لعل عمل المرأة من أكثر المواضيع التي أخذت حيزا واسعا من النقاش في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وأيضا لدى المجتمعات الغربية، وتمحورت معظم الحوارات بشأن هذه المسألة حول عدة نقاط تخص عمل المرأة، لكن الحديث طالما اقتصر على قضية عمل المرأة من حيث حليته أوحرمته، وفائدته أوعدم جدواه، وسلبيته أو إيجابيته..فتحدث الجميع، الرجال و النساء والعلماء و الشيوخ والوعاظ والإخصائيون الاجتماعيون بحجة أن المرأة تهم الكل لأنها حجر أساس المجتمع. لكن القليل جدا من تحدثوا عن التأثير الصحي لعمل المرأة.

لا يتعلق الحديث هنا عن إثبات المرأة لذاتها و تحقيق كيان إجتماعي تصير به قدوة للآخرين خاصة إذا كان عملها نافعا لمجتمعها و لم يكن له أي أثر سلبي على وضيفتها كأم و زوجة، وإنما يتعلق الأمر أساسا على التأثير الإيجابي لعمل المرأة على صحتها النفسية والعقلية.

هل عمل المرأة يحميها من الزهايمر؟

ذكرت دراسة أمريكية حديثة أن النساء اللاتي يعملن في مهن مدفوعة الأجر في بداية مرحلة البلوغ ومرحلة منتصف العمر قد يكون التدهور في الذاكرة في المراحل المتقدمة من العمر أبطأ لديهن، مقارنةً بالنساء اللائي لا يعملن مقابل أجر.

وأشارت نتائج الدراسة التي نشرها موقع “نورولوجي” التابع للأكاديمية الأمريكية لطب الأعصاب- إلى أن “التحاق النساء بالعمل المدفوع في مرحلة مبكرة من البلوغ ومرحلة منتصف العمر قد يقلل من تدهور الذاكرة فيما بعد، وذلك بغض النظر عن الوضع الاجتماعي للنساء، سواء كُنَّ متزوجات أو عازبات أو لديهن أطفال أو لا”.

تابع الباحثون عددًا كبيرًا من النساء في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ووجدوا أن معدلات تراجُع الذاكرة بعد سن 55 كانت أبطأ بالنسبة للنساء اللاتي أمضين فتراتٍ طويلةً من الوقت في العمل مدفوع الأجر قبل سن الخمسين.

ألزهايمر لماذا يصيب النساء أكثر من الرجال؟

باتت الاختلافات بين الجنسين في الإصابة بالخرف أو ألزهايمر معروفة الآن، لكن النتائج المترتبة على ذلك قد تغير الطريقة التي نكافح بها هذا المرض والأمراض المرتبطة به.

في أستراليا، تخص حالات الوفاة نتيجة الخرف نحو ثلثي النساء في البلاد، وفي الولايات المتحدة، ثلثا المصابين بهذا المرض من النساء أيضاً. وفي بعض الحالات تتفوق إصابات الخرف حتى على أمراض النساء الأخرى المعروفة. فالنساء الأمريكيات ممن تجاوزن 60 عاماً من المرجح إصابتهن بألزهايمر أكثر من إصابتهن بسرطان الثدي بنسبة الضعف.

وفي إنجلترا وويلز، كما هو الحال في أستراليا، أصبح الخرف هو السبب الرئيسي للوفاة بين النساء، متفوقاً بذلك على أمراض القلب التي كانت تحتل هذا المركز.

ويعتقد الباحثون أن جزءا كبيرا من الفجوة بين الجنسين في هذا المرض يأتي بسبب الفجوة في السن، الذي يعد أكبر عامل من عوامل خطر الإصابة بالخرف. فكلما تقدم العمر بالإنسان، يزيد احتمال إصابته بمرض ألزهايمر المتأخر. وأعمار النساء في العادة تكون أطول من أعمار الرجال، وبالتالي يكون عدد المصابات بألزهايمر أكبر.

في غضون ذلك، هناك عوامل أخرى للإصابة بالمرض تؤثر على النساء أكثر من الرجال. على سبيل المثال، هناك عدد أكبر من النساء يصبن بالاكتئاب، والمزاج المكتئب يرتبط ارتباطا وثيقا بألزهايمر المبكر. وهذا الأمر يجيب بشكل أو بآخر على السؤال: لماذا يتطور المرض في النساء بسرعة أكبر من الرجال بعد تشخيصه؟ حيث يعتقد الباحثون أن الاكتئاب هو أحد العوامل الرئيسية في الإصابة بالخرف ويؤثر على النساء أكثر من الرجال.

هل العمل له تأثير إيجابيعلى ذاكرة المرأة؟

تقول إيريكا سابث -الأستاذ المشارك في كلية بوسطن للخدمة الاجتماعية، والباحثة الرئيسية في الدراسة التي نشرها موقع “نورولوجي” التابع للأكاديمية الأمريكية لطب الأعصاب، إنه “بالرغم من الجهد الذي تبذله النساء في رعاية أسرهن، إلا أن النتائج التي توصلنا إليها تشير إلى أن الانخراط في عمل مدفوع الأجر قد يوفر بعض الحماية للنساء عندما يتعلق الأمر بفقدان الذاكرة، وربما يرجع ذلك إلى تمتعهن بـ”التحفيز المعرفي” أو المشاركة الاجتماعية أو شعورهن بالأمان المالي، ويحدث هذا حتى بين النساء اللاتي توقفن عن العمل سنوات من أجل تربية الأطفال قبل العودة إلى العمل”.

من أجل التوصل إلى هذه النتائج، أخضع الباحثون للدراسة 6189 امرأةً بمتوسط عمر بلغ 57 عامًا عند بداية البحث، وتم تتبُّع هؤلاء النساء لمدة 12 سنة، إذ اعتاد الباحثون إخضاعهم لاختبارات للذاكرة كل عامين.

ووجد الباحثون أنه على الرغم من أن نتائج اختبارات الذاكرة كانت متشابهةً لدى جميع النساء بين 55 و60 عامًا،إلا أن متوسط معدل التراجُع في درجات اختبار الذاكرة بعد سن الستين كان أبطأ بالنسبة للنساء اللاتي شاركن في القوى العاملة مدفوعة الأجر، مقارنةً بالنساء غير العاملات. كما وجد الباحثون أن متوسط معدل تدهور الذاكرة كان أكثر من 50٪ بين النساء اللاتي لم يعملن مقابل أجر بعد إنجاب الأطفال.