السلوكيات الخاطئة التي تسبب مشكلات لكل من الآباء والطفل ما هي إلا محاولات من الطفل للوصول للاحتياج غير المشبع وغير الملبى، ويبدأ السلوك في التحسن مع إشباع الاحتياج المؤدي إليه. ذلك أن تجاهل احتياجات الأبناء هو مستنقع المشكلات التي من شأنها أن تعمل على توتير العلاقة بين الآبناء وأوليائهم.
من المهم أن يفكر الآباء في الطرق المختلفة التي يمكنهم من خلالها إمداد أبنائهم بهذه الاحتياجات الأساسية على مدار حياتهم معهم، وعلى مدار اليوم، فقط كن واعيا باحتياجات الأبناء، وقف قبل أن تستجيب لأي موقف من ابنك واسأل نفسك: ما الذي يحاول أن يحصل ابني عليه من جراء هذا السلوك؟ حتى لا يتم تجاهل احتياجات الأولاد.
السعادة.. السلوك الطيب.. كيمياء
إن المخ ينتج باستمرار كيماويات متعددة ومختلفة تصاحب مشاعرنا المختلفة، ولكي نكون أصحاء وسعداء فإننا نحتاج لخليط معين من هذه الكيماويات؛ وهو ما يعني أنه عندما نشعر بعدم السعادة أو الانزعاج فإن هذا يعني أن كيماويات ما تنتج وأخرى لا تنتج بالقدر المناسب.
ولذا فإن مشاعرنا السلبية تمثل علامات تخبرنا أن هناك عدم توازن في كيماويات المخ، بهذه الطريقة يكون هناك شيء ما يتكفل بإخبارنا بالنقص أو التوازن أو الزيادة في هذه الكيماويات.
وإذا كانت المشاعر عبارة عن تفاعلات كيميائية في المخ، فيمكننا أن نرى أن وظيفة الآباء هي تعليم المراهق إدارة مثل هذه العمليات الكيميائية أو إدارة مشاعره؛ وهو ما يجعله يتمكن من الحصول على احتياجاته الوجدانية دون اللجوء لمصادر خارجية كالدواء، والعقاقير، والسجائر، والخمور، والمخدرات، وغيرها، أو اللجوء لسلوك غير مرغوب للحصول على احتياجه.
وراء كل فعل احتياج
وجدير بالذكر أن الأطفال والمراهقين يتحولون لمثل هذه الأشياء عندما لا تلبى احتياجاتهم الوجدانية في أسرهم، والأهم أنه ليس هناك أشياء مادية يمكنها أن تمنع الطفل أو المراهق من مثل هذا الأشياء، خاصة عندما اتضحت حالات الإدمان بين الأغنياء من المجتمع؛ أي إن هذه الاحتياجات الوجدانية لا تلبى عن طريق الأشياء المادية، أي إن السيارة والكمبيوتر وغيرهما مما نمنحه أحيانا لأولادنا لا يمثل شيئا ذا بال مقارنة باحتياجاتهم الوجدانية.
ولم يعد متقبلا أن الأطفال أو المراهقين يستخدمون العقاقير أو المخدرات لمجرد أن أصدقاءهم يستخدمونها؛ فهناك العديد من الأطفال الذين يمكنهم مقاومة ضغط الرفاق.
وكل شعور يمكننا اعتباره علامة على احتياج وجداني معين؛ أي إن مشاعرنا تستخدم كمؤشرات وإشارات لاحتياجاتنا الوجدانية، فمثلا نشعر بالوحدة عندما يكون لدينا احتياج للتواصل مع الآخرين، كما نشعر بالجوع عندما يكون لدينا احتياج للطعام.
لذا فإن أحد أدوار الآباء تلبية تجاهل احتياجات الأبناء خاصة المراهقين في نفس الوقت الذي يؤهلونهم فيه للتمكن من تلبية احتياجاتهم بأنفسهم، وهذا يتضمن بطبيعة الحال احتياجاته الوجدانية أيضا.
السلوك يتبع المشاعر
تلعب المشاعر دورا حيويا في تحديد السلوك الإنساني؛ فسلوكنا يحدد تبعا لمشاعرنا، فإذا ما شعرنا بالغضب مثلا فسنسلك سلوكا معبرا عن هذا الغضب، وإذا شعرنا بالحب فسنسلك سلوكا معبرا عن هذا الحب، ولذا فإننا عندما نريد أن يسلك الابن سلوكا ما لا بد أن نحاول جاهدين أن نترك فيه الشعور الذي ينبني عليه هذا السلوك.
مثلا: إن كنا نريد أن يسلك ابننا سلوك الحب تجاهنا، فلا بد حينها أن نفكر كيف نجعل لديه مشاعر الحب التي ينتج عنها سلوك الحب الذي نريد أن يسلكه، وبناء عليه سنفكر كيف سنتصرف نحن لننتج لديه هذا الشعور بالحب، فلو اخترنا نحن سلوكنا معه بعناية فلا بد أن هذا سينتج عنه مشاعر حب لديه توصل لسلوك إيجابي، وهذا يكون استجابة ورد فعل للمشاعر التي أوجدناها في الابن، ومن ثم فإن مفتاح فهم السلوك البشري يكمن في فهم المشاعر الكامنة التي تُنتج هذا السلوك.
دوافع السلوك.. قدر واستجب
إن فهم احتياجات الأبناء بالأخص المراهقين مفتاح مهم لفهم سلوكهم، والمراهق يمكنه أن يوصل احتياجاته دون الحاجة للتعبير اللفظي؛ فهو يتواصل بعيونه وتعبيرات وجهه وحركات جسده واتجاهاته ومظهره.
وهناك عدة احتياجات وجدانية أساسية لا بد أن تلبى للمراهق لينمو نموا صحيحا نحو الرشد:
الانتباه:
يحتاج المراهق إلى أن يثبت أنه موجود، وأنك تراه وترى تفرده وتميزه؛ لذا يلجأ للكثير من السلوكات الشاذة والمستغربة من قِبَلنا، والتي لم يفعلها هو شخصيا من قبلُ.
التشجيع والثناء:
يمثل هذا الاحتياج عنصرا مهما في نمو المراهق وإنجازه؛ لتشجيعه على معرفة السلوك المرغوب، والحث على التقدم نحو هدفه، كما يحتاجه المراهق فعليا ليشعر بالرضا.
التعاطف:
كثيرا ما يمر المراهق بمشاعر سلبية تؤرجح مزاجه، ويحتاج حينها إلى من يستمع إليه ويعترف بمشاعره ويقدرها، ومن ثم يساعده على إدارتها والتعامل معها.
التوجيه والأمان:
يحتاج المراهق إلى معرفة الحدود المسموح بها، والاتفاق على قواعد ثابتة ربما يتم التفاوض على بعضها، ولكن تبقى حدود وقواعد لا بد من الثبات عليها تتعلق بأمان المراهق والقيم الدينية والأخلاقية التي لا تقبل التفاوض.
القوة والثقة:
يحتاج المراهق للشعور بأنه صاحب القرار فيما يخصه من أمور حياته، وكثير من سلوكيات المراهق التي يبدو فيها التحدي تكمن وراءها رغبته في أن يختار ويقرر لنفسه، ولذا حاول أن تكون هذه المرحلة مرحلة تدريب على اتخاذ القرارات السليمة من قِبَل المراهق، واعرف أن المراهق كلما كان شريكا في القرار كان شريكا في المسئولية.
الإنجاز:
المراهق يحتاج بشدة للشعور بالإنجاز والنجاح، وأنه مهم لهذه الحياة، ويعد هذا الاحتياج وقودا محركا لقيام المراهق في هذه المرحلة بأعمال كبيرة، ولكن اعلم أن لهذا ثمنا يدفعه المراهق يتمثل في بعض الفشل في محاولاته للوصول.
الانتماء:
أهم ما يميز المراهقة الاحتياج للانتماء، وغالبا ما يكونلجماعة الأقران حسب طبيعتها وأفضليتها وهويتها؛ وهو ما يظهر في شكل الملابس والشعر واللغة.
تمثل هذه الأمور أهم الاحتياجات الوجدانية للمراهق، وجدير بالذكر أنها تمثل أيضا احتياجات الأطفال عموما، وجزءا من احتياجات الراشدين كذلك، وعندما لا تلبى مثل هذه الاحتياجات للمراهق فثمة مشكلات حقيقية تبدأ في الظهور؛ فأغلب المشكلات السلوكية ذات صلة وثيقة باحتياجات وجدانية غير ملباة.
مثلا، دعونا نتصور المراهق الذي يصر على ارتداء ملابس ذات شكل شاذ بالنسبة لنا؛ فإنّ أحدَ ما يحاول تلبيته من هذا السلوك هو الاحتياج للانتماء لجماعة الأقران.
والمراهق الذي يقع في علاقة عاطفية حاول أن يصل لاحتياجه بأن يكون محبوبا ومهمًّا.
معوقات تلبية هذه الاحتياجات
بعدما تسلح الآباء بمعرفة احتياجات المراهق تكون الخطوة التالية هي “الفعل”، وتمثل هذه الخطوة خطوة تحدٍّ؛ حيث يوجد ثلاثة أدوار أحيانا ما يلعبها الآباء؛ وهو ما يفسد العلاقة بينهم وبين المراهقين، ويحدّ من فعالية التربية والتواصل:
1– المتذمر “المستمر الشكوى”: بعض الآباء يستبدل بالتواصل مع المراهق الشكوى المستمرة التي يمكن أن تتحول إلى عادة.
2- الهارب من المسئولية:هذا النوع من الآباء غالبا ما يوجه اللوم للآخرين، ويلقي بتبعات الأمور خارجه: “ابني صعب، والإعلام يؤثر، وأصدقاء ابني سيئون…”، ورغم أن هذه الكلمات قد تكون حقيقية فإنه أحرى به أن يبحث عن دوره في حل المشكلة، ويبادر بدوره في حلها.
3- “الجاسوس”: هذا النوع من الآباء تجده كأنه يتربص محاولا ضبط ابنه متلبسا بالخطأ، فيُكوّن وجهة نظر ما، ويبدأ في البحث عما يدلل عليها من تصرفات ابنه؛ وهو ما يجعل من الصعب عليه أن يرى سلوكيات ابنه الجيدة، أو المخالفة للصورة الذهنية التي كونها عنه.
وأخيرا تذكر أن: “وراء كل فعل احتياج”
فقط كن واعيا باحتياجات الأبناءهذه، وقفْ قبل أن تستجيب لأي موقف من ابنك واسأل نفسك: ما الذي يحاول أن يحصل ابني عليه من جراء هذا السلوك؟.