لكثير من المسلمين ليضلّهم بذلك عن التمسك الحق بهدي رسول الله ﷺ ، واتباع سنته!!
وإن مدح العباد له مهما بَلَغ لا يُذكَر تجاه مدح رب العزة له، وثنائه عليه، ورفع ذِكره، وشهادته فيه بمثل قوله : { وإنك لعلى خلق عظيم } ، فهل يَرفع مدحُهم قدْرَ النبي ﷺ بعد ذلك؟
ومامعنى أن يقول قائلهم : قمرٌ سيدنا النبي ، أو نورٌ، أو جميلٌ، أو ياقوتةٌ والناسُ كالحجر، أو محمدٌ جُبِلت بالنور طينته، أو محمدٌ لم يزل نوراً من القِدم، أو محمد ذِكره نورٌ لأنفسنا، محمد عمَّنا إحسانُ نعمته، أو سببُ الإنشاء من عدم، أو مدحه يشفي من السِّقم، أو محمدٌ قبلة الدنيا وكعبتها… ؟؟!
وكل عاقل منصِف عنده مبادئ الإسلام يعلم أن هذا المدح هو غلو واضح، وتنطّع فاضح، وفيه مخالفة لقواعد الشريعة وأصول الدين، ورفعٌ للنبي فوق منزلته التي أنزله الله بها، وإطراءٌ نهى عنه النبي ﷺ ، وإخراج له عن بشريته التي وصفه الله بها.
والذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة أن النبي ﷺ بشرٌ كسائر البشر في طبيعته البشرية، وجٍبلّته الخَلقية، ينام، ويأكل، ويمشي في الأسواق، ويحزن ويرضى، ويغضب ويبكي، ويخرج منه فضلات من دم وعَرَق وغيره مما يخرج من الناس، ويجري عليه من البلاء والضراء ما يجري على الناس، من مرض وسحر وموت، ولا يستطيع عليه الصلاة والسلام أن يدفع عن نفسه الأذى إلا بأمر الله وحفظه، وليس له نور يغطي الشمس، وله ظل كسائر الناس، ولم يُخلق من نور ولم يرد في السنة الصحيحة ما يدل على أنه خَلْق نوراني، أو له صفات خارقة خارجة عن مألوف البشر، أو أنه ليس له ظل، بل بَدَنه من لحم وعظم وما خالطهما. وخُلق من أب وأم، ولا يعلم إلا ما علَّمه الله تعالى قال الله تعالى: { قُلۡ إِنَّمَاۤ أَنَا۠ بَشَرࣱ مِّثۡلُكُمۡ یُوحَىٰۤ إِلَیَّ أَنَّمَاۤ إِلَـٰهُكُمۡ إِلَـٰهࣱ وَ ٰحِدࣱ } (الكهف :110)
قال ابن عباس: “علَّم الله رسوله التواضع لئلا يزهو على خلقه، فأمره أن يقرَّ فيقول: إني آدمي مثلكم إلا أني خُصصت بالوحي وأكرمني الله به”.
وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني).
ومديح هؤلاء الشعراء والمنشدين الذي نسمعه اليوم ماهو إلا غناء – في الغالب – لايفهمون معناه ولا يعرفون حكمه، بل يردّدونه، ويطربون به، بدليل أنك لاتجدهم – في أكثر الأحيان – يصلون على النبي في ثناياه، وهو الواجب عند ذكره، كما قال ﷺ : ” البخيلُ مَنْ ذُكرتُ عندَه فلمْ يُصلِّ عليَّ”.رواه الترمذي.
فالحذر الحذر من الغلو في مدحه عليه الصلاة والسلام، فإن هذا قد يصل بالعبد إلى درجة الشرك بالله تعالى، أو يكون ذريعة له، وينطبق عليه الحديث السابق: ” قولوا بقولكم ولا يستجرينكم الشيطان” .
ولقد سمعت – والله – بعضهم يُنشد ويقول:
محمدٌ باب الرَّجا لموحدِ ماخاب عبدٌ أمّه في مقصدِ
أنا عبده فإذا تعدّى معتدي أنزلت حاجاتي بباب محمد.
فبالله عليكم هل هذا حبٌّ للنبي ﷺ ، أم شرك صريح بالله تعالى ؟!
ومما يُؤخذ على هؤلاء المنشدين أنهم كثيراً مايطربون بأشعار غزَل وعشقٍ وربما مُجون وفجور للفُسّاق، ويصرفونها نحو النبي ﷺ أو مقدسات المسلمين، فيتجاوزون كل حدود الأدب والتعظيم لرسولهم ﷺ ورعاع الناس يصفقون لهم، ويثنون عليهم !!
وأما مقولة : ( ودَعوتُ بِطهَ اللهَ ). فهذه العبارة نوع من التوسل، والتوسل بذات النبي ﷺ ، أو بحقه، أو جاهه، من أنواع التوسل الممنوعة – على الراجح من أقوال أهل العلم – ولم يفعله أحد من الصحابة أو التابعين أو الأئمة المعتبرين، وهو بدعة، لعدم الدليل على ذلك؛ ولأن ذلك من الغلو فيه ﷺ .
على أن ( طه ) ليس من أسماء النبي ﷺ . الواردة في الكتاب والسنة.
فالواجب على المسلم المحبّ لنبيه حقيقة، والذي يسعى لمرضاة ربه، والنجاة من عذابه، أن لايغتر بهؤلاء المغنين الجاهلين الذين أفسدوا على كثيرٍ من الناس دينهم، وصدّوهم عن كتاب ربهم، ودنسوا بيوت الله وأهانوها بلهوهم وغنائهم ورقصهم ومعازفهم، وأن لايقلدهم ولايجاملهم، ولايطرب بما يُغضب ربه عز وجل، بل يَغضب لذلك ويَنهى عنه، وأن يُشغل وقته بذكر الله تعالى، والصلاة والسلام على نبيه، وتعلُّم سنته وسيرته والدعوة إليها، وأن يقف على ماوقف عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين فهم خير القرون، وهم أكثر اتباعاً ومحبة للنبي ﷺ منا بالاتفاق.
والله تعالى يقول : { وَمَن یُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَیَتَّبِعۡ غَیۡرَ سَبِیلِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَاۤءَتۡ مَصِیرًا } ( النساء : 115 )