ربما يكون من الصعب وضع تعريف محدد لمفهوم “القيادة”، إذ يمكنك القول أنها فعل مرتبط بالتوجيه والإرشاد، أو أنها امتلاك القدرة على التأثير على الآخرين، لكن هذه التعريفات ليست هي ما يعنيه تماما الأهل عندما يقولون انهم يريدون لأطفالهم أن يكبروا ليصبحوا “قادة”. وبالطبع فإنك لن تسمع أحدا يقول أنه يربي إبنه ليصبح “تابعا”، فالقيادة مؤشر على الثقة والنجاح وعلى المثابرة والتقدم في الحياة، والتبعية في المقابل مؤشر على غياب الرؤية والإنجاز .
التفكير في كيفية غرس هذه الصفات في نفوس الأطفال يفيد في التركيز على الطريقة التي يمكن من خلالها تنشئة قائد قوي.
دعم التفكير المستقل
الكثير من المختصين برعاية الأطفال يشجعونهم على المجازفة، لسبب معقول جدا، هو أن الخوف من الفشل قد يكبح جماح الطفل ويمنعه من إنجاز ما هو قادر بالفعل على إنجازه، وقد يمنعه أيضا من تشجيع اطفال آخرين على القيام بالمهمة ذاتها. في حين أن المجازفة حتى و إن كانت نتائجها سلبية تمنح الطفل فرصة لاختبار الفشل والقدرة على التعامل معه. وعلى سبيل المثال عندما تعلم “النمر دانيال- شخصية كرتونية” التزلج، بيّن للأطفال أنه لا مشكلة في السقوط والفشل ثم المحاولة من جديد. القياديون يخاطرون فكريا، والاستقلال الفكري وتقدير هذا النوع من التفكير صفات مهمة في المهارات القيادية.
مؤخرا التقيت طفلة في الصف الرابع كانت تشارك في نقاش صفي حول عقوبة الإعدام (موضوع ثقيل لمن هم في عمرها). كانت الوحيدة في المجموعة التي ترى ان هذه العقوبة خاطئة. اعتبرت أنها عقوبة فيها قدر كبير من النفاق، وصرحت بذلك أمام والديها المؤيدين للعقوبة. لحسن الحظ فإن والديها دعما تفكيرها المستقل بالقول” نحن نرى الأمور بشكل مختلف .. لكننا نحب طريقتك في التفكير واتخاذ القرار الذي يناسبك”.
هذا النوع من الثقة التي يمنحها بعض الأهل لأطفالهم قد يتم التقليل من شأنها من قبل آباء آخرين ،حسني النية، يريدون لأطفالهم أن ينظروا للعالم بمنظارهم هم، بدلا من دعم رؤاهم الخاصة واستقلاليتهم.
تطور المهارات القيادية بالتدريج
” العقلية القابلة للنمو” هو مفهوم شائع هذه الأيام يقترح أن الأطفال يستطيعون تطوير مهاراتهم حتى المعقدة منها مثل “القيادة” من خلال الممارسة الحثيثة والعمل الشاق. بمعنى أن مهارات وقدرات الأطفال ليست سمات شخصية ثابتة. طفلك قادر على التعلم والتطور ليصبح ما يريد وينجز أهدافه. ومع هذه “العقلية” ومع تزويد الأطفال بالثقة بالنفس لمواجهة التحديات ، فإن الأطفال يدركون أنه ليس عليهم أن يكونوا جيدين في مهماتهم من المرة الأولى. يتعلم الأطفال التعامل مع الأمور خطوة خطوة حتى يحرزوا التقدم المنشود ويحققوا أهدافهم .والقائد الجيد عادة لديه هذا النوع من الصبر والثقة بالنفس.
من جهة أخرى فإن امتلاك الفطنة والذكاء الشخصي مفتاح رئيسي للتأثير على الآخرين، لذلك شجع طفلك على قضاء وقت أطول مع أطفال آخرين بعيدا عن وجود أية أجهزة الكترونية، فالمهارات الإجتماعية يتم اكتسابها عبر فعل حقيقي ملموس، لذلك وفر له فرصة لتركيز اهتمامه على أصدقائه بدون أجهزة الكترونية تشتت انتباهه. هذا يسمح له بالتواصل بصريا مع أقرانه، والاستماع إليهم وتشارك الأفكار معهم والإنصات إلى وجهات نظر مختلفة، وتعلم احترامها. تقدير آراء الآخرين واحترام قدراتهم جزء أساسي في ممارسة القيادة.
أخيرا، شجع طفلك على المشاركة والإلتزام بأنشطة ذات قيمة ومعنى بالنسبة له، مثل القيام بعمل تطوعي ، أو المشاركة في نشاط مسرحي في المدرسة ، أو مساعدة صديق له في حل الواجبات المدرسة، واترك له المجال أحيانا لتولي المبادرة في المنزل بتعليم أفراد الأسرة أمرا جديدا ،ربما يكون قد تعلمه في المدرسة مؤخرا.
القياديون يؤثرون في الآخرين، والأهل يستطيعون تشكيل هذا النوع من السلوك عند أطفالهم وتوفير الفرص لتطويره في سن مبكرة .