قال الدكتور فريد إسحاق الباحث الجنوب إفريقي في الفكر الإسلامي إن الحل الوسط بين الحكام والمحكومين، أو ما يمكن تسميته  “بالإصلاح الوقائي” من أرجح الحلول البديلة لوقف الحرب والخلاف المستديم بين الحكام والمحكومين في الدول الإقليمية،  وضرب إسحاق مثالا بما فعلته جنوب إفريقيا إبان حربها ضد سياسة التمييز العنصري، وأنه يمكن تأسيس هذا المبدأ و الانطلاق نحو قضيتين مرتبطتين بالفكرة الوسطية لدي الأمة الإسلامية.

طرح إسحاق هذه الفكرة خلال إحدى جلسات مؤتمر “ تزاحم القيم في العالم المعاصر: إسهامات إسلامية” والذي نظمه مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق في قطر يومي 2 و 3 أبريل 2016 مضيفا:   القضية الأولى تتعلق بتحديد مفهوم الوسطية في الفكر الإسلامي، فإن لفظة “أمة وسطا” ورد ذكرها في القرآن الكريم، وتطور تفسيرها عبر العصور، وكان معناها خلال مئتي سنة الأولى “أمة عدل” أو عدول، ووافق هذا اختيار ابن عباس والحسن وغيرهما، لكن انزاح هذا المعنى مع القرن الثالث وما بعده، ورجح ابن جرير في تفسيره أن يكون المقصود من لفظة “وسطا” التوسط إشارة إلى الأفضلية لهذه الأمة. وتظهر هذه الأفضلية للأمة حين تقدمت على جميع الأمم، فكانت تتوسط بين تشدد اليهودية وتقصير النصرانية، كذلك حين بوأها الله تعالى منزلة الإشهاد على البشرية جمعاء.

وقال إسحاق  إن نظرة الوسطية بين الأمم يحدوها كثير من التحديات سواء في التعامل مع الأمة المقتصدة وهم أهل الكتاب كما أشار القرآن الكريم، أو في علاقتها مع سائر البشر، غير أن شهادة الأمة على هذه الملل والخلائق يحصرها محاسبة الله، وهو خير شهيد ، لذلك جاء قيد (ويكون الرسول عليكم شهيدا)، فمهما تمكنت الأمة من الرقابة على الخلق، فإن مراقبة أحكم الحاكمين تحيط بها كذلك، وهذه التحديات توجب السيادة المطلقة لهذه الأمة، وتتطلب التواضع في الحكم، والفاعلية المستمرة من الحكام والمحكومين.

وأسهب حول القضية الثانية وهي القيم القرآنية، وذكر أنها الوسطية التي أشاد بها القرآن الكريم ووصف الأمة بها، ويحتاج تحقيقها إلى بعض القيم.

وأضاف : “ويتوجب علينا أن نبحث عن هذه القيم من القرآن الكريم، وكما قيل إن الوسطية ترمز إلى العدل، فلا بد أن نطرح سؤالا عن أي عدل نتحدث؟ أو أي وسطية ؟ وكيف نحقق هذه المبادئ السامية، لا سيما وأن الأمة اليوم تتعرض لتهمة الإرهاب والعنف الدولي؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات، يجب تحقيق العدالة والكرامة باعتبارهما قيما عالمية ناشدتها الأمة بشكل متفاوت بين المجتمع المسلم المستقر وغير المستقر، ولا تتمكن الأمة من تحقيق هذه العدالة والكرامة حتى تعزز معنى الوسطية “.

وبحسب رأي إسحاق، فإن الأمة تدرك الوسطية وتحققها حين تتذكر قيود (جعلناكم) و (تكونوا شهداء على الناس)، فإن القيد الأول يشير إلى جانب التقوى من الله تعالى ويساعد الحكام على إتقان المهمات الملقاة على أعتاقهم، ويؤسس القيد الثاني فكرة الشعور بالمحاسبة لدي الحكام حيث يحدد المجتمع قوانين عادلة تمنع الاستبداد والسيطرة المطلقة.

وختم إسحاق مداخلته قائلا “إن الحاكم حين يرفض هذه المبادئ المحققة للعدالة والكرامة، فإن المحكومين من جانب آخر يختارون انفعالات همجية لا يحكمها تدبير عقلاني، وذلك لعدم نضج مفهوم الاعتدال لديهم، وهذا الحال ينطبق على باكستان، فهي بلد إسلامي غير مستقر، يسودها الفوضى من الحكام إلى المجتمع، وقارن هذه الحالة بحركة غير البيض في جنوب إفريقيا ضد السياسة العنصرية، فإنها رغم تعدد العرق وتنوع الانتماءات الدينية، نجحت إلى حد كبير لأنها راعت العدالة الاجتماعية عاملا أساسيا مؤثرا لإنهاء الممارسات العنصرية في الدولة” .