يعد اليوم العالمي لالتهاب الكبد، الذي يُحتفل به في 28 يوليو من كل عام، مناسبة حيوية لرفع مستوى الوعي العالمي حول هذا المرض الصامت والخطير، وتوحيد جهود العالم في مكافحته. إنه ليس مجرد يوم في التقويم، بل هو دعوة عالمية للعمل والفهم والوقاية. ولكن لماذا اليوم العالمي لالتهاب الكبد؟ ولماذا الكبد؟

في هذا المقال الشامل، سنتناول كل ما يتعلق باليوم العالمي لالتهاب الكبد، بدءاً من سبب اختياره، ومروراً بفهم طبيعة المرض وأسبابه وأنواعه، وانتهاءً بسبل الوقاية والعلاج المتاحة، مع تسليط الضوء على الجهود العالمية المبذولة للقضاء عليه.

لماذا يوم عالمي لالتهاب الكبد؟

قد يتساءل البعض: لماذا يتم تخصيص يوم عالمي لمرض الكبد تحديداً دون غيره من الأمراض؟ الجواب يكمن في حجم المشكلة وخطورتها الصامتة. وفقاً لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، يموت شخص كل 30 ثانية بسبب مرض مرتبط بالتهاب الكبد. هناك أكثر من 350 مليون شخص حول العالم يعيشون مع التهاب الكبد الفيروسي المزمن، والغالبية العظمى منهم (أكثر من 80%) لا يعرفون أنهم مصابون بالعدوى ولا يحصلون على الرعاية اللازمة.

هذا “الصمت” هو ما يجعل المرض فتاكاً. فالعدوى يمكن أن تبقى كامنة لسنوات أو عقود دون أعراض واضحة، بينما يتسبب الفيروس في إحداث ضرر تدريجي للكبد، مما يؤدي في النهاية إلى أمراض خطيرة مثل تليف الكبد (Cirrhosis) وسرطان الكبد (Liver Cancer). لذلك، جاء اليوم العالمي لالتهاب الكبد كصرخة لإيقاظ الوعي العالمي، وحشد الإرادة السياسية، وتشجيع الأفراد على إجراء الفحوصات، وتوفير العلاج للمصابين.

يد تظهر كبدًا صحيًا مع حويصلة صفراوية، تعبير عن الرعاية الصحية والاهتمام بصحة الكبد، خلفية زرقاء.
في اليوم العالمي لالتهاب الكبد

أما عن سبب اختيار اليوم العالمي لالتهاب الكبد بتاريخ يوم 28 يوليو، فهو تكريم لميلاد العالم الأمريكي الدكتور باروخ بلومبرغ، الحائز على جائزة نوبل، الذي اكتشف فيروس التهاب الكبد B (HBV) في ستينيات القرن الماضي، وطوّر لاحقاً أول لقاح مضاد له. هذا الاختيار هو تقدير لجهوده العلمية التي فتحت الباب أمام فهم الفيروس ومكافحته.

ما هو التهاب الكبد وما هي أنواعه وأسبابه؟

التهاب الكبد (Hepatitis) هو ببساطة التهاب يصيب نسيج الكبد، العضو الحيوي المسؤول عن مئات الوظائف الأساسية في الجسم، مثل تنقية الدم من السموم، والمساعدة في الهضم، وتخزين الطاقة. عندما يلتهب الكبد أو يتلف، تتأثر قدرته على أداء هذه الوظائف، مما يعرض صحة الإنسان للخطر.

السبب الأكثر شيوعاً لالتهاب الكبد هو العدوى الفيروسية. هناك خمسة أنواع رئيسية من فيروسات التهاب الكبد، تُعرف بالأحرف: A, B, C, D, E. لكل منها خصائص وطرق انتقال مختلفة:

التهاب الكبد A (HAV):

طريقة الانتقال: ينتقل بشكل أساسي عن طريق تناول طعام أو ماء ملوث ببراز شخص مصاب. يرتبط غالباً بتدني مستويات النظافة والصرف الصحي.

طبيعة المرض: عادة ما يكون عدوى حادة وقصيرة الأمد، ويتعافى منها معظم الناس تماماً ويكتسبون مناعة دائمة. له لقاح فعال.

التهاب الكبد B (HBV):

طريقة الانتقال: ينتقل عن طريق ملامسة دم أو سوائل جسم شخص مصاب (مثل السائل المنوي والإفرازات المهبلية). الطرق الشائعة تشمل الاتصال الجنسي غير المحمي، ومشاركة الإبر الملوثة، ومن الأم إلى طفلها أثناء الولادة.

طبيعة المرض: يمكن أن يكون حاداً أو مزمناً. العدوى المزمنة هي الأكثر خطورة، حيث تزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بتليف وسرطان الكبد. له لقاح آمن وفعال جداً.

التهاب الكبد C (HCV):

طريقة الانتقال: ينتقل بشكل أساسي عن طريق الدم الملوث، وأكثر الطرق شيوعاً هي مشاركة الإبر بين متعاطي المخدرات، وعمليات نقل الدم غير الآمنة (أصبحت نادرة الآن بفضل الفحص الدقيق)، واستخدام أدوات طبية أو شخصية غير معقمة.

طبيعة المرض: غالباً ما يصبح مزمناً. كان يُعتبر مرضاً يصعب علاجه، لكن بفضل الأدوية المضادة للفيروسات ذات المفعول المباشر (DAAs)، أصبح الشفاء منه ممكناً الآن بنسبة تتجاوز 95%. لا يوجد لقاح له حتى الآن.

طبيب يحمل نموذجاً لكبد أحمر مع نص يوضح اليوم العالمي لالتهاب الكبد في 28 يوليو، على طاولة خشبية.
طبيب يحمل نموذجاً لكبد في اليوم العالمي لالتهاب الكبد

التهاب الكبد D (HDV):

طبيعة المرض: هو فيروس “ناقص” لا يمكنه التكاثر إلا في وجود فيروس التهاب الكبد B. أي أنه لا يصيب إلا الأشخاص المصابين بالفعل بالتهاب الكبد B. هذه العدوى المزدوجة تزيد من خطورة المرض وتسرّع من تدهور حالة الكبد. الوقاية من النوع B (عبر اللقاح) تحمي تلقائياً من النوع D.

التهاب الكبد E (HEV):

طريقة الانتقال: يشبه النوع A، حيث ينتقل غالباً عبر الماء أو الطعام الملوث.

طبيعة المرض: عادة ما يكون عدوى حادة ويتعافى المريض منها، لكنه قد يكون خطيراً بشكل خاص على النساء الحوامل.

بالإضافة إلى الفيروسات، يمكن أن يحدث التهاب الكبد لأسباب أخرى مثل:

  • التهاب الكبد الكحولي: نتيجة الإفراط في تناول الكحول.
  • التهاب الكبد المناعي الذاتي: حيث يهاجم جهاز المناعة في الجسم خلايا الكبد عن طريق الخطأ.
  • التهاب الكبد السُمّي: نتيجة التعرض لبعض الأدوية أو السموم أو المواد الكيميائية.

الوقاية والعلاج: أسلحة المعركة ضد المرض

الجانب الأكثر إيجابية في قصة التهاب الكبد هو أن معظم أنواعه يمكن الوقاية منها وعلاجها. شعار منظمة الصحة العالمية لعام 2024، “حان وقت العمل”، يركز على ضرورة تفعيل هذه الحلول:

أولاً: الوقاية (وهي دائما خير من العلاج)

التطعيم (اللقاحات)

اللقاحات هي السلاح الأكثر فعالية. يتوفر لقاح آمن وفعال جداً للوقاية من التهاب الكبد B، والذي يُعطى عادة للأطفال كجزء من برامج التطعيم الوطنية. كما يوجد لقاح فعال للوقاية من التهاب الكبد A.

النظافة الشخصية والعامة:

غسل اليدين جيداً، خاصة بعد استخدام المرحاض وقبل تحضير الطعام، وتجنب تناول المياه أو الأطعمة غير الموثوقة، هي أمور أساسية للوقاية من النوعين A و E.

الممارسات الآمنة:

  • تجنب مشاركة الإبر أو أدوات الحقن.
  • ممارسة الجنس الآمن.
  • التأكد من أن أي إجراء يتضمن اختراق الجلد (مثل الوشم، الثقب، الحجامة، أو الإجراءات الطبية) يتم باستخدام أدوات معقمة تماماً.
  • عدم مشاركة الأدوات الشخصية التي قد تلامس الدم، مثل شفرات الحلاقة وفرشاة الأسنان.

ثانياً: الفحص والتشخيص المبكر

بما أن المرض صامت، فإن الفحص هو الطريقة الوحيدة لاكتشاف العدوى مبكراً قبل أن يتضرر الكبد. يُنصح الأشخاص الأكثر عرضة للخطر (مثل العاملين في المجال الصحي، أو من خضعوا لنقل دم قبل عام 1992، أو من لديهم تاريخ عائلي للمرض) بإجراء فحص دم بسيط.

كبد مع سماعة طبية فوقه، يمثل الفحص الصحي للكبد وأهميته في الرعاية الصحية.
دعوة لحماية الكبد في اليوم العالمي لالتهاب الكبد

ثالثاً: العلاج الفعال

التهاب الكبد B المزمن:

لا يوجد علاج شافٍ تماماً له حتى الآن، لكن تتوفر أدوية مضادة للفيروسات يمكنها السيطرة على الفيروس، وتقليل تلف الكبد، ومنع تطور المرض إلى تليف أو سرطان.

التهاب الكبد C:

شهد هذا المجال ثورة حقيقية. الأدوية المضادة للفيروسات ذات المفعول المباشر (DAAs)، التي تؤخذ عن طريق الفم لمدة 8-12 أسبوعاً، يمكنها تحقيق الشفاء التام بنسبة تتجاوز 95%، مع آثار جانبية قليلة. هذا الإنجاز يجعل هدف القضاء على التهاب الكبد C ممكناً.

في اليوم العالمي لالتهاب الكبد، تتجدد الدعوة للجميع: اعرف حالتك، افحص نفسك، اطلب العلاج، وساهم في نشر الوعي. إنها معركة يمكننا الفوز بها، وكبد كل إنسان يستحق الحماية.

تنزيل PDF