المتأمل لواقع مجتمعنا الإسلامي المعاصر يرى هذا المجتمع غريبا عن الإسلام أو بالأحرى أصبح الإسلام غريبا في بيئته، وذلك  في مختلف جوانب الحياة  أكانت الثقافية او الاجتماعية او السياسية وحتى الفكرية .

الإسلام هذا الدين الذي جاء ثورة شاملة في مجتمع بدوي  لدحر كل القيم البالية التي انتهكت كل حقوق الإنسان, هذه الثورة جاءت بالتغير و النهوض و السير بهذا المجتمع البدوي البالي في طريق الحضارة , فما حققته هذه الثورة العارمة في بناء مجتمع حضاري في شتى مجالات الحياة خير دليل على عظمة هذا الدين.

لو نظرنا للقيم السائدة اليوم نرى أنها وبخاصة في نظرتها للمرأة التي كانت توأد وهي في مهدها في الجاهلية، واعتبرت رمزا للعار الذي يصيب القبيلة . جاء هذا الإسلام  وأزال هذا المفهوم الدوني للمرأة وأكرمها ورفع من شأنها، هذه هي الأم والأخت والابنة أوصى بها الشرع في الكتاب، وثبت في السنة قول المصطفى عليه الصلاة والسلام ( رفقاً بالقوارير ) .

بعض المجتمعات الإسلامية المعاصرة احتكرت حق التعليم على الرجال فقط

اليوم ونحن في القرن الواحد و العشرين  هل تغيرت هذه المنزلة التي منحها الإسلام للنساء، ورجعنا إلى الأزمنة الغابرة، أزمنة ما قبل الإسلام؟

لو نظرنا للمرأة اليوم في مجتمعنا الحضاري المعاصر لا تختلف كثيرا عما كانت عليه قبل الإسلام في نظرة ومعاملة المجتمع لها، إن عاشت سلبت كل حقوقها واعتزلت لمهام البيت والإنجاب، وهذه المهمات  التي سطرت لها سابقا ليست ببعيدة عن ما هي عليه الآن .

وفي بعض المجتمعات الإسلامية المعاصرة حق التعليم حكر على الرجال فقط واستثنيت منه النساء ,  فكان سبب الاضطهاد الجسدي الثقافي والاقتصادي وحتى السياسي الممارس عليها أعادها للعصور الجاهلية.

وسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل المجتمع المعاصر مجتمع إسلامي روحيا وفكريا أم هو مجرد اسم  ليس له من الإسلام شيء ؟

لنجيب عن هذا السؤال فإن المجتمع المسلم اليوم من ناحية تعامله ونظرته للنساء لا يختلف عن المجتمع الغربي غير المسلم في العنف الجسدي الذي أغلب ضحاياه من النساء وهذا العنف في تزايد مستمر،  على أنه لا يمت بأي صلة لتعاليم ديننا الحنيف .

رغم ما قدمه هذا الكائن المسمى امرأة من أعمال وبطولات والتاريخ زاخر باللواتي حملن السلاح ووقفن جنبا الى جنب مع الرجال، ساهمت في تحرير بلدانها، والقائمة طويلة من شهيدات الفلسطينيات اللائي ضحين بأرواحهن لمجرد أنهن لم يحتملن الذل والمهانة لوطنهن أمثال وفاء إدريس، ودلال المُغربي، وآيات الأخرس وقائمة ما تزال مفتوحة، ولا ننسى الأسيرات اللاتي يقبعن في سجون الاحتلال الصهيوني أمثال هناء الشلبي، وليلنا أحمد الجربوني، ومنى صبحي أبو سنينة،  دون أن نغفل عن المرابطات على أبواب المسجد الأقصى المبارك اللواتي يدافعن عن شرف هذه الأمة أمثال هنادي الحلواني وخديجة خويص وغيرهن يتعرضن لأبشع أساليب التعسف والعنف.

بعيدا عن هؤلاء النساء العظيمات، أخريات كتبن اسمهن بالدم على صفحات تاريخ التحرر الخالدة؛ لنوجه البوصلة الى الجهة الأخرى الى بقية نساء عصرهن.

الإسلام مثلما أكرم المرأة المسلمة ورفع من شأنها ومنحها حقوق، ألزمها بواجبات، فالمتمعن في واقع  هذه المرأة المعاصرة من ناحية واجباتها تجاه دينها يستشف ضعفها الديني، وأمامها كذلك موجة الغزو الثقافي الغربي الذي رمى بظلاله على مجتمعنا الإسلامي، فإن المرأة المسلمة على وجه الخصوص أصبحت تبحث عن ذاتها، وتناشد حقوقها بتقليدها الاعمى لهذه الحضارة الزائفة، آخذة القشور الغرارة فقط، وهي ذات الحضارة التي اعتبرتها مثلا للتخلف والتبلد بدعوى التحضر والتمدن وتوفير الحقوق الضائعة.

المجتمع المسلم اليوم من ناحية تعامله ونظرته للمرأة لا يختلف عن المجتمع الغربي في قضية العنف الجسدي

فهذا النظرة المغلوطة للمجتمع الغربي للمرأة المسلمة لا يسلم بها أنها تحضر، بل يعد انجرارنا وراء هذه النظرات الغربية أحد الاسباب التي ساهمت في وصول الأمة الإسلامية المعاصرة إلى الانحطاط الفكري حين ألقت عباءتها الإسلامية التي اعتبرتها تخلفا ولبست العباءة الغريبة التي زينت لها أنها الانفتاح والتحضر, وأي تحضر هذا الذي يقصينا عن ديننا  الإسلامي الحنيف الذي جبلنا عليه لنتغنى بغيره .

في ظل هذا الانزلاق الروحي والفكري لأجيال هذا المجتمع المعاصر وتأثره بثقافات المجتمع الغربي روحيا  وفكريا،  والبعد عن تعاليم ديننا الإسلامي, وجب شحن طاقته الروحية من جديد كلما دعت الحاجة الى ذلك، لإعادته الى المنحى الصحيح الحضاري  ثقافيا و فكريا، وهذا  يقع على عاتق المصلحين و الدعاة و المؤسسات الفكرية الإسلامية.

الإسلام روح تسري في جسد الانسان وتنعكس على كل جوانب حياته وتأثيره في مجتمعه،  ليس عباءة نغيرها حسب المتغيرات والفصول التي يمر بالمجتمع، وإنما كان القوة الدافعة لنا لبناء حضاري اسلامي  و ستبقى كذلك إلى ما شاء الله.