اليوم العالمي للعمل الإنساني هو أحد الأيام الدولية الذي يحتفل به في 19 أغسطس من كل سنة ليتذكر العالم بإجلال العاملين في المجال الإنساني والعقبات والتحديات غير المسبوقة التي يواجهونها أثناء أداء مهامهم الإغاثية ومحاولة الوصول إلى الناس في 54 دولة ومساعدتهم أثناء الأزمات الإنسانية مثل السيول والفيضانات والزلازل و الحروب والنزاعات وتفشي الأوبئة.
يعتبر العمل الإنساني عمل ضارب في القدم، فهو جزء من عادات وتقاليد وأخلاقيات المجتمعات في العالم، إلى جانب التأكيد عليه من قبل الأديان السماوية من خلال الدعوة للرحمة والعطاء وخدمة الإنسان لأخيه الإنسان.
ويعتبر اختيار هذا اليوم العالمي للعمل الإنساني نوع من التكريم لجميع العاملين في مجال تقديم المساعدة الإنسانية وموظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها الذين يعملون للنهوض بالقضية الإنسانية وإحياء لمن قضى نحبه منهم خلال أداء مهماتهم. وقد جاء الاحتفال بهذا اليوم بناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 63/ 139 تحت عنوان “تعزيز تنسيق المساعدة الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة في حالات الطوارئ” في 11 ديسمبر 2008.
فما العمل الإنساني وكيف يكون ومتى؟ وماهي الإنسانية؟بل ماهو الإنسان؟ وماهي المسافة التي يقف فيها الإسلام من الإنسانية؟ ولماذا اليوم العالمي للعمل الإنساني؟ ما الهدف والمغزى من ذلك؟
من هو الإنسان؟
يعرّف المختصون الإنسان بأنه ذلك الكائن الحي الأكثر تطورا من الناحية العقلية و العاطفية مقارنة بغيره من الكائنات. وغالبا ما تستخدم كلمة الإنسان في اللغة العربية بالمعنى الديني أي باعتباره كائنا يمتمع بامتلاكه الروح، في حين تستخدم كلمة بشر أو النوع البشري للإشارة للإنسان ببعده الحيواني الغرائزي .
أما كلمة “إنسان” في كلام العرب فيرجع إلى معنى الظهور، عكس الجن. ثم إنهم ذكروا للإنسان معنى آخر هو: النسيان. فقد أورد ابن منظور عن ابن عباس قوله: “إنما سمي الإنسان إنسانا، لأنه عهد إليه فنسي”، كما في قوله تعالى: “ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما” (طه – 115). وبهذا قال الكوفيون: إنه مشتق من النسيان. لذا فإن معنى الإنسان في كلام العرب يعني الظهور، والنسيان. ومعرفة هذه النتيجة لها دور مهم، في تحديد ما يجب أن يكون الإنسان عليه، فما دام أن الظهور أصل معناه، فيفترض به أن يكون الظهور سمته البارزة، فيحقق هذا المعنى في: نفسه، وطريقته، وحياته. فيكون ظاهرا في : مبادئه، وقيمه، وأخلاقه ، ودينه الذي يؤمن به، فلا يستخفي، ولا يتوارى، كما يتوارى الجن.
ويعتبر علم الإنسان العلم الذي يهتم بكل أصناف و أعراق البشر في التي يعتقد أنها عاشت على ظهر البسيطة في الماضي. أما الإنسان فهو كائن حي يختلف تعريفه البيولوجي عن التعريف العقائدي او الثقافي.
- بيولوجيا: يعّرف الانسان بالثديّ المالك لعقل متطور عن سائر المخلوقات.
- جيولوجيا: من خلال نصوص القرآن الكريم كان واضحا أن الطبقة الأولية للإنسان وهويته الأصلية هي الهوية البيولوجية أو دائرة الطبيعة “وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً” (النساء-28) و”وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ” (الحجر -26) وقوله “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ“(المؤمنون -12).
- عقائديا: هو تلك الروح الكامنة داخل هذا الجسد وتتحكم الروح بأفعال وتصرفات الانسان. وفي المنظور الديني يعتبر الإسلام الإنسان من أكرم المخلوقات، وقد خلفه الله من أجل عبادته وليرث الأرض ويعمرها. فيما تؤكد المسيحية على الإنقسام الداخلي لطبيعة الإنسان (إلى روح وجسد)، وعلى أنه (صورة) الإله، رغم أنها تعتبر الجسد أصل الخطايا والآثام.
- ثقافيا: يتميز الانسان بتعدد الألسنة واللغات وتباين العادات والتقاليد بين المجتمعات المختلفة. كما يصفه البعض بصورة مجرّدة على أنه حيوان ناطق.
- فلسفيا: تغيرت النظرة الفلسفية إلى الأنسان تبعا لتطور الفكر البشري. ففي الفلسفة اليونانية كان يفهم الأنسان على انه مواطن للمدينة-الدولة (أرسطو). وكان يقام حد بينه وبين الأشياء الخارجية بحيث أمكن تجريد الإنسان عن هذه المواقف الملموسة أو تلك (وخاصة في فلسفة أفلاطون).
ويتميز الانسان بالعقل المتطور خلافا لجميع الكائنات الحية، فيستعمل عقله في التفكير والاختيار والتعرف على المعضلات وحلها، ويتسم بصفاة وخصال إنسانية تميزه عن بقية المخلوقات، منها الإيجابية : كحسن الخلُق والأمانة والسماحة والتواضع، والشجاعة والكرم. ومنها السلبية: كالقسوة والبخل والجبن والنفاق والغدر والتكبر.
ماهي الإنسانية؟
يُعرّف المختصون الإنسانية (بالإنجليزية: Humanity ) على أنها “مجموعة من الأفكار والتصرفات الحميدة الصادرة عن الفرد والتي تدمج ما بين العقل والروح لتُبين أهمية وجود الإنسان وقيمته في المجتمع”.
ويعتبرها آخرون، بأنها صفة تجمع جميع أبناء الجنس البشري، كما أنّها قد تدلّ على الصفات التي تميّز الإنسان عن غيره من المخلوقات من القدرة على الحبّ والرحمة وإبداء المشاعر المختلفة، وفي اللاتينية فإن الإنسانية تدل على اللطف والمشاعر اللطيفة في تعامل الناس بين بعضهم كتقديم المساعدة للآخرين ودعمهم.
كما يمكن أن تشير كلمة الإنسانية لبعض العلوم والمواضيع المتخصصة بالأدب واللغة والتاريخ والفلسفة وهي العلوم التي يطلق عليها بالعلوم الإنسانية.
ويدخل في مفهوم الإنسانية العديد من الاعتبارات الفلسفية، فالإنسانية بشكل مجرد تدل على نوع الإنسان واختلافه عن بقية الكائنات الحية، أما إن كان القصد جوهر الإنسان فهذا يعني أننا نقف أمام تعريف شائك ومُحيَّر فهل الإنسانية تشمل كل ما هو إيجابي أم أنّها تشمل جوهر الإنسان الإيجابي والسلبي؟، فما نسمعه من وسائل الإعلام وغيرها من المواقع والكتب والمجلات تَعتبر أنّ الإنسانية هي مجموعة من الجوانب الإيجابية والأخلاقية للإنسان.
الإنسانية في الإسلام
الإنسانية في الإسلام قائمة على أنه دين عالمي وليس لقوم بعينهم، وأن ميزان التفاضل فيه قائم على العمل الإنسان الصالح والتقوى بعيدًا عن فخر ومجد الأنساب، وبأنه دين قائم على الحرية والمساواة في الحقوق والواجبات، ودعوته إلى تحرير النفوس من الذل وتعزيزه لمفهوم الكرامة والعزة.
في الإسلام نجد أن الله سبحانه وتعالى خلق سيدنا آدم وعلَّمه أسماء الملائكة والشجر وكلّ مخلوقات الله واستخلفه فيها وهذا أكبر تكريم للإنسان، وجاء من بعده الرسل الذين جاؤوا بدعوة الناس لتوحيد الله عز وجل بطريقة فيها الرفق واللين في التعامل حتى مع من كان يعترض هذه الدعوة، وكان لسيِد البشر سيدنا محمد ﷺ الأثر الأكبر في توضيح مفهوم الإنسانية من خلال دين الإسلام الذي جاء به، وحتى العلماء غير المسلمين يشهدون له بذلك. فالتسامح والسلام والكرم والرفق بغير المسلمين كُلها صفات تدل على الإنسانية وتشمل الجانبين العقلي والروحي، حتى الديمقراطية التي أوجدتها أوروبا كان الإسلام قد سبقها عندما ألغى مفهوم العبودية وحرَّمه.
ما هو العمل الإنساني؟
يقول المختصون أن العمل الإنساني هو التقييم الشمولي للاحتياجات الانسانية في العالم، ووضع خطط الاستجابة والتي تركز على الفئات الأشد احتياجا، وهو الأمر الذي يهدف للتصدي للمجاعات والأمراض المُميتة ومكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي ومسألة النزوح، ويضاف إليها المتأثرين بالأوبئة كجائحة كوفيد 19.
كما يعرف البعض العمل الإنساني بأنه الجهد التطوعي الفني، والمادي، والمعنوي، والعلمي، والاقتصادي الذي يقدمه الفرد إلى بني جلدته من البشر الذين يعملون للنهوض بالقضية الإنسانية، وكذلك للأفراد الذين قضوا نحبهم أثناء أداء مهامهم.
ويقدم العمل الإنساني كل من يستطيع على ذلك تطوعيا فرديا أو جماعيا، أو عن طرق مؤسسات حكومية أو مجتمع مدني أو قطاع خاص. وكل واحد من هؤلاء يقدم الجهد الذي يناسبه، وبحسب إمكاناته المادية والمالية والفنية ومهاراته في فترات السلم والكوارث والطوارئ والحروب والصراعات من دون تميز على أساس الجنس، أو العرق، أو اللون، أو الدين. وكأي عمل، لكي يكون منتجاً ويقدم الفوائد المرجوة منه، لابد أن يكون منظماً وخاضعاً لاعتبارات إدارية، ولوجستية، وصحية، وأخلاقية، ويكون تحت إشراف وتنظيم وقواعد الدولة والمنظمات العالمية مثل الأمم المتحدة وهيئاتها المعنية.
ومن الفئات الأهم التي يخدمها العمل الإنساني:
- كبار السن: فقد كان يعاني كل 1 من 6 من كبار السن إلى سوء المعاملة، وقد ارتفعت هذه النسبة بشكل متسارع نتيجة مباشرة إجراءات الجائحة والإغلاق.
- ذوي الإعاقة: يعاني حيث 15% من سكان العالم من الإعاقة، ويعيش 80% منهم في البلدان النامية، وهي الفئة الأكثر هشاشة التي تتعرض إلى الإهمال وسوء المعاملة وحظوظ أقل في التعليم.
- أصحاب الاضطرابات العقلية والنفسية: فحتى قبل جائحة كوفيد-19، كانت إحصاءات الصحة النفسية صارخة، تبدأ حوالي نصف حالاتها في سن 14 عاما، والانتحار هو السبب الرئيسي الثاني للوفاة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا. كما أنه يوجد على الصعيد العالمي أقل من اختصاصي صحة نفسية واحد لكل 10 آلاف شخص.
ويعود العمل الإنساني بالنفع والخير على الشخص الذي يقدم المساعدة والمتلقي في الوقت ذاته، فالعمل الإنساني يذكر الفرد بإمكاناته وقدراته، ليس المادية فقط، كما أنها توسع آفاق التفكير، كونه يتطلب البحث عن حلول، والجميل في العمل الإنساني خاصة التطوع.كما أنه مجال لا يتوقف على فرد دون غيره، فأبوابه مفتوحة أمام الذكور والإناث، كما أنه لا يكترث بالأعمار والأعراق والثقافات.
لماذا اليوم العالمي للعمل الإنساني؟
يأتي اليوم العالمي للعمل الإنساني 2022 الذي يصاف الـ 19 أغسطس من كل عام، في أجواء خاصة واستثنائية إلى درجة كبيرة، مقارنة بالسنوات الماضية، فهو يأتي بعد مرور حوالي ثلاث سنوات من تفشي جائحة كورونا كوفيد 19، لكنه لحسن الحظ يأتي وفيروس كورونا يلفظ أنفاسه الأخيرة في العالم، بعدما بحياة الآلاف من البشر في كل مكان.
وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية، يفرض العمل الإنساني نفسه كعنصر هام وضروري لوحدة مصير البشرية ووازع داع إلى تكاتف الجهود لتحسين أوضاع البشر، وعليه، خصصت الأمم المتحدة اليوم العالمي للعمل الإنساني للتذكير بالحملات العالمية من أجل الإنسانية. ولكن على الرغم من الجهود الفائقة المبذول من أجل إنقاذ أرواح البشر وحمايتهم في أوقات الأزمات فقد اضطر حوالي 60 مليون شخص إلى ترك ديارهم بسبب العنف والنزاعات، وكل عام تعصف الكوارث بما يقرب من 218 مليون نسمة. فيما زاد حجم عمليات نداءات الأمم المتحدة من 3.4 بلايين دولار في عام 2003 إلى 20 بليون دولار في عام 2016.
أما في عام 2022 ، فيحتاج 274 مليون شخص في 63 دولة إلى الحماية والمساعدة الإنسانية. هذا الرقم هو زيادة كبيرة عن 235 مليون شخص محتاج قبل عام، والذي كان بالفعل أعلى رقم منذ عقود. تهدف الأمم المتحدة والمنظمات الشريكة إلى مساعدة 183 مليون شخص في أمس الحاجة إليها في 63 دولة، وهو ما سيتطلب 41 مليار دولار.
ويحتفل العالم سنويا باليوم العالمي للعمل الإنساني، للإشادة بعمال الإغاثة الذين يجازفون بأنفسهم في مجال الخدمات الإنسانية. كما يراد من هذا اليوم كذلك حشد الدعم للمتضررين من الأزمات في جميع أنحاء العالم.
الإسلام دين الإنسانية والعمل الإنساني
عادة ما تبرز في تراثنا الاجتماعي العربي الإسلامي خصال التضامن والتلاحم بالفطرة، ومن دون مقابل، استنادا إلى عاداتنا وتقاليدنا وتعاليم ديننا الحنيف. حيث تؤكد المجتمعات العربية والإسلامية عطاءاتها الإنسانية المتجذرة في تاريخها، ضمن برامج متنوعة، سواء كانت بسبب تفشي الأمراض أو حدوث الكوارث الطبيعية أو اندلاع الصراعات والحروب التي ينتج عنها الفقر والتشرد واللجوء إلى المخيمات في بقاع الأرض كافة. وكثيرا ما يتعلق العمل الإنساني لدينا بمجمتعات غير عربية أو إسلامية، فالعمل الإنساني لا حدود له، وديننا الإسلامي يحثنا دائما على فعل الخير ومساعدة المحتاجين أينما كانوا.
وكما جاء في كتاب “مدخل لمعرفة الإسلام” لفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي أن “الإسلام يمتاز بنزعته الإنسانية الواضحة الثابتة الأصيلة في معتقداته وعباداته، وتشريعاته وتوجيهاته، إنه دين الإنسان”.
إن الإسلام مع ربانيته في غايته ووجهته هو إنساني أيضا في الغاية والوجهة، ومن هنا نقول: إن للإنسان مكانا، أي مكان في غايات الإسلام العليا، وأهداف الكبرى، مع تقرير غايته الربانية، وإبرازها وتثبيتها، إذ لا تنافي بين الغاية الربانية، والغاية الإنسانية، بل هما متكاملتان.
القرآن.. كتاب الإنسان
وإذا نظرنا إلى المصدر الأول للإسلام وهو القرآن كتاب الله، وتدبرنا آياته، وتأملنا موضوعاته واهتماماته، نستطيع أن نصفه بأنه، كتاب الإنسان. فالقرآن كله إما حديث إلى الإنسان، أو حديث عن الإنسان.
إن كلمة “الإنسان” تكررت في القرآن (63) ثلاثا وستين مرة، فضلا عن ذكره بألفاظ أخرى مثل “بني آدم” التي ذكرت ست مرات، وكلمة “الناس” التي تكررت(240) مئتين وأربعين مرة في مكي القرآن ومدنية. ولعل من أبرز الدلائل على ذلك أن أول ما نزل من آيات القرآن على رسول الإسلام ـ محمد ﷺ ـ خمس آيات من سورة العلق ذكرت كلمة “الإنسان” في اثنتين منها، ومضمونها كلها العناية بأمر الإنسان.
هذه الآيات هي: “اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم”.(العلق 1-5)
محمد.. الرسول الإنسان
وإذا نظرنا إلى الشخص الذي جسد الله فيه الإسلام، وجعله مثالا حيا لتعاليمه، وكان خلقه القرآن، نستطيع أن نصفه بأنه ” الرسول الإنسان”، وسيرته ليست سيرة إله، ولا بعض إله، ولا ملاك متجرد من اللحم والدم، بل هي سيرة النبي الإنسان.
والقرآن الكريم حريص كل الحرص في شتى المناسبات على تأكيد إنسانية الرسول محمد ﷺ، بمثل قوله تعالى: “قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي إنما إلهكم إله واحد”(الكهف-110).
الجانب الإنساني في رسالة الإسلام
إن كل دارس للإسلام في كتابه وسنة رسوله، يتبين له بجلاء: أنه وجه عناية بالغة إلى “الجانب الإنساني” وأعطاه مساحة رحبة من رقعة تعاليمه، وتوجيهاته، وتشريعاته. وإذا نظرت في الفقه الإسلامي وجدت “العبادات”، لا تأخذ إلا نحو الربع أو الثلث من مجموعه، والباقي يتعلق بأحوال الإنسان من أحوال شخصية، ومعاملات، وجنايات، وعقوبات، وغيرها. على أنك إذا تأملت العبادات الكبرى نفسها، وجدت إحداها “إنسانية” في جوهرها، وهي عبادة “الزكاة” فهي تؤخذ من الإنسان الغني، لترد على الإنسان الفقير، هي للأول تزكية وتطهير، وللثاني إغناء وتحرير.
ومن ثمرات الإنسانية في الإسلام الإخاء والمساواة والحرية.. هذه النزعة الإنسانية الأصيلة في الإسلام هي أساس هام لمبدأ الإخاء البشري الذي نادى به الإسلام، وهي أساس هام كذلك لمبدأ المساواة الإنسانية العام الذي دعا إليه الإسلام.
إن القيمة الإنسانية واحدة للجميع. فالعربي إنسان، والعجمي إنسان، والأبيض إنسان، والأسود إنسان، والحاكم إنسان، والمحكوم إنسان، والغني إنسان، والفقير إنسان، ورب العمل إنسان، والعامل إنسان، والرجل إنسان، والمرأة إنسان، والحر إنسان، والعبد إنسان، ومادام لكل إنسانا فهم إذن سواسية كأسنان المشط الواحد.
ومن هنا اعتبر الإسلام الاعتداء على نفس أي إنسان اعتداء على الإنسانية كلها، كما جعل إنقاذ أي نفس إنقاذا للجميع، هذا ما قرره القرآن بوضوح: “أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”. (المائدة -32)