إن الولاية على النفس في الإسلام شرعت لطلب نصرة الضعيف والعناية بحقوقه والحرص على ما يحقق مصلحة القاصر والصغير ومن لا يملك أهلية كاملة في التصرف لنفسه سواء بسبب الصغر أو اليتم أو الجنون أو العته أو السفه، وأصل ذلك  يتمثل في قوله تعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٥) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى ‌حَتَّى ‌إِذَا ‌بَلَغُوا ‌النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء: 5-6].

وبشكل عام فإن المقصود من الولاية في الفقه الإسلامي هو سلطة شرعية يتمكن بها صاحبها من إنشاء العقود والتصرفات وتنفيذها، والولاية إما أن تكون أصلية إذا كان تولى الشخص البالغ العاقل عقدا أو تصرفا لنفسه، وإما أن تكون نيابية أو بالنيابة الشرعية، وهي تفويض شخص بالتصرف عن الغير، ولها صور متعددة يمكن إجمالها في نوعين وهما ولاية عامّة، وولاية خاصّة. فالولاية العامة فهي نوع من التدبير الذي يتعلق بمرافق الحياة العامة وشؤونها في أمور الدين والدنيا من أجل جلب المصالح للأمة ودرء المفاسد عنها، وتتدرج هذه الولاية من المسؤول الأول في الدولة إلى ولاية نوابه وزرائه، وولاية القضاء حيث يلزمهم العمل بما يحقق المصلحة للأمة.

أما الولاية الخاصّة؛ فتتمثل في الولاية على النفس أو المال، ويقصد بالولاية على النفس الإشراف على شؤون القاصر الشخصية كالتزويج والتعليم والتأديب والتطبيب والتشغيل في حرفة ونحو ذلك. والولاية على المال هي الإشراف على شؤون القاصر المالية من حفظ المال واستثماره وإبرام العقود والتصرفات المتعلقة بالمال، ولا تكون إلا للأب والجد أو وصي الأب، أو القاضي أو وصيه. وتسري هذه الولاية على القاصر والمجنون والصغير ومن هم في صورة هؤلاء إذا كان غير كامل الأهلية.

«وسبب مشروعية ولاية تزويج القصر والمجانين (ولاية الإجبار): هو رعاية مصالح هؤلاء، وحفظ حقوقهم بسبب عجزهم وضعفهم حتى لا تضيع وتهدر.» «الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي» (9/ 6691).

أسباب الولاية على النفس

وقرر الفقهاء أن الولاية على النفس في شؤون القاصر في شخصه وماله ترجع إلى ثلاثة أسباب هي: الصغر والجنون ومنه العته، والانوثة.

أما السبب الأول الذي هو الصغر فقد تقدم الحديث عنه حيث محور الولاية على الصغير وتستمر هذه الولاية ما قام السبب، وتنتهي مع  بلوغ الصغير، وتسري الولاية على الصغير في أمرين:

أحدهما: القيام بشؤونه المتعلقة بالتعليم والتهذيب والرعاية الصحية..

والثاني: ولاية تزويج الصغير، وهي سلطة مخولة للأب فقد أجاز الفقهاء تزويج الأب لابنه الصغير أو قبول الزواج لابنته الصغيرة اتفاقا، وذلك للأب فقط دون غيره.

السبب الثاني: الجنون ويلحق به العته، فقد نص الفقهاء على أنه يلزم على ولي المجنون والمجنونة تدبير شئونه ورعاية أموره بما فيه حظ المجنون، وبما يحقق مصلحته، فينفق عليه في كل حوائجه من ماله بالمعروف، ويداويه ويرعى صحته، ويقيده ويحجزه عن أن ينال الناس بالأذى أو ينالوه به إن خيف ذلك منه، صونا له، وحفظا للمجتمع من ضرره. [الموسوعة الفقهية الكويتية: 45/172].

السبب الثالث– الأنوثة، وهي الولاية على المرأة مطلقا من غير أن تكون مرتبطة بسبب الصغر أو آفة من آفات العقل، لقوله تعالى: ﴿‌الرِّجَالُ ‌قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: 34]، وتنطبق الولاية على النفس بسبب الأنوثة تزويج المرأة، وتأديب الزوجة عند النشوز.

واختلف الفقهاء في ولاية تزويج المرأة البالغة العاقلة بين كونها إجبارية أو مستحبة، فذهب جمهور الفقهاء إلى وجوب الولاية على البالغة في التزويج وخالفهم الحنفية.

قال المالكية: وتثبت ولاية الإجبار عند المالكية بأحد سببين: البكارة، والصغر فيقع، الإجبار للبكر وإن كانت بالغاً، وللصغيرة وإن كانت ثيباً، ويستحب استئمارها.

الشافعية والحنابلة: الولي عن المرأة مطلقاً شرط لصحة أي عقد من عقود الزواج، فلا تزوِّج امرأة نفسها بإذن وليها، ولا غيرها بوكالة، ولا تقبل زواجاً لأحد.

وقال الحنفية: ولاية التزويج مستحبة عند أبي حنيفة وزفر في تزويج المرأة الحرة البالغة العاقلة، سواء أكانت بكراً أم ثيباً، رعاية لمحاسن العادات والآداب التي يراعيها الإسلام.

تزويج المرأة نفسها بدون رضا الولي

ويتفرع على اختلاف الفقهاء في وجوب ولاية التزويج على المرأة البالغة العاقلة اختلاف أقوالهم في حكم تزويج المرأة نفسها بدون رضا الولي، ـ فقال أبو حنيفة وأبو يوسف في ظاهر الرواية: ينفذ نكاح حرة مكلفة (بالغة عاقلة) بلا رضا ولي.

والرأي الآخر هو رأي الجمهور، أن النكاح لا يصح إلا بولي، ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها، ولا توكيل غير وليها في تزويجها.

تنتهي الولاية على النفس من جهة القاصر أو الصغير بالبلوغ، وأما الولاية على المال فتنتهي ببلوغ الصغير عاقلا.

ولاية الزوجالتأديبية/ القوامة

والقوام أو القيم هو الذي يقوم على شؤون شيء معين ويليه، ويرعاه، ويصلح من شأنه، والقيام هنا مجازي، ومقتضى قوامة الرجل على المرأة أن على الرجل أن يبذل المهر والنفقة ويحسن العشرة ويحجب زوجته ويأمرها بطاعة الله وينهي إليها شعائر الإسلام من صلاة وصيام، وعليها الحفظ لماله والإحسان إلى أهله والالتزام لأمره وقبول قوله في الطاعات.

 وبعبارة أخرى فإن المطلوب من قوامة الزوج على زوجته الرئاسة في أمور إدارة المنزل وحمايته وتدبيره والنفقة عليه – أي الإدارة العامة للأسرة تكون للرجل. [أحكام القرآن لابن العربي: 1/530].

وجاء في تفسير الجصاص:

«‌قيامهم ‌عليهن ‌بالتأديب والتدبير والحفظ والصيانة لما فضل الله به الرجل على المرأة في العقل والرأي وبما ألزمه الله تعالى من الإنفاق عليها»   [أحكام القرآن للجصاص ط العلمية: (2/ 236)]. والخلاصة أن الولاية في الفقه الإسلامي غير مشروعة على المرأة العاقلة البالغة إلا في عقد التزويج، على خلاف بين الفقهاء، وبشرط أن يؤخذ إذنها عند القائلين بوجوبها.  وإن الولاية الإجبارية على الصغيرة تنتهي مع وصولها إلى سن البلوغ.