ونحن على مشارف عام دراسي جديد ومع شهر ميلاد النبي الأعظم والرسول الأكرم كان من المهم أن نتحدث عن النبي القدوة المعلم والمربي فنجمع بين الخيرين، فإن البشرية لم ترقي في تاريخها الطويل معلما أتقن فنون التعليم والتربية والتوجيه مثل محمد بن عبدالله، فخرّج جيلاً فريداً مميزاً من الصحابة لم تجد الدنيا لهم نظير.

والحديث عن العلم حديث يتعلق بعبادة نتقرب بها إلى الله، وتتعلق بفريضة فقد روى أنس بن مالك أن رسول الله قال: “طلب العلم فريضة على كل مسلم وإن طالب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر” ( رواه بن ماجه وصححه الألباني).

 وتكمن أهمية فرضية طلب العلم، أنك وأنت تطلب العلم تعبد الله سبحانه، فتقترب منه بقدر ما تتعلم، وهذه مسألة أساسية وهي مسألة المزج بين العلم والعبادة، ويكون المطلوب الأساسي هو رضا الله سبحانه، وليس رضا الناس أو لاستجلاب مصالح دنيوية.

وفي الإسلام دائما يأتي العلم قبل العمل، فلن يستطيع المسلم أن يعبد ربه عبادة صحيحة إلا بعد العلم قال تعالى: { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} ( محمد: 19) وقد ترجم الإمام البخاري في صحيحه بابا بعنوان: العلم قبل القول والعمل.

بل إن الله عز وجل سخر كل شيء في هذا الكون لخدمة طالب العلم، وجعل النبي صلي الله عليه وسلم، تحصيله سببا لدخوله الجنة، قال النبي القدوة : ” من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع” (رواه مسلم). وجعل خروج الطالب إلي جامعته أو مدرسته وقد أخلص النية لله فهو في سبيل الله “من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع ” ( رواه الترمذي).

وقد يختلط الأمر عند بعض الناس عن مفهوم العلم وهل المقصود هو العلم الشرعي أم الدنيوي؟ وحقيقة أن الإسلام لم يفرق بين الأثنين فهما مطلوبان فقد كان علماء الإسلام وهم يطلبون العلم يبحثون عن العلم بالمعنى الشامل، عن العلم الدنيوي الذي يصلح دنياهم والعلم الشرعي الذي يصلح آخرتهم، وكنت ترى العالم الموسوعي المتبحر في كل العلوم فتجده عالما بالتفسير والحديث والفقه وفي نفس الوقت تجده متبحرا في الطب والفلك والهندسة.

وعندما فهم السلف مراد الله من العلم تقدموا وقادوا وسادوا، أما الآن حدث ولا حرج فأمة الإسلام متخلفة وذلك بسبب جهلنا بفهم الإسلام فهما حقيقيا فأصبنا الجمود وكان هذا الانفصام النكد بين ما يطلبه الإسلام منا وما نطبقه نحن، فلا فهمنا العلم الشرعي ولا درسنا العلم الدنيوي حتي صرنا في ذيل القائمة.

وما فتئ الزمان يدور حتى  مضــى بالمجد قوم آخرونا وآلمنـــــــي وآلم كل حـــــــــــر سؤال الدهر أين المسلمون

لابد أن تحسن الأمة صناعة العلم من جديد حتى تعود إلى الصدارة وأن تكون هناك رؤية واضحة فالعلم الحقيقي هو الذي يمنحك القوة التي تحميك وتحمي الحق الذي تحمله.

السمات التي تميز بها النبي القدوة

وهي رسالة لكل مربي ومعلم يريد أن يحتذي بـ النبي القدوة والمعلم الأول ، وبالكيفية التي كان يعلم بها أصحابه، هل علمهم بالضرب والسوط ، هل علمهم بالحديد والنار، هل علمهم بالسب والشتم، أم علمهم بالرفق والرحمة واللين، والقدوة والصبر والتشويق والتبسيط وضرب الأمثال وهذه هي الأدوات التي يحتاج إليها المربي والمعلم المبدع.

السمة الأولى: الرفق والرحمة واللين

إن أول أصول التعليم هو الرفق والرحمة واللين بالمتعلم والتيسير والبشاشة ، كل هذه الصفات هي مفاتيح للقلوب وكان هذا دأب النبي صلي الله عليه وسلم، لقد جاء إلى العرب وهم يتقاتلون من أجل مود شاة ومربط الناقة فجاء يعلمهم بالرحمة والرفق فانقادت له القلوب فهو الذي علم أصحابه كما روت عائشة رضي الله عنها: ” إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله” ( متفق عليه). وروت أيضا رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: “ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه” (صحيح الجامع).

فكان يرفق بالمخطئ كما حدث مع الأعرابي الذي بال في المسجد ويصف سيدنا أنس بن مالك خادم رسول الله شده العرب البدو فيقول: ” كنت أمشي مع رسول الله وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه من ردائه جذبة شديدة فنظرت إلى صفحة عنقه صلي الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة الجبذة ثم قال يا رسول الله اعطني من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله فضحك ثم أمر له بعطاء” (رواه البخاري)، والأمثلة في هذا الباب كثيرة والشواهد متعددة، وهذه من رحمة النبي ورفقه بالمتعلم فكان يعذر بالجهل ويقدر ظروفهم ويراعي أحوالهم.

السمة الثانية: التعليم بالقدوة

كان النبي صلي الله عليه وسلم يعلم ويربي الناس بالقدوة ويطبق علي نفسه ما يقول من علم وعمل، فما قال من كلمة إلا وعمل بها وما دعا الناس إلى خير إلا وكان اسبقهم، لقد كان النبي القدوة والمعلم الأول عندما يتحدث عن التواضع يكون أول المتواضعين، وعندما يتكلم عن الكرم يكون أول المنفقين، وإذا تحدث عن الصبر يكون إماما للصابرين.

 عندما يكون المعلم قدوة تؤتى العملية التعليمية ثمارها بإذن ربها، قال: مالك بن دينار: (إن العالم إذا لم يعمل بعلمه ذلت موعظته عن القلوب كما تذل القطرة عن الصفا)، للأسف هناك فجوه الآن بين ما يقوله المعلم والمربي وبين سلوكه فتجد المعلم يدخن في الفصل أو تاركا للصلاة وربما لا يتقن عمله فكيف يربي جيلا ويخّرج أبطالا، ولقد ذم القرآن هؤلاء فقال تعالى: { يا أيها الذين آمنو لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} (الصف:2-3 )

ومن أصعب الأحاديث علي النفس ما رواه أسامة بن زيد عن رسول الله أنه قال[ يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه فيطيف به أهل النار، فيقولون: يا فلان ما أصابك ؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: بلى قد كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر و آتيه](متفق عليه).

ومن أجمل الحكم التي أجراها الله علي لسان أبي الأسود الدؤلي عندما قال:

يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى كيما يصح وانت به سقيم ابدأ بنفسك فإنها عن غيها فإن انتهت عنه فأنت حكيم لا تنه عن خلق وتأتى مثله عار عليك إذا فعلت عظيم

السمة الثالثة: الصبر الجميل

فالمعلم الجيد يحتاج إلى الصبر علي المتعلم ، فالنبي القدوة صلي الله عليه وسلم لا يغضب ولم يكن سريع الغضب، ومن ذلك ربما يسأله السائل وهو منشغل مع آخر ولم يراع أدب السؤال فلم يزجره النبي صلي الله عليه وسلم بل أكتفى بالإعراض عنه حتي ينتهي ثم تعامل معه برفق ويجيب على سؤاله.

فقد روى ابو هريرة قال بينما النبي في مجلس يحث القوم جاءه أعرابي فقال متي الساعة : فمضي رسول الله يحدث اي يكمل حديثة دون أن يجيبه حتي انتهى قال : أين السائل عن الساعة : قال ها أنا يا رسول الله قال صلي الله عليه وسلم[ إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ، قال : وكيف إضاعتها قال: إذا وسُد الأمر إلى غير أهله]( رواه البخاري) والحديث ينبه على أدب العالم والمتعلم.

السمة الرابعة :التعليم بضرب المثل والتبسيط

كان النبي القدوة يعلم الناس بضرب المثل والتشويق والتبسيط وكان يخاطبهم علي قدر عقولهم، وهكذا يجب أن يكون المعلم القدوة المبدع يعلم النشء عن طريق التشويق والتهيئة والأثارة كل هذه من مهارات التدريس، فقد روى البخاري أن الحبيب سمع أحد الأطفال وهو (عمير اخو أنس) وكان له طائر يلعب به فمات الطائر فأراد النبي صلي الله عليه وسلم صاحب القلب الكبير أن يشارك الطفل أحزانه، فذهب إليه في بيته وأظهر له الأسى وقال له: (يا أبا عمير ما فعل النغير).

ويروي جابر بن عبدالله أن النبي صلي الله عليه وسلم مر بالسوق والناس كَنَفَتَيَهِ، فمر بِجَدْيٍ أَسَكَّ ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: «أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم؟» فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به؟ ثم قال: “أتحبون أنه لكم؟” قالوا: والله لو كان حيا ًكان عيباً، إنه أسك فكيف وهو ميت! فقال: “فو الله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم” (رواه مسلم).