ظهرت فكرة شركات التأمين الإسلامي على إثر تحريم المجامع الفقهية للمبدأ الذي تنطلق منه شركات التأمين التقليدية.

لم تكتف المجامع الفقهية بتحريم شركات التأمين التقليدي، فالتأمين بات ضرورة ملحة في الواقع المعاصر، فطرحت هذه المجامع فكرة  شركات التأمين الإسلامي، وقامت أول شركة تأمين إسلامي في السودان عام 1977م.

صحيح أن هذا التوقيت لم يكن متأخرا  كثيرا عن انطلاق أول بنك إسلامي، لكن البون كان كبيرا بين انطلاق المسيرتين، حيث انطلقت البنوك الإسلامية هادرة تشق طريقها إلى الأمام، في حين بدت خطوات شركات التأمين الإسلامي وئيدة تمشي الهوينى، وفي هذه الورقة نعرض لأهم هذه الأسباب التي عوقت من الانطلاق الهادر لشركات التأمين الإسلامي:

الربحية

1- لا يمثل التأمين الإسلامي مشروعا جذابا لدى المستثمرين من حيث الربح، ففكرة التأمين الإسلامي قائمة على أن شركة التأمين تكون ملكًا للمستأمنين أنفسهم، والقائمون على إدارة الشركة لا يتملكون الشركة، ولكنهم يحصلون فقط على رواتب مقطوعة، أو على نسبة من الربح الذي تحققه الشركة في نظير إدارة الشركة، ثم يكون فائض موجودات الشركة للمستأمنين أنفسهم.

2- المنافسة القوية من شركات التأمين التقليدية، فهذه الشركات أسبق في التجربة، ولها خبرتها التاريخية، وانعكس ذلك على المزايا التي تقدمها للعملاء، من سهولة التعامل، وجودة الخدمة المقدمة، والمرونة في حل المشكلات الإدارية والفنية.

3- ضعف الثقافة الإسلامية لدى المسلمين بحرمة شركات التأمين التقليدية، وبوجود شركات تأمين إسلامية من الأساس، واعتماد عموم المسلمين على الحكم من خلال الشكل والإجراءات، فمن يطلع على شركات التأمين الإسلامي سيعقد مقارنة بينها وبين شركات التأمين التقليدية، وسيصل إلى أنه لا فرق بينهما، ففي كلتيهما يدفع قسطا تأمينيا، ويحصل على مبلغ تأميني عند حدوث الضرر،  فيصل إلى أنه لا فرق بين النوعين.

4- عدم وجود بيئة تشريعية تتناسب مع المنطق الذي بنيت عليه شركات التأمين الإسلامي، فكثير من الدول الإسلامية تعمل من خلال تصريح خاص بالاستثناء من المنظومة التأمينية التقليدية، وقليل من الدول هي التي حولت نظامها التأميني إلى النظام الإسلامي بالكامل مثل ( السودان).

فعلى سبيل المثال، (محفظة التأمين) التي تمثل حملة وثائق التأمين التكافلي الإسلامي لا تعترف بالصفة القانونية لها عديد من تشريعات بعض الدول.

كما أن القرض الحسن المقدم من المساهمين لتغطية العجز يظهر في نماذج القوائم المالية في الأنظمة ذات البنية التشريعية التقليدية على أنه خسائر، وهذا على خلاف الواقع ،مما يظهر المركز المالي للشركة على غير حقيقته.  [رؤية استراتيجية لمواجهة تحديات التأمين التكافلي الإسلامي، أشرف دوابه ].

وتذكر إحدى شركات التأمين الإسلامية في مصر : ” حيث إن الإطار التشريعي في مصر لم يقنن بعد عمل شركات التكافل؛ فإن شركة التأمين التكافلية العاملة في السوق المصري تلتزم باستثمار أموال حملة الوثائق في القنوات وبالنسب طبقا للقواعد التي تضعها هيئة الرقابة على التأمين في هذا الشأن ، بينما تقوم الشركة باستثمار أموال المساهمين في الأوعية الاستثمارية التي تتفق مع أحكام الشريعة”.

5- إن تطبيقات التأمين المعاصرة لا تولي أهمية  لصيغة التأمين التعاوني التي ورد وصفها في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لربطة العالم الإسلامي، ولم يتم دعم هذه الصيغة وتجربتها والنظر في مدى فاعليتها في تحقيق الغرض من التأمين على الممتلكات والأشخاص بالدرجة الأولى.

وبالتالي تبقى الصناعة بحاجة إلى دعم تطبيق هذه الصيغة لإثراء التجربة وتنويع التطبيقات بالدرجة الأولى، وإعمالا لصيغة لا تتعرض لإشكالات صيغة التأمين الإسلامي على القائمة على التبرع والإدارة. [تقييم تطبيقات وتجارب التأمين التعاوني، عبد الباري مشعل، ص9 ].

اعتبار التأمين من التحسينيات

6- ربما لم يستشعر المسلمون أهمية إنشاء شركات تأمين إسلامية بالدرجة التي استشعروا بها أهمية وضرورة إنشاء بنوك إسلامية، فلا شك أن الجمهور الذي يحتاج إلى البنوك الإسلامية أكبر من الجمهور الذي يحتاج إلى شركات تأمين إسلامي، فيبدو أن فكرة التأمين تدخل عند المسلمين في إطار ( الحاجيات) أو (التحسينيات) أو الرفاة.

وصور التأمين التي تعد من الأساسيات في نظرهم، يحصلون عليها بتأمينات إجبارية، كالتأمين الإجباري على السيارات، أو التأمين الصحي الذي تغطيه الدولة بشكل أو بآخر، وربما لم يتحمس الإسلاميون لدعم فكرة التأمين الإسلامي كمشروع دعوي؛ بسبب وجود خلاف غير متهم في المسألة، فمعروف أن الدكتور مصطفى الزرقا، والشيخ علي الخفيف يبيحان التأمين التقليدي بشرط خلوه من الاستثمار الربوي. وإن كانت المجامع الفقهية انتهت إلى تحريم التأمين الذي تمارسه الشركات التقليدية.

تواجد خجول

ولا يعني هذا خلو السوق المالية من شركات التأمين الإسلامي بالكلية ، فقد ازداد عدد شركات التأمين الإسلامي من شركتين في عام 1979 إلى 173 شركة حتى عام 2008م.

وحتى عام 2008 م اعتمدت 23 دولة نظام التأمين المتوافق مع الشريعة الإسلامية ضمن نشاطها التأميني.

ورغم ما يواجه التأمين التكافلي الإسلامي من تحديات، فإن التقديرات تشير إلى أن صناعة الخدمات المالية الإسلامية على المستوى العالمي بلغت نحو 1.9 تريليون دولار في العام 2015 م.

لكن الحق أن كل هذه التحديات التي ذكرت يمكن أن تذكر أيضا في طريق البنوك الإسلامية، وبالرغم من ذلك انطلقت البنوك الإسلامية كما رأينا في حين تأخرت شركات التأمين الإسلامي.

وهذا يؤكد أن السبب الأول هو السبب الرئيس في تأخر انطلاقة شركات التأمين الإسلامية، وهو أن فكرة التأمين الإسلامي على المستوى الاستثماري لا تمثل صيغة جاذبة للاستثمار.