قالت فاطمة عبد الرؤوف، كاتبة ومستشارة أسرية، إن العلاقات الأسرية الآمنة والصحية هي خير معين للأبناء في مسيرتهم الدراسية والعلمية؛ لأن البيت الذي يسوده السلام والتعاطف والتراحم والصوت الهادئ والحوار العقلاني والمشاعر الطيبة، يشعر فيه الأبناء بالأمان النفسي، وتتحقق لهم أفضل الأجواء المناسبة للإبداع الدراسي.

ولفتت المستشارة الأسرية إلى أن الأسرة الناجحة تقوم على المشاركة في المسؤولية، وأن العملية التربوية بحاجة لتضافر جهود الوالدين معًا لتحقيق أفضل النتائج الممكنة.. موجِّهةً الآباء بإبعاد الأبناء عن متابعة النقاشات الحادة أو المشاجرات، ومساعدتهم في وضع خطة للمذاكرة وتدريبهم على مهارات إدارة الوقت، وتعلم مفاهيم الإنتاجية.. فإلى الحوار:

  • العملية التربوية بحاجة لتضافر جهود الوالدين لتحقيق أفضل النتائج الممكنة
  • من الخطأ ترهيب الأبناء بالأب لضمان حسن سلوكهم أو متابعتهم لدراستهم
  • الدراسة فرصة ذهبية لتدريب الأبناء على مهارات إدارة الوقت وتعلم مفاهيم الإنتاجية
  • لابد من إعادة الاعتبار لشراكة الأسرة والمدرسة في متابعة الأبناء دراسيا وأخلاقيا
  • على المربي أن يمنح الابن المساحة الكافية في وضع الخطة حتى يشعر بالمسئولية الذاتية
  • ننصح الآباء بتجنيب الأبناء متابعة النقاشات الحادة أو أن يكونوا طرفًا في الشجار

عام دراسي جديد.. ماذا يعني للأسرة؟

تختلف الرؤية لبداية عام دراسي جديد من أسرة لأسرة، بحسب الفلسفة التي تنتهجها الأسرة في رؤيتها للتعليم وربما للحياة كلها؛ فكثير من الأسر يمثل لهم بداية العام الدراسي مشروع طوارئ، حيث كانت العطلة الصيفية بمثابة مشروع متكامل للفوضى؛ بدءًا من اضطرابات النوم، ومرورًا بمساحات الترفيه المبالغ فيها حيث تسود قيم الكسل والتراخي أجواء العطلة، والمدهش أيضًا يظللها الملل، وانتهاءً بالاستخدام غير المنضبط لمنصات التواصل الاجتماعي! فتأتي بداية الدراسة لهذا النمط من الأسر ممثلة لحالة طوارئ غير مسبوقة، أحيانًا يعتريها بعض الشغف لكسر حلقة الملل، وكثيرًا ما تلتبس بحالة من الشكوى والقلق والترقب، وتنتشر “الميمز” على منصات التواصل تمزج الشكوى بالسخرية.

العلاقات الأسرية الآمنة ضرورية لمسيرة الأبناء

ولا يمكن إلقاء اللوم كاملاً على هذا النمط من الأسر؛ فكثيرًا ما يكون النظام التعليمي آيلاً للسقوط بالفعل أو يكاد بحيث يفقد الطلاب الشغف بالعملية التعليمية كلها. وعلى الرغم من ذلك النظام فهناك أسر أخرى لها منهجية مختلفة للحياة ترفض فكرة الشكوى وأسلوب السخرية، وتكون فلسفة السعي لديها هي البديل، وغالبًا هذه الأسر استطاعت تحقيق قدر من التوازن أثناء العطلة الصيفية؛ بين الراحة والترفيه، وبين السعي لاكتساب مهارات جديدة أو تنمية مهارات قائمة بالفعل.

كيف تكتسب الأسرة مهارات متابعة أولادها دراسيًّا؟

يمكننا القول إن متابعة الأولاد هي أحد أهم أهداف التربية؛ فعملية التربية هي عملية مستمرة تعتمد على متابعة أهدافها القصيرة المرحلية، ولا يمكن فيها اتباع فلسفة القفزات؛ ومن ثم، فإن متابعة الأولاد دراسيًّا هي أحد جوانب عملية التربية، وهي عملية تختلف تقنياتها باختلاف الشرائح العمرية للأولاد؛ فبينما يحتاج المربي في السنوات الأولى لمشاركة التفاصيل الصغيرة والخوض في تنظيم الخطة الدراسية ومحاولة إثراء المقررات العلمية، تكون حاجة الأبناء في المراحل الدراسية المتقدمة للدعم النفسي والتحفيز أعلى، وتكون المتابعة بطريقة غير مباشرة عن طريق متابعة الخطوط العريضة للخطة الدراسية.

وفي رأيي أن أهم المهارات التي ينبغي للمربي إتقانها هي مهارة الصبر؛ فالطريق التربوي ليس سهلاً.. ومهارة التغافل عن الهفوات؛ فلا يوجد تقدم علمي دون بعض العثرات.. ومهارة الحوار، والتواصل الفعال مع الأبناء وهو حجر الزاوية للمعرفة عن قرب ومن ثم القدرة على الإرشاد.

وكيف يتشارك الزوجان المسئولية تجاه أولادهما في المتابعة؟

لاشك أن الأسرة الناجحة هي الأسرة التي تقوم على المشاركة في المسئولية، كلّ حسب طاقته؛ ولأن العملية التربوية ليست سهلة فهي بحاجة لتضافر جهود الوالدين معًا لتحقيق أفضل النتائج الممكنة، ولابد أن يمتلك الوالدان القدرة على إدارة حوار صحي لوضع خطوط عريضة تحدد مسئوليات كل طرف حتى لا يحدث تنازع.

ومن الأهمية بمكان أن يكون الطرح واقعيًّا يراعي قدرات كل طرف، فهناك خطأ مجتمعي شائع يقوم بتحميل الأم وحدها المسئولية التربوية والتعليمية للأبناء، رغم أن الرجل هو القوّام على الأسرة، وعلى عاتقه تقع مسئولية كبيرة جدًّا؛ فالخطاب القرآني يتوجه للرجل: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}(طه: 132)، والمسألة تشمل الصلاة وكل خير. بينما يشهد الواقع تراجع دور الأب في التوجيه، بحجة الانشغال بأسباب تحصيل الرزق أو عدم وجود الطاقة النفسية للمتابعة بعد يوم عمل شاق ونحو ذلك.

وفي بعض الأسر يتحول دور الأب لفزاعة لترهيب الأبناء وضمان حسن سلوكهم أو متابعتهم لدراستهم، وهو تحول مهين ومشوه لدور الأب الذي هو راع ومسئول عن رعيته.. والرعاية لا علاقة لها بالفزاعة؛ فهي تعني الاهتمام والتوجيه.. حتى الحزم، لابد أن يخدم العملية التربوية ويمنحها الجدية المطلوبة دون قسوة أو تجريح.

لاشك أن الأم دورها أكبر في المتابعة الدراسية للأولاد، خاصة في مراحل تعليمهم الأولى.. ما أهم النصائح التي تساعد الأم في ذلك؟

هذا السؤال مرتبط بشكل عضوي بالسؤال السابق، فعلى الرغم من أهمية مشاركة الأب في العملية التربوية والدراسية للأبناء إلا أن الواقع يفرض تحدياته، فلا يتمكن كثير من الآباء من القيام بدورهم كما ينبغي؛ ربما بسبب التغيب عن المنزل لساعات طويلة، أو لأنه لا يملك بالفعل المهارات التي تمكنه من المشاركة في المتابعة الدراسية، خاصة مع المراحل العمرية الصغيرة التي تكون بحاجة لمهارات من الصبر والقدرة على التبسيط والتكرار. وهنا، تكون المسئولية مزدوجة بالنسبة للأم، وهو الأمر الذي ينطبق أيضًا على “الأم الوحيدة”، خاصة مع الارتفاع الجنوني في معدلات الطلاق في بلادنا.

ولكي تستطيع الأم القيام بهذا الدور المزدوج فلابد أن تتمتع بصحة نفسية جيدة؛ فالأم المضطربة نفسيًّا أو التي تعاني من الضغوط أو الاحتراق النفسي أو الوظيفي، لن تستطيع القيام بالمسئولية الملقاة على عاتقها وهي راعية مثلها مثل الرجل، محاسبة مثله. لذلك، يجب العناية الشديدة بالصحة النفسية للأم خاصة تلك الواقعة تحت ضغط.. عن طريق إتقان العبادات خاصة الصلاة، فهي تعادل الضغط النفسي الواقع عليها: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} (البقرة: 45). كما أن كثرة الذكر والاستغفار تمنحها السكينة والطمأنينة التي تحتاجها لإدارة المسئولية: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28).

تحتاج المرأة إذن للاستعانة بالله سبحانه وتعالى، وعليها أن تحسن التوكل عليه؛ فهو القادر على تيسير أمورها وتأليف قلوب أبنائها، بحيث تكون استجابتهم سهلة وقدرتهم على الفهم والتعلم واسعة. وعليها أيضًا أن تأخذ بالأسباب؛ فهي تحتاج للنوم الجيد ليلاً.. تناول طعام صحي.. ممارسة رياضة بسيطة كالمشي.. التعرض لضوء الشمس في الأوقات الآمنة.. وجود بيئة داعمة.. الاستفادة من خبرات الأمهات الناجحات.. هذه الأفكار البسيطة كفيلة بتحويل العملية التربوية والأكاديمية لمتعة، أو في أقل الأحوال لعملية سلسة هادئة.

مع اختلاف دور المدرسة، وفي المقابل زيادة ضغوط الحياة على الأسرة.. كيف يحصل الابن على الدعم والمتابعة؟

للأسف، كثيرًا ما يقع أبناؤنا بين شقي الرحي! فكثير من المدارس تتسم بالعشوائية، وكثير من الأسر مسحوقة تحت عجلات الحياة الطاحنة، فيفقد الأبناء التوجيه التربوي والأكاديمي معًا. ومع غياب الدعم والمتابعة، تكون النتائج النهائية متواضعة وهزيلة للغاية.

المدارس في عمومها تقدم العلوم بطريقة جافة.. كثير من المعلومات والواجبات وسباق مع الزمن لإتمام المناهج والمقررات!!.. لا يتعلم الأبناء في المداس كيف يتعلمون.. يفتقرون غالبًا لمهارات التعلم والبحث.

أما عن الصلة بين المدرسة والأسرة، فغالبًا ما تقتصر على بعض الأمور الروتينية ولا توجد في الغالب شراكة حقيقة بين المدرسة والأسرة. وعلى الرغم من نسبية الشراكة والتعاون إلا أنه بالتأكيد توجد مدارس أفضل نسبيًّا من الأخرى، وعلى الأسرة أن تبحث عن الأفضل النسبي إذا كانت تملك تكلفته، وإلا فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها وعلى الأسرة في هذه الحالة أن تكثف من جهودها لمعادلة الدور الغائب للمدرسة، لكن الكارثة تحدث عندما تغيب الأسرة وتفقد دورها في الرعاية وحسن التعليم والتوجيه وتترك الأمر بالكامل للمدرسة!

كيف ترون أهمية تواصل الأسرة مع المدرسة لمتابعة الأبناء دراسيًّا وأخلاقيًّا؟

هذا التواصل شديد الأهمية، ويمكن أن نقول شراكة استراتيجية. وفي رأيي أن على الأسرة ألا تنتظر مبادرات المدرسة التي قد تأتي وقد لا تأتي. وكانت الأمهات قديمًا بالفطرة يتواصلن مع معلمة الصف في الصفوف الأولى للسؤال عن أحوال أبنائهن، وكثيرًا ما كانت تنشأ علاقة صداقة بين المعلمة والأم تصب لصالح الطفل.. هذه العلاقة المباشرة كانت أكثر قوة وحميمية من مجالس الآباء التقليدية، ولكن كثافة الفصول من جهة وانشغال الأمهات من جهة أخرى جعلت هذه العلاقة واهية، واقتصرت على بعض الالتزامات الصفية..

لابد من إعادة الاعتبار للشراكة بين الأسرة والمدرسة؛ سواء على المستوى الفردي، أو عن طريق المبادرات الجماعية التي تقوم عليها الأسر المثقفة تربويًّا.

وماذا عن تنظيم وقت المذاكرة للأبناء؟

الدراسة فرصة ذهبية لتدريب الأبناء على مهارات إدارة الوقت، وتعلم مفاهيم الإنتاجية.. المربي الناجح هو الذي يمثل قدوة للأبناء في حسن إدارة الوقت؛ فالأبناء يتعلمون بالمحاكاة وليس بإلقاء الدروس، ولابد للمربي أن يمنح الابن المساحة الكافية في وضع الخطة مهما كان عمر الطفل صغيرًا حتى يشعر بالمسئولية الذاتية، وتصبح الخطة الدراسية هدفًا يسعى لتحقيقه وليست قيدًا يسعى للتفلت منه.

ومن أهم النقاط التي ينبغي مراعاتها ونحن نساعد الأبناء في وضع خطة دراسية لعامهم الجديد:

1- وضع إقامة الصلاة في وقتها كأولوية قصوى؛ فلا خير في عمل يلهي عن الصلاة. ويمكن وضع الصلوات كفاصل زمني بين المهام المختلفة التي يتم تحديدها، وعلى سبيل المثال تخصيص فترة بعد العصر لأداء الواجب المدرسي، بينما فترة ما بعد المغرب يتم فيها قراءة ورد من القرآن أو حفظه. ويمكن التخطيط للمهام المطلوبة لليوم التالي بعد صلاة العشاء مع تجهيز الحقيبة المدرسية، ويمكن تخصيص الوقت بعد الفجر لترتيب الفراش وبعض المهام الإثرائية أو البحثية المبسطة.

2- لابد أن تشمل الخطة وقتًا للترفيه، والوقت الحر.. كما أن فترة التعلم لابد أن تتخللها فترات راحة بسيطة، حتى يستطيع الابن تجديد نشاطه الذهني.

3- ممارسة الرياضة باعتدال وبحسب ميول الأبناء وتحديد وقت للتدريب، ويمكننا اعتبار النشاط الرياضي نشاطًا ترفيهيًّا أيضًا، وهو بالتأكيد أفضل من قضاء الوقت أسرى الهاتف والشاشات.

4- الحرص على قضاء يوم العطلة برفقة العائلة الممتدة، وغرس مفاهيم صلة الرحم لدى الأبناء، والحرص أن يكون يوم العطلة للعطلة وليس للدراسة.

إذا استطعنا أن نساعد أبناءنا كي يصبح التعلم شغفًا بالنسبة، لهم فسيكون وضع المخطط أمر غاية في السهولة. لذلك، ينبغي ألا نمارس الضغط المبالغ فيه، ونمتنع تمامًا عن أي إساءة جسدية أو لفظية، ونستبدل بذلك: الدعمَ والتحفيز والمكافأة، ونجعل العقابَ خيارنا الأخير وفي أضيق الحدود.. حتى في حالة أن الابن لم يشعر بالشغف تجاه عملية التعلم، فعلى الأقل لا يشعر بالكراهية والنفور. يكفينا شعوره بالالتزام والمسئولية والواجب، وينبغي عدم مقارنته بغيره فالقدرات متفاوتة.. كما ينبغي على المربي أن يبحث عن وسائل جديدة للتعليم، كاستخدام القصة والفيديو التعليمي وعمل معمل بسيط للغاية لإجراء التجارب العلمية أو مزج التعلم باللعب ونحو ذلك من أفكار.

على أي حال، لابد من تدريب الأبناء على القيام بعملية تغذية راجعة تقيس معدلات الإنتاجية، ويتم إجراء حوار مع الأبناء لمعرفة الثغرات ونقاط الخلل لإصلاحها. ولاشك أن الاختبارات المدرسية أحد عوامل قياس الإنتاجية، بحيث نستطيع معرفة مدى تقدم الطفل بالنسبة لنفسه، وعليه يمكن تعديل الخطة أو الإبقاء عليها.

العلاقات الأسرية وحالها من الاستقرار أو الاضطراب.. هل لها تأثير على التحصيل الدراسي للأبناء؟

بالتأكيد، فالعلاقات الأسرية الآمنة والصحية هي خير معين للأبناء في مسيرتهم الدراسية والعلمية؛ لأن البيت الذي يسوده السلام والتعاطف والتراحم والصوت الهادئ والحوار العقلاني والمشاعر الطيبة، يشعر فيه الأبناء بالأمان النفسي، وتتحقق لهم أفضل الأجواء المناسبة للإبداع الدراسي؛ فالطفل الذي يعيش في أجواء السكينة يتحقق له السواء النفسي، حتى لو ظهرت بعض الاضطرابات أو السلوكيات المرفوضة كالعنف والعناد والإهمال الدراسي، فمن السهل جدًّا احتواء هذه الأمر في نطاق الأسر التي تتمتع بعلاقات دافئة ومهارات تواصل صحية.

أما الأسر المضطربة، حيث الشقاق والعنف والشجار وتبادل الاتهامات وربما الشتائم، فالطفل يفتقد فيها حاجته للأمان. وفي أجواء الخوف قد تنمو شتى الاضطرابات النفسية التي ولاشك تؤثر على التحصيل الدراسي. حتى بالنسبة لبعض المتفوقين على الرغم من وجودهم داخل أسر الشقاق، فإن تفوقهم كان من الممكن أن يكون مضاعفًا وإبداعيًّا لو تغيرت الخلفية الأسرية.

لذلك، في العلاقات الأسرية ننصح دائمًا بتجنيب الأبناء متابعة النقاشات الحادة أو المشاجرات، وبالتأكيد إبعادهم تمامًا أن يكونوا طرفًا في الشجار؛ وهذا هو الحد الأدنى من المسئولية الأخلاقية تجاه الأبناء، والتي سوف يحاسبنا المولى عليها؛ لأن إشراك الأبناء في الشجار أو حتى مشاهدتهم له، تخريب لنفوسهم الغضة، وتدمير لسلامهم الداخلي، وزعزعة لكل مشاعر الأمان بل ربما كل المشاعر الحلوة.

أهمية تماسك العلاقات الأسرية

والكارثة أن ذلك قد يزلزل قيمهم؛ فاهتزاز الصورة الوالدية منذر باهتزاز كل القيم والمرجعيات، وقد يلجأ بعض الأبناء للإهمال الدراسي كرسالة احتجاج لا واعية حتى ينتبه الوالدان لهم، وقد يكون الإهمال بسبب التشتت النفسي، وأحيانًا قليلة قد يحدث العكس يظن الابن أنه لو تفوق دراسيًّا فإن ذلك قد يساعد على رأب صدع العلاقات الأسرية المتشققة، خاصة لو شعر أنه هو نفسه (الطفل) سبب الشجار فيحرز درجات متقدمة بينما مشاعره مبعثرة خاصة عندما لا يتحقق الهدف المنشود من تفوقه.

الأمر ذاته ينطبق على شكل العلاقة بين الوالدين والأبناء في حالة طلاق الوالدين (خاصة مع ارتفاع معدلات الطلاق المذهلة في هذا العصر)، فلابد من إجراء حوارات عميقة مع الأبناء، والتأكيد على المشاعر الصادقة التي يكنّها كلّ من الوالدين للابن، وأن الطلاق ليس بسببه، وأنه جزء من التشريع الإسلامي ونظام الأسرة في الإسلام عموما، ولن يؤثر عليه بحال.. حتى نمنحه رسالة طمأنة تساعده على اجتياز محنة فراق والديه، بحيث لا يتأثر نفسيًّا أو أكاديميًّا.

وبالنسبة للعلاقة مع الأصدقاء.. ما أهميتها؟ ودور الأسرة في ترشيدها؟

تأتي العلاقة مع الأصدقاء أو جماعة الرفاق في المرتبة الثانية بعد العائلة وبعد العلاقات الأسرية عموما، وربما يفوق تأثيرهم تأثير المدرسة ذاتها. والأبناء يتعلمون كثيرًا من القيم من خلال الأصدقاء، لذلك من الأهمية بمكان أن تكون تلك العلاقة داخل دائرة آمنة.

ومن هنا، تأتي أهمية الحوار الحقيقي مع الأبناء؛ فالإنصات لهم يساعدنا على مزيد من الفهم لاحتياجاتهم النفسية التي يشبعونها من خلال الأصدقاء، كما أن الإنصات لهم بتفهم سيجعلهم يبوحون لنا بتفاصيل العلاقة مع الأصدقاء ولن يتكتموا عليها، كما أن الإنصات لهم سيشبع جزءًا كبيرًا من حاجتهم للاهتمام وسيجعل من المربي صديقًا..

يلي الإنصات التوجيهُ بذكاء وهدوء وبطريقة غير مباشرة في معظم الأحيان، حتى لا يشعر الابن بالنفور ويلجأ للكتمان. وعن طريق هذا التوجيه الذكي نعلم الابن مهارة اختيار أصدقائه، ونعزز فيه شعور المسئولية الأخلاقية تجاه ذلك، ويتعلم متى يقترب وكيف ومتى يقرر الابتعاد.. ولابد من أن نتمتع بالواقعية في الطرح والتوجيه؛ فالأصدقاء لابد أن يكون لديهم بعض العيوب والسلبيات تمامًا كالابن، ولكن هناك خطوط حمراء ممنوع الاقتراب منها، وهناك علاقات مؤذية لابد من اجتنابها، وهناك حدود شخصية لابد من الحفاظ عليها.

ومن خلال الحوار ومن خلال التجربة ومن خلال وسائل التوجيه التربوي الفعالة، نستطيع دعم الابن في تكوين شبكة علاقات ناجحة وصداقات جميلة تمنح الابن الإشباع الاجتماعي الذي يحتاجه، وفي الوقت ذاته قد تكون عامل تحفيز للنجاح، أو على أقل تقدير لا تكون أحد العوامل التي تدفعه للتقهقر إن كان نفسيًّا وأخلاقيًّا أو أكاديميًّا.