كم داعبت خيالنا تلك الأمنية الجميلة أن نكون عشنا في زمن الرسول صل الله عليه و سلم و زمان الصحابة و زمن الانتصارات و الحضارة الاسلامية،  و كم تأففنا من وقتنا الذي ما عايشنا في أغلبه سوى الخذلان و التفريط، لينطبق علينا قول الشاعر انطباقا تفصيليا

نعيب زماننا و العيب فينا    و ما لزماننا عيب سوانا

 و كم رأى البعض نفسه فوق زمانه سباقا لعصره ألمعيا بز أقرانه، غير أن هذا الفذ أو مجموعة الأفذاذ ما نجحوا لحد الآن في تغيير مسار التاريخ العربي الاسلامي و استعادة ما كانته روح الأجداد و انجازاتهم، ناهيك عن استشراف شكل المستقبل!.

 

ينظر الشباب حولهم فلا يجدون عمرا و لا صلاحا و لا معتصما؛ فيزداد يأسهم و يظنون أنهم ولدوا خارج الزمان، و يغفل هؤلاء أن صفة الزمان من نصر أو خذلان، من قوة أو ضعف، من عزلة أو ذلة، إنما تتشكل بعمل البشر و يداولها الله بين الناس بما كسبت أيديهم، فلا يبقي الضعيف ضعيفا إن هو عمل، و استكمل أسباب النصر.

 

يغفل أصحاب الأماني وحالمو اليقظة أن بعض من أدركوا الزمان الأول استغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا، ينسون أن أبا جهل عايش الزمان المجيد و كان يمكن أن تناله دعوة الرسول بأن يعز الله الاسلام به إلا أن تحقيق الدعوة جاء في شخص عمر الذي بذل أسباب الإيمان و السعي والتضحية، فتكاملت فيه وله عناصر العبقرية فشع عصره الراشدي بإنجازات خلدت وخلدته.

 

أراد الإسلام أن يعلمنا أن الانسان هو في الغالب من يشرف الزمان و المكان الا أماكن معدودة اختصها الله بصفة القدسية المطلقة، و لكن فيما دونها فالمكان يخلد بالعظمة أو الوضاعة بجنى أهله، فالقرى توشك أن تهلك وهي عامرة إذا علا فجارها أبرارها، أراد الرسول أن يعلمنا أن الإنسان مزيج من هداية الله و قرار فردي واع في طلب الهداية والسعي لها، ثم بعد ذلك يتفاوت تنافس المتنافسين وأقدارهم، فيمكن أن تجد رجلا بأمة و بخمسين من الصحابة ضمن معطيات المكابدة للاستقامة وعدم وجود أعوان على الخير، ثم تأتي ثلة، كما وصف القرآن.

 

فالتميز حالة فردانية و ليست غثاء رقميا وزيادة عددية، لتستعيد علامات النبوغ و أمارات الإبداع و صفات النبلاء و خطوات الأوائل و بلاء الشجعان، فتؤثر في حركة الزمان و تعود أطوار العزة من بعد ذلة طالت.

 

هؤلاء يرجعون لنا الإيمان أن الله يوجدك في الزمان الأفضل لعطائك، فالله لا يضيع إيمان عباده و لا سعيهم، يوجدك في زمن لا تقل تحدياته عن زمن الأوائل لأن سنة الاسلام أن يعود غريبا كما بدأ، و الفرق في النتيجة هو الفرق في التقديم والعمل والتضحية هذا الزمن، وليس غيره زمن ولادتك وأوان عطائك وأنت من تختار أن تبدل تبديلا أو تحيى على المبادئ التي عاش عليها الأولون المبرزون قبل أن يضحوا لأجلها بكل ما يملكون، قال الشاعر ذامًا ثقافة الاستسلام للأسباب بدل صناعتها:

علمونا في المدارس:

ما كل ما يتمنى المرء يدركه     تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

 و لم يعلمونا:

تجري الرياح كما تجري سفينتنا    نحن الرياح و نحن البحر و السفن

إن الذي يرتجي شيئا بهمته         يلقاه، لو حاربته الإنس والجِنَن

فاقصد إلى قمم الأشياء تدركها    تجري الرياح كما رادت لها السفن