لقد منّ الله علينا بأن أقام للسنة النبوية المشرفة حراساً يقظين، يجاهدون آناء الليل وأطراف النهار، في سبيل إيصال كلام رسول الله إلى الناس صافياً نقياً، حيث اجتهدوا في تصنيف وجمع أحاديث رسول الله اجتهاداً عظيماً، وتنافسوا في ذلك تنافساً محموداً، فكان من ثماره؛ إغناء المكتبة الإسلامية بتآليف وافرة ومصنفات بديعة، تباينت صورها وتعددت أشكالها.

إن المتأمل في المصنفات الحديثية يستوقفه ذلك التنوع البديع في التصنيف، فبين “جامع” و”صحيح” و”سنن” و”مسند” يقف القارئ متسائلاً: ما وجه الاختلاف بين “الجامع الصحيح” و “مسند الإمام أحمد”؟ وما الذي يميز “سنن الترمذي” عن “موطأ الإمام مالك”؟ إن هذه التسميات ليست مجرد تسميات اعتباطية، أو اختيارات ذوقية عفوية، بل يكمن خلفها منهجيات دقيقة وضوابط علمية محكمة، أرسى دعائمها أهل الصنعة من علماء الحديث وجهابذته.

يسعى هذا المقال إلى استعراض أبرز أنواع المصنفات الحديثية، مع بيان علّة تسميتها ووجه اختصاصها، لتكون بمثابة مفتاح يعين القارئ على فهم هذه الكنوز المباركة، ويرشده إلى كيفية الإفادة منها والنهل من معينها.

أنواع المصنفات الحديثية

أولاً: الجامع

الجامع -في اصطلاح المحدثين-: هو كتاب يجمع فيه المؤلف الأحاديث على أبواب تشمل جميع موضوعات الدين الأساسية؛ فتجد فيه العقائد والأحكام من؛ طهارة وصلاة وصيام، والرقائق والآداب، والسير والمغازي، وكأننا أمام موسوعة شاملة لهدي النبي في شتى مناحي الحياة.

ومن أشهر هذه الجوامع

  • الجامع الصحيح للإمام أمير المؤمنين في الحديث محمد بن إسماعيل البخاري (ت:256هـ)
  • الجامع الصحيح للإمام مسلم بن الحجاج القشيري (ت:261هـ)

ثانياً: السنن

هي الكتب التي خصصت لجمع أحاديث الأحكام المرفوعة إلى النبي ، مرتبة على الأبواب الفقهية كـالطهارة والصلاة والزكاة والحج، وغيرها. تعد “السُّنَن” مرجعاً للفقهاء في استنباط الأحكام، وتختلف عن الجوامع بخلوها من أحاديث العقائد والسير والمناقب وما إلى ذلك.

ومن أشهرها السُّنَن

  • “السُّنَن”: للإمام الحافظ أبي داود سليمان السجستاني (ت:275هـ)
  • “السُّنَن”: للإمام أبي عيسى الترمذي (ت:279هـ).
  • “السُّنَن”: للإمام أبي عبد الرحمن أحمد النَّسَائي، (ت:303هـ).

ثالثاً: الموطأ

اسم “الموطأ” مشتق من التوطئة، أي التهيئة والتمهيد، وكأن المؤلف يريد تمهيد الطريق للناس بهذا المصنف بتسهيله لهم. وهو كتاب مصنف على الأبواب الفقهية، يجمع بين الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمقطوعة ، مع إضافة آراء المصنف الفقهية.

ومن أشهر الموطآت

  • “الموطأ”: لإمام دار الهجرة، أبي عبد الله مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي، (ت:179هـ).
  • “الموطأ”: للإمام محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب المدني، (185هـ).

رابعاً: المصنف

هو الكتاب الذي تُجمع فيه الأحاديث مرتبة على جميع الأبواب الفقهية، لكنه لا يقتصر على المرفوع من الأحاديث، بل يشمل الموقوفات والمقطوعات.

والفرق بين ” المُوَطّأ” و ” المُصَنَّف”: أن “الموطأ” يُدرج فيه المؤلف رأيه في المسائل الشرعية، كقول الإمام مالك في موطئه: “وهو الذي عليه العمل ببلدنا…”، و”ورأيت عمل أهل العلم من بلدنا كذا وكذا..”. كما أن “المصنَّف” يفوق “الموطأ” حجماً.

وأما الفرق بين ” المُصَنَّف” و ” السُّنَن”: فإن المصنَّف يحتوي على الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمقطوعة، بينما تقتصر “السُّنَن” على المرفوعة غالباً، فالأحاديث الموقوفة، والمقطوعة لا تسمى سنناً في اصطلاح المحدثين.

ومن أشهر المصنفات

  • “المُصَنَّف”: للإمام المحدث عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت:211هـ).
  • “المُصَنَّف”: للإمام أبي بكر عبد الله بن أبي شيبه الكوفي (ت:235هـ).

خامساً: المسند

هو الكتاب الذي يُجمع فيه ما رواه كل صحابي على حدة، فتجد مرويات أبي هريرة في باب، ومرويات ابن عباس في باب آخر، وهكذا. ويُرتب فيه الصحابة حسب حروف الهجاء أو السوابق الإسلامية أو شرافة النسب.

ومن أشهر هذه المسانيد

  • “المُسْنَد”: للإمام أحمد حنبل، (ت:241هـ)، وهو أعظم ما صنّف في المسانيد.
  • “المُسْنَد”: للإمام أبي داود سليمان الطَّيَالسِيّ (ت:204هـ)، وهو أول من ألّف على هذا المنهج.

سادساً: المعجم

هو كتاب تٌذكر فيه الأحاديث مرتبة حسب مسانيد الصحابة أو الشيوخ أو البلدان، متبعاً في ذلك الترتيب الهجائي.

وأكثر ما اشتهر من هذه المصنفات: المعاجم الثلاثة للمحدث الحافظ أبي قاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت:360هـ)، وهي:

  • “المعجم الكبير”: رتبه الإمام على مسانيد الصحابة أبجدياً.
  • “المعجم الأوسط”: رتبه الإمام حسب مروياته عن شيوخه أبجدياً. يأتي بالشيخ فيسرد جميع مروياته التي عنده، فإذا انتهى انتقل إلى الشيخ الذي يليه وهكذا..
  • “المعجم الصغير”: خرّج فيه الإمام حديثاً عن كل شيخ من ألف شيخ من شيوخه.

سابعاً: المجامع

هي الكتب التي تجمع عدة مصادر حديثية في كتاب واحد، وتسمى أيضاً “المصنفات الجامعة”، وقد رُتبت حسب أوائل الأحاديث أبجدياً، أو حسب أبواب الدين.

ومن أهم المجامع

  • “جامع الأصول من أحاديث الرسول”: للإمام الحافظ المبارك بن محمد ابن الأثير الجزري (ت:606هـ).
  • “جمع الجوامع”: للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت:911هـ).

وهكذا يتبين لنا أن كل تصنيف من هذه التصانيف يحمل منهجية خاصة تخدم غرضاً معيناً، يعد معرفتها مفتاحاً لا غنى عنه لمن أراد أن ينهل من معين السنة النبوية ويستفيد من جهود المحدثين الأوائل، وما ذُكر ليس إلا إطلالة موجزة لبعض هذه التصانيف، فما يزال في جعبة التراث الحديثي الكثير مما يستحق الدراسة والتأمل.