ترتبط الأماني بالإنسان منذ ولادته، وترافقه طوال حياته. لكن كيف ينظر الإسلام إلى هذه الأماني؟ وكيف يفرق بين الطموح المشروع الذي يرفع صاحبه، والوهم الفارغ الذي يهوي به؟ تتنوع أمنيات الإنسان بقدر تدينه؛ فمنهم من يتمنى أحدث الهواتف، ومنهم من يطمح لشهرة زائفة، بينما تتطلع نفوس أخرى للمعالي.

الأماني الرفيعة: قصة عمر بن الخطاب وأصحابه

 ومن الأماني الرفيعة التي تدل على نفوس طاهرة محبة للحق والخير والجمال ما كان بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ونفر من أصحابه، حين اجتمعوا في دار  وطلب منهم أمير المؤمنين عمر أن يتمنى كل منهم أمنية؛ فمنهم من تمنى أن تمتلأ الدار التي اجتمعوا فيها دراهم ، ومنهم من تمنى أن تمتلأ الدار ذهبا، ومنهم من تمنى أن تمتلأ الدار جواهر وكلهم أرادوا أن ينفقوا هذه الأموال والجواهر في سبيل الله تعالى أما عمر رضي الله عنه فقد تمنى أن تمتلأ الدار برجال يستعين بهم على تحقيق مراد الله تعالى من الخلق.  

تمثل هذه الأمنيات الشريفة تطلعا للمعالي فقد رأى أصحاب عمر -رضي الله عنه – أن المال الكثير الذي ينفق في سبيل الله تعالى يكون سببا للتعمير وعفة الخلق عن ذل السؤال وإغناء المحتاج ومداواة المريض وستر العورات إلى آخر أبواب الخير، وذلك من أعظم ما يتقرب به العباد لربهم، لكن عمر بن الخطاب يتفق معهم في الغاية ويختلف في الوسيلة؛ فرؤية عمر رضي الله عنه أن الإنسان هو حجر الزاوية التي ينبني عليه كل خطط التنمية والعمران، فإذا كان الإنسان الصالح موجودا – كشأن الرجال الذين تمنى أن تمتلأ بهم هذه الدار –  فتوقع أن تكون حضارة الرحمة والجمال والعزة قائمة على أشدها، وتوقع أن يحمي الرجال منجزات هذه الحضارة وأن يعملوا  ليلا ونهارا على تنميتها وتقدمها. 

أجر الأمنية: كيف ترفعك نيتك أو تضعك؟

 الأماني في الإسلام ليست خيالات تمر على العقل أو القلب ثم تذهب أو تبقى، إنها سبب لرفعة العبد في دينه ودنياه، أو خسرانه في حياته وبعد مماته. يتجلى هذا بوضوح في حديث النبي :

“إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ:

عَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا وَعِلْمًا، فهو ينفقه في الخير… فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ.

وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ عِلْمًا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا، فهو يقول: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ عَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ… فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ.

وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فهو يبذره في الشر… فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ.

وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا، فهو يقول: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ… فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ.”[1]

انظر إلى بركة الأمنية الشريفة لقد تمنى الرجل أن يرزقه الله تعالى المال لكي يؤدي حق الله تعالى وحقوق البشر، فكانت هذه الأمنية الطيبة سببا لنيله أجر المنفقين رغم أنه لم يملك المال ولم ينفق شيئا لأنه لا يملك مالا، فقط أمنيته الطيبة ونيته الصالحة رفعته إلى مصاف المنفقين.

والرجل الرابع لم ينفق في الشر لكنه تمنى أن يمتلك المال لكي يكون مثل هذا الرجل الجاهل بحقوق الله  تعالى وحقوق البشر، وعلى الرغم من كونه لم ينفق ماله في الشر إلا أنه حصل على أوزار من أنفق في الشر بسبب أمنيته الفاسدة ونيته الخبيثة. 

من الأمنية إلى الواقع: خطوات عملية للتحقيق

سيواجه أصحاب الأمنيات الكبيرة عقبات وعقبات، وسيحتاجون إلى صبر جميل كبير وحسن استعانة بالله تعالى فإن الله عز وجل يعين من استعان به. 

1. العمل وبذل الجهد

وجّه النبي – – أصحاب الأمنيات الكبيرة إلى العمل وبذل الجهد، فهذا ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه يتمنى أمنية كبيرة، يتمنى أن يرافق النبي -- في الجنة والنبي -- في أعلى المنازل وأرفع الدرجات فيوجهه النبي إلى مواصلة العمل لنيل هذه الغاية الكبرى ويقول له: “أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ”[2]. 

وللذين يتنمون حياة رغدة ليس فيها فقر ولا حاجة يوجههم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى العمل فيقول: “لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء ‌لا ‌تمطر ‌ذهبا ‌ولا ‌فضة، وإن الله تعالى إنما يرزق الناس بعضهم من بعض. وتلا قول الله جل وعلا (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[3]. الانتشار في الأرض والسعي في مناكبها سبب لنيل الرزق، القعود عن طلب الرزق لا يليق بمؤمن.

2. الصبر والاستعانة بالله

سيواجه أصحاب الأمنيات الكبيرة عقبات كثيرة، وهم يحتاجون إلى صبر جميل وحسن استعانة بالله، وقد علم الخبراء بالحياة هذه الحقيقة فقال قائلهم:

‌لَأَسْتَسْهِلَنَّ ‌الصَّعْبَ أَوْ أُدْرِكَ الْمُنَى … فَمَا انْقَادَتِ الْآَمَالُ إِلَّا لَصَابِر

3. الرضا بقضاء الله

أحيانا يرتفع سقف الأمنيات ويعيش الإنسان فيها ويتعلق بها دون أن ينظر إلى نعم الله تعالى عليه وهي كثيرة لا تعد ولا تحصى، وينسى كذلك أن هذه النعم التي منحها الله تعالى له يتمناه الكثيرون. 

صغير يطلب الكبرا    وشيخ ود لو صغر

وخال يشتهي عملا    وذو عمل به ضجرا

ورب المال في تعب   وفي تعب من افتقر

فإن تمنى الإنسان شيئا وسعى إليه من خلال الطرق المشروعة ولم يصل فليوقن بقول الله تعالى ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ [البقرة: 220]  والله عز وجل لا يمنع عبده بخلا حاشاه سبحانه وتعالى.

خطر الأوهام: حين تصبح الأماني فخاً

الفرق بين الأمنية والوهم هو العمل. الأمنية هدف تسعى إليه، أما الوهم فهو حلم يقظة لا يتبعه سعي. وهذا ما يصوره المثل القديم عن الناسك، “في كتاب للهند أن ناسكا كان له عسل وسمن في جرّة، ففكّر يوما فقال: ‌أبيع ‌الجرّة بعشرة دراهم، وأشتري خمسة أعنز فأولدهنّ في كلّ سنة مرتين؛ ويبلغ النتّاج في سنين مائتين، وأبتاع بكل أربع بقرة، وأصيب بذرا فأزرع، وينمي المال في يدي؛ فأتّخذ المساكن والعبيد والإماء والأهل ويولد لي ابن فأسميه كذا وآخذه بالأدب، فإن هو عصاني ضربت بعصاي رأسه، وكانت في يده عصا فرفعها حاكيا للضرب، فأصابت الجرّة فانكسرت، وانصبّ العسل والسمن على رأسه»[4] وذهبت أمنيته. 

هؤلاء الحالمون هم “رؤوس أموال المفاليس”، وهم الفريسة السهلة للمحتالين الذين يبيعونهم أوهام الثراء السريع ويسرقون أموالهم.

الأماني التي تتحقق في الواقع ليست أوهاما بل هي أهداف حقيقية تتلألأ أمام أعين أصحابها وهم  يعملون لها ليلا ونهارا ويستعينون بالله على تحقيقها.  

كيف نتعامل مع أمنيات أطفالنا؟

خيال الأطفال واسع يتمنون أشياء يقول الواقع انها مستحيلة لكن من يدري لعل هذه الأمنية المستحيلة الآن تكون ممكنة غدا أو بعد غد، وكل الاختراعات والفتوحات العلمية التي يسرت الحياة وقربت البعيد كانت أمانا مستحيلة في وقتها، فلا يصح أن نصادر أمنيات أطفالنا بحجة الاستحالة، لكن نوجههم من خلال الحوار:

  • نربط أمنياتهم بالأهداف المشروعة التي ترضي الله وتنفع الناس.
  • نتحدث معهم عن أهمية السعي والمثابرة لتحقيقها.
  • نعلمهم الرضا إذا لم تتحقق، وأن الفشل ليس نهاية الطريق.

طالما بقي في الإنسان إيمان بالله وسعي نحو الهدف، تبقى الأمنية حية، وقد تجد طريقها إلى أرض الواقع يوماً ما.وطالما بقي في الإنسان نفس يرتدد ويقين في الله تعالى وتوفيقه وسعي نحو الهدف، طالما بقيت الأمنية تتردد في صدرنا و نأمل أن تجد طريقها لأرض الواقع.