تعتبر غرفة نوم الطفل بمثابة متحف مصغر للإخفاقات، سنجد تلك الآلة في الزاوية مغطاة بالغبار، وبعض الكتب لم تكتمل قراءتها تركت على الرفوف، وملابس خاصة بلعبة الكاراتيه مهملة لم تعد تناسب صاحبها، ومجموعة من ألعاب الخفة فقدت بعض قطعها، كل قطعة تمثل شهادة صامتة على تجربة فضولية بدأها الطفل، لكنه بسبب إخفاقه انتهى به المطاف إلى التخلي عنها.

من المذهل أن نجد الأطفال يولودون بفطرة تدفعهم للبحث والاستطلاع واختبار تجارب جديدة، يرافق ذلك إدراك من قبل الآباء والأمهات أن الفشل جزء أساسي من نمو أطفالهم. ومع مرور الوقت وخاصة في الفترة التي تلي مرحلة المراهقة وصولا إلى بداية النضج، قد نفقد هذا اليقين، ونتوقف عن الإيمان بأن الفشل هو حجر الزاوية في تحقيق النجاح..

تقول أستاذة القيادة والإدارة في كلية هارفارد للأعمال إيمي إدموندسون : “تسود في ثقافتنا قناعة تقول إن النجاح يعني ألا نخفق أبدا، وأن الفشل غير مقبول، وأن الإخفاق يدل بالضرورة على خلل في الشخصية”.

وتضيف إدموندسون : “هذا الكلام لا أساس له، فالجميع يخطئ، والفشل جزء أساسي من رحلة النجاح.”

أنواع الفشل التي يجب تجنبها

وحددت إدموندسون ثلاثة أنواع رئيسة من الإخفاقات بعد دراسة معمقة للفشل بأشكاله المختلفة وفهم الفروق بينها يساعد في اكتشاف طرق جديدة للمحاولة بتكلفة أقل، وربما تحويل تجربة الفشل إلى لحظات ممتعة ومحفزة.

الفشل الأساسي

النوع الأول هو الفشل الأساسي، الأخطاء البسيطة الناجمة عن التشتت أو الإرهاق، مثل خطأ مطبعي في رسالة بريد أو نسيان عيد ميلاد. هذا النوع غالبا ما يكون بسيطا ويمكن تصحيحه بسهولة في حين قد تكون النتائج وخيمة أحيانا.

الفشل المعقد

النوع الثاني الفشل المعقد، ينشأ من تضافر عدة عوامل يصعب السيطرة عليها. على سبيل المثال، قرارات مدراء تتحمل مخاطر في ظل ظروف معقدة ومتقلبة، واحتمالية حدوثها تقع نتيجة تجاهل الحقائق رغم معرفتها، كما حصل في الأزمة المالية العالمية 2008 م.

وينبغي السعي لتفادي هذين النوعين قدر المستطاع، مع الاقرار بوقوعهما لا محالة. ويمكن تقليل أضرارهما إذا جرى التعامل بحذر وتركيز خاصة مع المهام المصيرية.

الفشل الذكي

النوع الثالث هو الفشل الذكي، أي الإخفاق الذي نستفيد منه بالتعلم والتطور. تقول إدموندسون: “بينما نعمل على تقليل الفشل الأساسي والتعامل بحكمة مع الفشل المعقد، ينبغي أن نزيد من الفشل الذكي.”

4 شروط لـ الفشل الذكي

ولتسمية الفشل ذكيا، يجب أن تتوفر فيه أربعة شروط:

  1. أن يقع في مجال جديد، أي لم يسبق التعرض لهذه التجربة سابقا.
  2. أن يكون في سبيل هدف محدد.
  3. أن يستند إلى فرضية مدروسة، لا مجرد تخمين.
  4. أن تكون تكلفة الخسارة الناتجة محدودة قدر الإمكان.

ويمكن اعتبار أن هذه الشروط هي ما يتقنه الأطفال بالفطرة، وأعيد اكتشافه من قبل العلماء في مسيرتهم المهنية.

لقد أكد عالم الأحياء ستيوارت فايرستاين أن الفشل سر النجاح في العلوم، فالتجربة والخطأ من طبيعة البحث العلمي، والفشل حين يكون مصدرا للمعلومات هو بحد ذاته نجاح، إذ يرسم طريق التجربة التالية ويعلم ما لم يكن صحيحا. كما قال فايرستاين: “لا وجود لعلم بلا فشل”.

كيف تبني طريقك نحو الفشل الذكي؟

لتحويل فشلك القادم إلى فشل ذكي، اعتبر مهمتك القادمة تجربة علمية، سواء في تصميم منتج جديد أو تجربة وصفة لأول مرة، واتبع هذه الاستراتيجيات:

  • ابدأ بخطوات صغيرة: لا يبدأ المهندسون ببناء ناطحة سحاب ثم ينتظرون ألا تأتي زلازل، بل يعمدون إلى بناء نماذج مصغرة يختبرونها بدقة. كذلك، تطور الشركات الناشئة منتجا أوليا لاختباره على نطاق محدود، لتعلم دروسا قيمة بأقل خسائر.
  • أنتج أفكارا كثيرة: التقيد بفكرة واحدة يعرضك لخطر الإفراط في الاستثمار، ويولد خوفا من الفشل حتى الذكي منه. فكر في عدة أفكار وابدأ بالأكثر جدوى، فإن أخفقت انتقل إلى الفكرة التي تليها مع الاستفادة من الدروس.
  • قم بتأسيس آلية للتغذية الراجعة: الانغماس في الفكرة قد يعمي صاحبها عن رؤيتها بموضوعية، لذلك من الضروري وجود نظام لتلقي النقد البناء والآراء الصادقة، كما يفعل الكتاب مع المحررين والعلماء عند مراجعتهم أعمال الأقران.
  • اعرف متى تنسحب: الانسحاب قد يعتبر فشلا لكنه أحيانا قرار ذكي واستراتيجي. قد يترك العالم فرضيته إن لم تدعمها الأدلة، وقد ينسحب اللاعب الرياضي من الميدان لحماية نفسه من الإصابة.
  • تجنب فخ المثالية: السعي الزائد للكمال يمنع الاستفادة من دروس الفشل. الحقيقة أنك ستفشل بكل تأكيد، فلماذا تهدر الطاقات في طلب المستحيل؟ من الأفضل أن تسعى للفشل الذكي وتتعلم قيمته.

تختتم إدموندسون حديثها قائلة: “الرغبة في تجنب الفشل أمر طبيعي، لكن بتجنبه نحرم أنفسنا من الاكتشاف والإنجاز. الطريق الوحيد للنجاح في أي محاولة مستحقة هو الاستعداد للتجربة مع يقين بأن كثيرا منها سينتهي بالفشل. علينا تقبل هذه الإخفاقات والاحتفاء بها، فمن خلالها تولد الإنجازات العظيمة والسعادة الحقيقية”.