هل التفكير في فارس الأحلام أو زوج المستقبل على أنه يجب أن يكون ذا مركز اجتماعي جيد، بغض النظر عن إمكاناته المادية، من الأمور المرغوب فيها؟ وهل التفكير في عدم الزواج من أشخاص يمتهنون مهنًا معينة لا ترقى لهذا المستوى الاجتماعي (علما بأنه على الجانب الآخر تكون الظروف الثقافية والعلمية والاجتماعية تستدعي التفكير في هذا الزوج صاحب المركز المرموق، حيث إنه يُعد من الطموحات) – أمر مستحب، أم التغاضي عن هذا الشرط هو سبيل التيسير؟
هناك بعض الفتيات اللاتي يقلن إن الزواج لن يتم إلا إذا خططت الفتاة للظفر بفارس الأحلام، ودبرت، وحاولت أن تنسج خيوطها حول الشاب، وأن البقاء في المنزل وانتظار العريس لن يأتي بالفائدة المرجوة لقلة الفرص، وكذلك عدم وجود العلاقات الاجتماعية المتشعبة كما كان في الماضي.. فهل هذا صحيح؟ أليس هذا خارجا عن المألوف وضد شريعتنا، فالإسلام حرَّم العلاقات غير الشرعية حتى وإن أدت إلى الزواج في النهاية..وقد يكون الزواج رزقا كالعمل والمال الذي يقدره الله عز وجل.
الأخلاق والمكانة المرموقة
من هو فارس الأحلام الذي تحلم أن ترتبط به الفتاة؟ وما الوظيفة المرموقة التي تود أن يشغلها فارس أحلامها؟ هل تريده طبيبا أو مهندسا أو صحفيا؟ أم لعلها تحلم بأستاذ جامعي؟ وماذا إن كان صاحب شركة أو مدير مصنع؟ وماذا لو كان سفيرا أو وزيرا .. لكن المشكلة في الأخير ليست في المهنة والمكانة المرموقة، الأخلاق هي الأساس.
هناك الكثير من الشرفاء في كل مهنة، ورقي المهنة لا يستلزم رقي ممارسها، والأهم في أمر الزواج الالتزام الديني والأخلاقي. نحن نؤكد على أهمية مراعاة التكافؤ الاجتماعي عند اختيار شريك الحياة؛ حتى يسهل التفاهم بين الزوجين، ولا تحدث مشكلات تنتج عن التباين الشاسع في هذه الأمور.
ولكن التكافؤ الاجتماعي في حد ذاته أمر نسبي، يختلف من بيئة إلى أخرى، وحسب ظروف المكان والزمان، فالمجتمع القَبَلي يرى أن التكافؤ لا يتوافر إلا لأبناء القبيلة، وفي العصور السابقة سمعنا عن أولاد البهوات والباشوات والعائلات الراقية، ثم تغير الأمر تدريجيا، بحيث أصبح المؤهل الدراسي والعمل من أهم مقومات الوجاهة الاجتماعية.
نماذج من الشباب
ولكننا إذا تأملنا حالنا الآن في ظل الظروف الراهنة التي أصبح فيها حلم الوظيفة الثابتة بعيدًا، ومرتبها لا يسمن ولا يغني من جوع مع الطفرات المستمرة في الأسعار، ومع تزايد نفقات الزواج وصعوبة الحصول على عش الزوجية، فسنجد أن هذه الظروف كشفت عن وجود نموذجين من الشباب:
النموذج الأول:
يظل قابعا في المنزل بعد التخرج حتى يصل إلى سن الثلاثين وما بعدها، وهو ينتظر أن تهبط عليه وظيفة من السماء، ويشترط أن تكون ملائمة وفي مجال التخصص، والأهل يتكفلون به، وبالطبع لا يستطيع أن يخطو أي خطوة في مشروع الارتباط، إلا إذا وفر الأهل له المال اللازم لذلك.
النموذج الثاني:
الشباب الواعي الذي أدرك مسئولياته، ونهض لتحمل العبء بعد التخرج، أو حتى قبله، وارتضى لنفسه أي عمل يستطيعه – يدويا كان أو فنيا أو تجاريا – لأنه اقتنع بشرف العمل وقيمته طالما كان حلالا، وجاهد لصنع مستقبله، وهذا النموذج لا يسعنا إلا أن نرفع أيدينا بالتحية لأفراده.
فلننظر أي النموذجين تفضل الفتاة المقبلة على الزواج؟ وأيهما أحسَنَ التوكل على الله؟ وأيهما تأمن أن تضع نفسها تحته؟ وأيهما ترتضاه أبا لأولادها؟
زوج أم لافتة إعلانية
الزوج ليس نيشانا يُعلق على صدر الزوجة، وليس صالونا تتباهى به أمام الأهل والصديقات، وليس لافتة إعلانية تُعلَّق على الأبواب والشوارع. الزوج لابد أن يكون قادرا على تحمل مسئوليات الزواج والأولاد.
وتحمل أفراد النموذج الثاني لمسئولياتهم منذ البداية ينم عن نضج مبكر، حتى لو تواضعت إمكاناتهم المادية، فهل يصح أن نرفضهم أزواجا، لأنهم يعملون بوظائف لا يعتبرها المجتمع وظائف راقية؟!
إننا نحتاج لثورة اجتماعية تغير الكثير من مفاهيمنا وثوابتنا، وليكن قدوتنا في ذلك رسولنا الحبيب – ﷺ – الذي لم يستنكف أن يرعى الغنم في شعاب مكة، وبعدها عمل في التجارة ليكفي عمه مُؤْنته، كما حبَّبَ إلينا العمل والتكسب عندما قال: “ما أكل أحد طعاما قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده [رواه البخاري].
ولقد أدرك الغرب ذلك، فتساوى عندهم العامل في مصنعه والطبيب في المستشفى وأستاذ الجامعة في جامعته، الكل له عمل مفيد ولازم وضروري، والكل يخدم بلده.
من ترضين دينه وخلقه
إن الأفضل لكل فتاة أن تختار من ترتضي دينه وخلقه، ومن تجد في نفسها قبولا له، ومن تشعر أنه سيكون مسئولا عنها، وأنه قادر على تحمل مسئولياته، فما أقسى شعور المرأة التي لا تجد في زوجها الرجل الذي يمكنها الاعتماد عليه؟!
إن تأخر سن زواج الشباب والفتيات على السواء له مظاعفات خطيرة، خاصة على الفتيات فضغط المجتمع يكون أشد على الفتاة، مما يدفعها لتقديم تنازلات في الملبس والزينة، كما قد يدفعها ذلك للنزول للمستنقع الآسن لتصطاد منه أي عريس، ولا مانع من أن تقدم في سبيل ذلك سلسلة لا تنقطع من التنازلات، بداية من أحاديث الهاتف والشات، ومرورًا باللقاءات المنفردة وإتيان الملاهي والمراقص، وقد يتطور الأمر ويصل بالفتاة إلى الوقوع في الزنا – أعاذ الله شبابنا وفتياتنا منه –
يحدث هذا، لأن حال هؤلاء الفتيات أشبه ما يكون بمن كانت تقف شامخة فوق قمة الجبل، ثم بدأت تنحدر تدريجيا، فهي حتما ستصل إلى سفح الجبل، مهما حاولت أن تتماسك وتقاوم السقوط، وعندها لن تجد من يقبلها زوجة له، ولا حتى من بذلت نفسها في سبيل إرضائه، لأن الرجل الشرقي لا يتزوج من قدمت له تنازلات، وإذا تزوجها قتلها بشكوكه وظنونه.
الزواج رزق
لننظر للأمر من زاوية مختلفة: هل هذا العريس الذي ترتضيه المرأة لنفسها؟ وهل هذا هو فارس الأحلام والرجل الذي إذا أحبها أكرمها، وإذا كرهها لم يظلمها؟ وهل بهذا يتحقق مفهوم الأسرة، وتتحقق أركانها من سكن ومودة؟
الزواج رزق، والرزق لا يُطلَب إلا بالحلال، حتى يبارك الله فيه، والرزق قدر مقسوم، لا حيلة لنا فيه إلا السعي والدعاء، وكل سبيل لطلب الزواج لا نتورط فيه في حرام، فهو محمود ومطلوب، فلا تنسي – يا حبيبتي – الدعاء والضراعة لله، فهو خير معين.