أصدرت إدارة البحوث والدراسات الإسلامية في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر الكتاب الرابع بعد المائتين في سلسلة “كتاب الأمة” بعنوان “الهوية الوطنية والتماسك الاجتماعي: دراسة في إشكالية الانتماء، بين الفكر المعاصر والفقه الإسلامي”، من تأليف الأستاذ الدكتور محمد محمود الجمال. يتألف الكتاب من 264 صفحة من الحجم المتوسط.

ويأتي كإضافة جديدة ومهمة لسلسلة “كتاب الأمة” التي تهدف إلى تناول القضايا الفكرية والاجتماعية المعاصرة من منظور إسلامي.

هدف الكتاب وأهميته

يهدف الكتاب إلى تأسيس قيم الهوية الوطنية وتوضيح دور الدين في بناء المشترك الإنساني، بالإضافة إلى تسليط الضوء على قضايا تاريخية مهمة مثل “حلف الفضول” و”صحيفة المدينة”. كما يهدف إلى الخروج برؤية شرعية ومقاصدية للتعايش مع الآخر بفاعلية وانفتاح، ووضع الأسس الشرعية لمفهوم المواطنة في إطار دراسة شاملة تستوعب جميع الأبعاد الدينية والسياسية والقانونية والاجتماعية والثقافية والقيمية والتاريخية.

يكتسب الكتاب أهميته كونه يتناول قضية “الهوية الوطنية” في وقت أصبحت فيه هذه المسألة من أكثر القضايا المعاصرة حساسية. تتضمن الهوية الوطنية مجموعة من القيم والأخلاق التي تؤثر على مفهوم المواطنة لدى أفراد المجتمع، وتساهم في قياس درجة وطنيتهم ووعيهم بحقوقهم وواجباتهم. ومن هذا المنطلق، يعد الكتاب مرجعًا مهمًا للباحثين والعلماء وصناع القرار لفهم أعمق للهوية الوطنية وسبل تعزيزها في المجتمعات المعاصرة.

محتوى كتاب الهوية الوطنية والتماسك الاجتماعي

ينقسم الكتاب إلى ستة مباحث رئيسية، يتناول كل منها جانبًا مختلفًا من موضوع الهوية الوطنية والتماسك الاجتماعي:

    المبحث الأول: تحديد المفاهيم

في هذا المبحث، يتناول المؤلف التعريفات الخاصة بالموضوع، ويقدم إضاءات على المفاهيم الأساسية مثل: الهوية، الوطن، المواطنة، الوطنية، الانتماء، الأمة، المجتمع، العقد الاجتماعي، والحق المدني. يهدف هذا المبحث إلى وضع إطار نظري واضح يساعد القارئ على فهم المصطلحات المستخدمة في الكتاب، وكيفية تداخلها وتأثيرها على قضية الهوية الوطنية.

    المبحث الثاني: قيم الهوية بين التأسيس والتزاحم

 يناقش هذا المبحث قيم الهوية الوطنية ومفاهيم الوطن، وأثر ذلك على الأفراد والمجتمع. يركز المؤلف هنا على كيفية فهم الهوية الوطنية في إطار التعدد والتنوع كسنة كونية وواقع تاريخي. ويشير إلى أهمية إدراك أن التعددية ليست مجرد ظاهرة اجتماعية، بل هي ضرورة عمرانية تعزز من بناء المجتمع وتطوره.

    المبحث الثالث: تعزيز قيم الانتماء

يركز هذا المبحث على كيفية تعزيز قيم الانتماء للوطن من خلال النظر في مختلف دوائر الانتماء، سواء كانت دينية، ثقافية، أو اجتماعية. يناقش الكتاب كيفية بناء جسور بين هذه الدوائر المختلفة لتعزيز الشعور بالانتماء الوطني، وكيف يمكن للدين أن يلعب دورًا مهمًا في هذا السياق من خلال بناء المشترك الإنساني.

    المبحث الرابع: الهوية ودوائر الانتماء

في هذا المبحث، يتناول المؤلف قضية التعايش بين دوائر الانتماء المختلفة، وكيفية رفع التعارض بينها. يقدم رؤية حول دور الدين في بناء المشترك الإنساني، وتوضيح كيفية التوافق بين مختلف دوائر الانتماء مثل الأسرة، القبيلة، الأمة، والإنسانية. يسعى الكتاب هنا إلى تحقيق التوازن بين هذه الدوائر دون أن يتسبب ذلك في تصادم أو تشرذم داخل المجتمع.

    المبحث الخامس: أسس المواطنة

 يستعرض هذا الجزء دعائم المواطنة مثل الحرية، المساواة، والمشاركة. يوضح كيف تشكل هذه الدعائم أركان المواطنة، وما يترتب عليها من حقوق قانونية وسياسية واقتصادية واجتماعية. يعرض الكتاب تصورًا شاملًا لكيفية بناء مواطنة فاعلة تحافظ على التوازن بين الحقوق والواجبات، وتشجع على المشاركة الفعالة في بناء المجتمع.

    المبحث السادس: رؤية مستقبلية

يختتم الكتاب بمقاربة مستقبلية لمواطنة فاعلة تحقق الأمن والتنمية، وتبني السلم المجتمعي، مع الالتزام باحترام القانون وربط الحقوق بالواجبات. يطرح رؤى جديدة لتطوير مفهوم المواطنة بما يتناسب مع التحديات المعاصرة، وكيفية تعزيز الانتماء الوطني في ظل العولمة والحداثة.

التحديات التي تواجه الهوية الوطنية

يسلط  كتاب “الهوية الوطنية والتماسك الاجتماعي” الضوء على التحديات التي تواجه الهوية الوطنية والسيادة، مثل العولمة وتأثيرها على مفهوم المواطنة والانتماء. يوضح كيف أن العولمة قد أدت إلى دولنة السلع والأفكار ورؤوس الأموال، وتجاوزت الولاءات المعروفة للوطن والأمة والدين، إلى ولاءات وهويات جديدة قد تؤدي إلى حروب أهلية تهدد بتفتيت السيادة وتمزيق الوحدة الوطنية.

بالإضافة إلى ذلك، يناقش الكتاب قضايا أخرى مثل قبول العديد من الدول للمواطنة المزدوجة، وظهور ما يعرف بالحقوق العالمية، والتحالفات الدولية، وانعكاساتها على الدول النامية. كما يتطرق إلى بروز الهويات الحضارية والدينية والعرقية، ونمو القوى الاجتماعية العابرة للحدود، وهيمنة الليبرالية وتبديدها للحدود والانتماءات.

النماذج التاريخية والتجربة الإسلامية

يقدم الكتاب بعض النماذج من التجربة العربية والإسلامية، مثل “حلف الفضول” و”صحيفة المدينة” كأسس لتعزيز الهوية الوطنية والتماسك الاجتماعي. يشير إلى كيف أن الشريعة الإسلامية سعت إلى تصحيح النموذج الاجتماعي القبلي العشائري، وحافظت على القيم الاجتماعية النبيلة فيها، وارتقت بالقبيلة وأدخلتها في وحدة الأمة.

يشير الكتاب أيضًا إلى أن التاريخ الإسلامي شهد أنشطة معرفية متمايزة، وأنماطًا ثقافية مختلفة، وتنوعًا في النسيج الديني، مما جعل المجتمع المسلم عبر التاريخ من أفضل المجتمعات البشرية تعددية وانفتاحًا، حيث رفض الطبقية، واستهان بالحدود الفئوية الاجتماعية.

رسالة الكتاب

يخلص كتاب “الهوية الوطنية والتماسك الاجتماعي” إلى أن رسالة الدين الإسلامي تحمل بُعدًا عالميًا، تهدف من خلاله إلى إسعاد الإنسانية، وتعالج سائر انحرافاتها عبر تاريخها الطويل. يؤكد على ضرورة عدم تغييب معالم “المشترك الإنساني”؛ لتلتقي وتتعاون عليه البشرية، مثل وحدة الإنسانية، والرسالة الإلهية، والمصلحة، والمصير.

الخلاصة

يعتبر كتاب “الهوية الوطنية والتماسك الاجتماعي: دراسة في إشكالية الانتماء، بين الفكر المعاصر والفقه الإسلامي” مرجعًا مهمًا لفهم قضية الهوية الوطنية من منظور إسلامي. يقدم رؤية شاملة ومعمقة تجمع بين الأبعاد الدينية والسياسية والقانونية والاجتماعية والثقافية والتاريخية. يهدف إلى تحقيق التوازن بين مختلف دوائر الانتماء، وتعزيز قيم المواطنة والانتماء الوطني في المجتمعات المعاصرة.