لا يكاد يمر يوم حتى يدخل إلى رحاب الإسلام وافدون جدد؛ أنار الله بصيرتهم، وزكّى نفوسهم، وهداهم إلى صراطه المستقيم؛ بعد رحلة عناء في البحث عن الحقيقة، وعن المخرج من الأزمة الروحية والعقلية التي وصلت إليها الحضارة المعاصرة. فما الرسالة التي يوجهها أولئك الوافدون الجدد، إلى المسلمين؟
وعلى سبيل المثال، نذكر السيدة “لورين بوث”- الصحفية وناشطة حقوق الإنسان البريطانية، والأخت غير الشقيقة لزوجة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير- التي أثار إسلامها في عام 2010م عاصفة من الانتقادات في بريطانيا والغرب، مما دفعها إلى كتابة مقال في صحفية “الجارديان” بعنوان: “الآن وقد صرت مسلمة.. لِمَ كل هذا الفزع والصدمة؟”.
كما نذكر، السياسي الهولندي “يورام فان كلافيرين”، الذي أعلن إسلامه في عام 2019م، بعد أن كان قد شرع في تأليف كتاب معادٍ للإسلام، وكان أحد المساعدين السياسيين المقربين لخيرت فيلدرز “الأب الروحي للحزب اليميني المتطرف في هولندا”.
ومن قبلهما، محمد أسد، ورجاء جارودي، ومراد هوفمان، وموريس بوكاي، وجيفري لانج.. والمئات بل الآلاف الذين جاء إسلامهم ليؤكد قدرة الإسلام- رغم واقع المسلمين المؤلم- على مخاطبة أرقى العقول البشرية، وعلى ملامسة شغاف قلوب الحائرين في دروب المادية، الذين ليس عليهم سوى أن يفتحوا قلوبهم وعقولهم لأشعة الإسلام كي تستنير وتطمئن..
لكن السؤال المهم هنا: ما الرسالة التي ينبغي أن تصلنا نحن المسلمين من إسلام هؤلاء الغربيين؟
هل تتمثل هذه الرسالة في الاعتزاز بقدرة الإسلام على منازلة شانئيه، ومواجهة الشبهات التي توجَّه إليه كذبًا وافتراءً.. وفي الفخر بقدرته على كسب أرضٍ جديدة، رغم شراسة المعركة وما يمتلكه الخصوم من إغراءات؟!
نعم.. يحق لنا أن نعتز بقدرة الإسلام هذه، وأن نفاخر بها.
لكن، حين يكون هذا الاعتزاز مصحوبًا في الواقع بتكاسل المسلمين، وبعدم بذلهم الجهد المطلوب لإنصاف الإسلام، وبتركهم إياه وحيدًا في ميدان المعركة، بل ومصحوبًا بالإساءة للإسلام من قِبل المسلمين أنفسهم.. فمن الحق أن نصارح أنفسنا- والحال هذه- بأننا لسنا جديرين بهذا الاعتزاز..!
للأسف، فإن أكبر عقبة تقف في طريق الإسلام في واقعنا المعاصر هم المسلمون أنفسهم؛ فإن واقعهم لا يشرِّف الإسلام، ولا يعكس مبادئه، ولا يُعد صدى حقيقيًّا لتوجيهاته..!
ما أبعد الشُّقة بين الإسلام وواقع أبنائه..!
وما أسعد غيرَ المسلم حين يبدأ تعرفه على الإسلام من مبادئه وآدابه المبثوثة في القرآن الكريم والسنة النبوية!
لاشك أن رحلته- وقتئذ- ستكون أيسر كلفة، وأكثر سعادة، وسيكون قد وضع نفسه قبالة الإسلام مباشرةً ومن أقصر طريق.
لكن ما أشد حيرة هذا الإنسان حين تكون بداية تعرفه على الإسلام من خلال واقع المسلمين!
إنه لن يجد بسهولة إجابات على أسئلته الحائرة، وقد لا يجد ما يغريه بترك دين آبائه، أو بترك عدم تدينه أصلاً.. إلا أن يمنَّ الله عليه فيتعرف على مسلمين صادقين؛ قد عرفوا حق إسلامهم عليهم، فقاموا به خير قيام.
وللأسف- مرة ثانية- فإن هؤلاء المسلمين الذين يعكسون بمعاملاتهم مع الآخرين صدقَ ما يعتنقون من مبادئ ونقاءَها، هم قلة قليلة من تعداد المسلمين الذي تخطّى المليارين!
لقد كان أول ما نزل من القرآن الكريم { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ . الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (العلق: 1- 5).. فما حظ المسلمين اليوم من العلم؟ وما إسهاماتهم في دنيا التكنولوجيا؟ وما موقعهم على خريطة الاكتشافات والاختراعات؟
هذا مجرد مثال يدل بعمق على الفجوة الحاصلة بين الإسلام ومقاصده من ناحية، وواقع أبنائه من ناحية أخرى..!
لا نعرف قيمة الكنز
إنني أعتقد أن الرسالة التي يوجهها- إلينا نحن المسلمين- هؤلاء الغربيون الوافدون على الإسلام، هي أننا لا نعرف قيمة الكنز الذي بين أيدينا.. ولا نحسن تلقِّيَ النور الذي منحنا الله إياه، من غير تعب ولا نصب ولا استحقاق.. ولا نقوم بالواجب المطلوب تجاهه..!
إن الواحد من هؤلاء الوافدين الجدد كان يكفيه أن يسمع آية أو آيتين، أو يعرف شيئًا يسيرًا عن الإسلام، حتى يقف مشدوها مقارِنًا متأملاً في سر هذا النور الذي ينبعث من تلك الآيات، وفي حقيقة هذا الدين الذي يقف خلف ما ألمَّ به من معرفة يسيرة..
لكننا نسمع آيات الله تُتلى صباح مساء دون أن نُلقي لها سمعًا، أو نَهَبَ لها لحظة تأمل وتدبر..!
أليس هذا القرآن- حينئذ- حُجةً علينا لا لنا..؟!
ألا يجب أن نخشى “سنة الاستبدال” أن تفعل بنا فعلها، بعد الإعراض والتولي؟! {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (محمد: 38).
أليس جديرًا بنا أن نستحي من النبي ﷺ حين يشكونا إلى الله يوم القيامة قائلاً: {يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (الفرقان: 30).
بِمَ نجيب الإسلامَ حين يتهمنا بالتقصير في حقه، وبالإساءة إليه، وبالصدِّ عنه؟!
حتى نتدارك ما فاتنا
لا يكفِّر عنا هذا التقصير بحق الرسالة الخاتمة إلا أن نتدارك وبسرعة ما فاتنا، فنعمل- أولاً- على أن نفهم هذا الإسلام، فهمًا صحيحًا صافيًا نقيًّا، من غير إفراط ولا تفريط: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام: 153).
ثم نعمل- ثانيًا- ما وسعنا الجهد على أن نبلغ الإسلام إلى العالمين، تبليغًا صحيحًا، يدرك به الناس خصائص تلك الرسالة التي ارتضاها الله لهم حتى قيام الساعة، وهي الخصائص التي أوجزها الله تعالى حين خاطب نبيه ﷺ قائلاً: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107).
إذا فعلنا ذلك، واجتهدنا أن نسد الخلل بسعي حثيث؛ نكون قد استوعبنا الرسالة من إسلام هؤلاء الغربيين تمام الاستعياب، ونكون جديرين حقًّا بهذا الاعتزاز الذي نبديه بذلك الدين الذي يدخل فيه كلَّ يوم وافدون جدد..