هدأت عاصفة الذكرى العاشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر التي شغلت كافة الأوساط السياسية والفكرية والإعلامية في الغرب والشرق على السواء، ولكن وبعد مرور عقد كامل على هذه الأحداث المفصلية في صفحة العلاقة المضطربة بين الإسلام والغرب، لا يزال المسلمون اللاتينيون يشكون من ضبابية الصورة التي يعاني منها الدين الإسلامي والممارسات المنبثقة عنه في الذهنية الغربية عامة والأمريكية خاصة.
وكانت دراسة أجراها Pew Researsitech Center”مركز بيو للأبحاث” في عام 2007 بينت أن المسلمين اللاتينيين يشكلون حوالي 4% من إجمالي 2,5 مليون مسلم يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن النظرة المتفحصة على الأفراد الكامنين خلف هذه الأرقام تكشف عن رسالة حضارية تسعى لأن تجد لنفسها دورا اجتماعيا وسياسيا وتثقيفيا هاما كسفراء للإسلام على أرض “الكاوبوي” في مواجهة الصور النمطية الشائعة عنه في العقل الجمعي الأمريكي، أو على الأقل لدى الغالبية الغالبة من أفراده.
وبحسب ما كشف عنه تقرير “بيو” عام 2011، فإن 40 % من الأمريكيين يعتقدون أن المسلمين الموجودين على أرض الولايات المتحدة الأمريكية ضالعين في دعم التطرف، في مقابل 21% فقط من المسلمين الأمريكيين الذين يتبنون الرأي نفسه.
التوجس من الديانات الأخرى
وفي هذا المقال نستعرض ما أوردته مجلة Huffington Post في 9-9-2011، في ذكرى مرور عشر سنوات على أحداث سبتمبر، عن المسلمين اللاتينيين في الولايات المتحدة الأمريكية، والدور الحضاري الذي تقوم به هذه الجالية لتصحيح صورة الإسلام في الأوساط الاجتماعية الأمريكية وتقديم رسالة تجميعية مضادة للخطاب الاستقطابي اليميني.
“إن التصور الخاطئ الأول في الذهنية الأمريكية عن الإسلام”، كما يؤكد ويلفريدو رويز، أحد المسلمين اللاتينيين المشتغلين بالمحاماة، والمولود في مدينة بورتوريكو- “تكمن في ربطه بالعنف، أما التصور الثاني فيتمثل في النظرية الإمبراطورية الإسلامية التي تتشبع بها العقلية الأمريكية، حيث يُنظر إلى الإسلام باعتباره دينا يسعى إلى الهيمنة على العالم، وأن أتباعه يسعون لفرض الشريعة الإسلامية على الدول والمجتمعات التي يعيشون بين ظهرانيها”.
أما “كين جودوي”، ذو الأصول المكسيكية والبالغ من العمر 32 عاما، والمتطوع بمسجد عمر الفاروق بمقاطعة أورانج، فيؤكد أن “السبب الرئيسي في تحول أعداد كبيرة من المهاجرين الجدد إلى الإسلام لا يكمن في خشية هؤلاء كما يشاع من العنف أو الهيمنة أو نحوهما، إنما العكس هو الصحيح، فمشاعر الدفء والأمان التي يجدها هؤلاء بين الجاليات المسلمة، في مقابل التوجس والإملاءات الدوغماتية والنظم الكهنوتية الموجودة في الديانات الأخرى، تمثل منطقة الجذب الأولى للمهاجرين الجدد إلى الإسلام والدافع الرئيس لاعتناقه”.
ويضيف “جودوي” أن “المسلمين اللاتينيين في كاليفورنيا، وغيرها من الولايات قد أصبحوا سفراء حقيقيين لديننا لا بهدف هداية الناس إلى الإسلام، ولكن بهدف نشر الصورة الحقيقية عنه وتعريف الناس به بعيدا عن الانحرافات التي تلبسته.”
المرأة في الإسلام بين الحقيقة والافتراء
وفي السياق ذاته، تؤكد “مارثا كاديها”، من أصول مكسيكية، وإحدى المتحولات إلى الإسلام والعضو في رابطة المسلمين اللاتينيين في لوس أنجلوس، أن ما دفعها للدخول في هذا الدين هو مبادئه الأصيلة التي يقوم عليها، وأن علاقتها بالإسلام بدأت باهتمامها بالتعرف إلى العالم الإسلامي بعد أن أتمت دراستها في إنجلترا. وأنها الآن تتردد بشكل منتظم للصلاة بمسجد عمر ابن الخطاب في لوس أنجلوس.
والحقيقة أن وضع المرأة في الإسلام الذي يستخدمه الكثير من المستشرقين كمنفذ أساسي للهجوم على الإسلام كان هو الخطوة الأولى في رحلة “كاديها إلى الإسلام، الأمر الذي يشي بجلاء بضبابية الرؤية الغربية وتكوين رأي عام سيادي لا يرتكز إلى أسباب موضوعية، بقدر ما يقوم على تحقيق مكاسب سياسية ومصالح اقتصادية.
وفي هذا السياق تقول “كاديها” “لقد كنت أعيش في بيت كاثوليكي قبل اعتناقي الإسلام، ولدي أخت راهبة كرملية، ولكن ما جذبني إلى الإسلام هو طريقته في التعامل مع المرأة… إنها طريقة نظيفة تتم من خلال منظور الأسرة والتقوى والأدوار المحددة بوضوح لكل فرد داخل مجتمع الأسرة الصغير وعلى مستوى المجتمع الكبير، إن الإسلام يقدم منظومة قيمية ترفع من شأن المرأة بحيث لا تملك حيالها إلا الإيمان بها وإجلالها”.
والحقيقة أن قضية المرأة والمقارنة المستمرة بين حقوقها في المنظومة القيمية الغربية ومكانها ومكانتها في المؤسسات المجتمعية المختلفة بدءا من الأسرة وانتهاء بالمجتمع الأمريكي على عمومه من جانب وفي المنظومة والمجتمع الإسلامي من الجانب الآخر، كان سببا عاما بين المسلمات اللاتينيات للتحول إلى الإسلام.
هذا ما أكدته “منيرة سيدا”، المتحدثة الرسمية باسم مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في لوس أنجلوس، وأضافت إليه الهيكلية العامة للمنظومة القيمية الإسلامية لا سيما في جانب العلاقات الاجتماعية: “إن المسلمين اللاتينيين يؤكدون على نظرة الإسلام الراقية للأسرة كمؤسسة اجتماعية مركزية، فضلا عن تأكيده على احترام الصغير للكبير، والتناغم المثالي بين الفرد والجماعة بحيث لا يذوب أحدهما في فضاء الآخر.”
وتضيف سيدا “إن الدين يلعب دورا محوريا في حياتنا العامة، وليس مجرد شعائر تعبدية منفصلة عن المجتمع، مما يدفعنا نحو مزيد من التفهم والتعمق في معاني الإيمان وفي سلوك الصحابة والتابعين، ويتجلى هذا بوضوح في حالة التعاون والعمل البنًاء التي نقدمها لمعالجة بعض الإشكاليات التي يعانيها المهاجرون الجدد كالتشرد، فضلا عن اللجوء للقضاء وتقديم الالتماسات القانونية لتحسين أحوالهم.
وبعيدا عن التشريعات الإسلامية في الأسرة والمجتمع، كان للبعد الروحي أثره العميق في جذب العديد من المسلمين اللاتينيين إلى الإسلام ليجدوا فيه من الإشباع الروحي ما بذلوا من أجله السنين الطوال بحثا وتقصيا.
ولعل “يوسف ميسونت”، البالغ من العمر ستين عاما، والعضو في التحالف الإسلامي في نيويورك يقدم نموذجا لهذا الفصيل “لقد ترعرعت في مدرسة كاثوليكية، ولكني اهتديت للإسلام منذ ثلاثة وأربعين عاما.. لقد فتح الإسلام عيني على أمور عدة تتجاوز ولا تهمل استيعابي لثقافتي ودراسة سيرة أسلافي وأجدادي، لتصل بي في نهاية المطاف إلى إعادة اكتشاف ذاتي والتفاعل مع روحانياتها كأحد مكوناتها الأصيلة لأتفهم أنه لا معبود بحق إلا الله وأن محمد رسوله ونبيه”.
أحداث سبتمبر ومشاعر الإسلاموفوبيا
وبحسب دراسة أوردها منتدى “بيو” للدين والحياة العامة في يناير 2011، فإن نسبة النمو السكاني بين المسلمين في العالم تبلغ 1.5%، بمعدل ضعف النسبة بين غير المسلمين والتي لا تتجاوز0.7%، وبلغت نسبة المسلمين حوالي 23.4% من سكان العالم عام 2010.
ومن ثم يقدر المنتدى بأن نسبة المسلمين سوف تصل في غضون عشرين عاما حوالي26.4%. وطبقا لدراسة منفصلة أجراها المنتدى، فإن أعداد المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية سوف تصل قبل عام 2030 إلى 6.2 مليون مسلم، في مقابل 2.6 مليون عام2010.
إلا أن تزايد أعداد المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية قد تصادم مع ردة فعل عنيفة ضد الإسلام في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
أما عن المسلمين اللاتينيين، يؤكد “علي خان”، مدير مجلس المسلمين الأمريكيين بشيكاغو، أن انتشار الإسلام بين أصحاب الأصول اللاتينية يسير بثبات منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأن “أعداد المسلمين اللاتينيين في الولايات المتحدة الأمريكية تُقدر بمائتي ألف” برغم ما يؤكده “رويز” أن “أحداث سبتمبر التي وقعت قبل عشر سنوات كان لها أثرا سلبيا على صورة الإسلام في العقل الأمريكي، مما أدى إلى تحول المسلمين بعدها إلى كرة قدم سياسية”.
ويضيف “رويز” أن وتيرة الخطاب الإسلاموفوبي سوف تتصاعد في الفترة القادمة بسبب قرب موعد انتخابات 2012، لأن جزءا أصيلا من الأجندة اليمينية المتطرفة القائمة على الخوف من الأجنبي هو أن توجه مدافعها ضد الجالية المسلمة، برغم أن المسلمين اللاتينيين يعلمون جيدا أن القرآن يدين كافة الأعمال الإرهابية، وأن من يدعي أنه يقتل باسم القرآن كاذب.
صناعة الخوف في أمريكا
ربما يكمن التفسير الوحيد للنمو المطرد في مشاعر الإسلاموفوبيا ورواج الخطاب اليميني المتطرف حول أسلمة أمريكا وبناء أورابيا (النموذج العربي لأوربا) لفرض النموذج الحضاري الإسلامي العربي على أنقاض النموذج العلماني الغربي، في الدافع الرأسمالي لتحقيق الربح المادي على حساب أي شيء وكل شيء، خاصة إذا علمنا أن ثمة صناعة جديدة تزدهر اليوم على أرض الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بوجه عام وهي صناعة العداء للآخر الإسلامي.
ويكفي في هذا السياق أن نورد ما ذكرته جريدة “تنيسي” الأمريكية أن “ستيفن إيمرسون” قد بلغت أرباحه عام 2008 ثلاث مليارات و ثلاثمائة وتسعين مليون دولار نتيجة قيام مؤسسته البحثية بعمل أبحاث عن العلاقات المزعومة بين المسلمين الأمريكيين والإرهاب العالمي.
وصار لهذه الصناعة سادتها وكبرائها بداية من وسائل الإعلام المحافظة إلى المطبوعات والأبحاث والكتب وصولا إلى صناعة السينما.
ويزداد الأمر يقينا إذا علمنا أن العينة المستهدفة من قبل الآلة الإعلامية اليمينية هي: “الأمريكيون البسطاء المعنيون بالتهديدات الإرهابية.. والتي تشمل كافة المواطنين الأمريكيين من اليمين واليسار والمعتدلين والمحافظين وأبناء الطبقة الوسطى، وأولئك الذين يتذكرون دائماً أحداث الحادي عشر من سبتمبر ولا يريدون أن يروها تتكرر أمام أعينهم من جديد”.
ويزداد الأمر التباسا على هؤلاء “الأمريكيين البسطاء” بسبب أن من بين أقطاب هذه الصناعة المسلمون المرتدون عن الإسلام والذين يتربحون منها عبر كتب تحث على كراهية الإسلام من شاكلة “وفاء سلطان” مؤلفة كتاب “الرب الذي يكره” و”نوني درويش” مؤلفة كتاب “الآن يدعونني كافرة” و”ابن وراق” صاحب كتاب “لماذا لست مسلما”.
إضافة إلى العديد من الوجوه اليمينية المتطرفة والمعروفة بعدائها السافر وكراهيتها الشديدة للإسلام من أمثال “خيرت فيلدرز” السياسي الهولندي المتطرف وزعيم حزب الحرية، و”أندرو ماكارثي” الذي تقلد العديد من المناصب الرفيعة في السلك القضائي، والذي قاد محاكمة الشيخ “عمر عبد الرحمن” عام 1995 و”جيمس وولسي” المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات الأمريكية… وغيرهم.
إلا أن هذا الإرهاب الفكري يصطدم بحقائق التقارير الأمنية عن الإرهاب في أوروبا، ومن ذلك تقرير الشرطة الأوربية Europol عن الإرهاب في أوروبا والذي حمل عنوان TE-SAT 2011 وأكد بما لا يدع مجالا للشك أن جماعات اليمين المتطرف أصبحت تتمتع باحترافية دعائية عالية، وأن هذه الجماعات تعمد إلى الترويج لأيديولوجياتها، مما يثير تهديدات بالغة الخطورة على أمن دول الاتحاد الأوروبي.
وأضاف التقرير أنه في حالة زيادة أعداد المهاجرين من دول الشمال الإفريقي إلى دول الاتحاد الأوروبي جراء ما تعانيه الأولى من قلاقل سياسية وأمنية، فإن الإرهاب اليميني سوف يجد متسعا اقتصاديا واجتماعيا للتمدد والانتشار عبر الدعاية والترويج للخسائر التي ستكابدها المجتمعات الأوروبية جراء موجات الهجرة المتلاحقة.
إن الرأسمالية الأمريكية والفكر المادي بوجه عام لا يعتد بصناعة الإنسان وبناء الحضارة بقدر ما هو معني بتحقيق الربح المادي والتضحية في سبيل ذلك بكافة القيم الحضارية والغائيات الإنسانية حتى لو تشدق بها لتحقيق مكاسب مادية على الأرض.
وما أشبه الليلة بالبارحة، فما يحدث اليوم، بعد عقد كامل من أحداث سبتمبر، لا يختلف في كثير من تفاصيله عن الحركات العنصرية الكريهة التي اجتاحت الغرب في النصف الأول من القرن العشرين كالنازية والفاشية، لأن الحركات الاجتماعية في عصور الانحطاط دائما ما تسير أمام التنميط القيمي والتأطير الفكري، وليس العكس!