تصور المنظرون لنموذج البنك الإسلامي عندما ظهرت الكتابات الأولى في هذا الموضوع منذ الخمسينات أن عقود المشاركة والمضاربة هي البديل الحقيقي للتمويل بالفائدةفي البنوك الإسلامية، وأنها القادرة على أن تقدم للمجتمع النتائج الحميدة لصيغ التمويل الإسلامي، من عدالة في توزيع الدخول والثروات ومحاربة للفقر، واستقرار اقتصادي. ولكن النتيجة كانت خلاف ذلك؛ إذ اتجهت البنوك الإسلامية بعيداً عن أنواع المشاركات إلى التمويل بالديون ( من خلال المرابحة والتورق والسلم والاستصناع)، حتى أصبح التمويل بالديون هو أساس نشاط هذه المؤسسات.([1])

وهذه بعض الإشارات والإحصاءات التي تبين انحسار حجم التمويل بالمشاركة لحساب التمويل بالديون:

في دراسة قام بها د. أحمد محيي الدين عن المصارف الإسلامية في السودان للفترة 1998م-2002م، ذكر فيها أن التمويل بصيغة المشاركة قد بلغ (30.8%،34%،38%،28%) موزعة على السنوات الأربعة على التوالي([2]) .

وفي دراسة للسوق السعودي تبين منها محدودية استخدام صيغة المشاركة في مجال التمويل، حيث تشكل نسبة تتراوح بين 3.1% إلى 1.1% من حجم التمويل المقدم للعملاء خلال الفترة من عام 2000 – 2005 حيث تناقصت النسبة بحوالي02% ([3]).

ولم يختلف الأمر في السنوات الأخيرة، حيث أثبتت دراسة حديثة أن نسبة عقود المشاركات في المصرفية الإسلامية لعام 2010م لم تتجاوز 11.56% من حجم التمويلات المصرفية، بينما وصلت نسبة عقود المداينات إلى 88.44% من حجم التمويلات المصرفية لذات السنة 2010م.([4])

أسباب تراجع التمويل المصرفي بعقد المشاركة

يمكن إجمال أسباب تراجع التمويل المصرفي بعقد المشاركة إلى الآتي:

أولا : المخاطر الاستثمارية العالية لعقد المشاركة

كشفت التجربة العملية للبنوك الإسلامية عن وجود مخاطر عالية لعقد المشاركة، من شأنها أن تعرض البنوك الإسلامية لخسائر حقيقية، فضلا عن ضياع فرص ربحية، ومما يوضح ذلك :

1-تحميل الخسارة على رب المال: مما اتفق عليه الفقهاء أن الخسارة في الشركة تقع على صاحب المال في ماله، وأنه يتحمل من الخسارة بقدر حصته في رأس المال، وفي حالة التمويل بالمشاركة، فإن البنك يكون صاحب القدح المعلى في رأس المال، فقد تصل حصته المقدمة إلى ما يصل إلى 90% من جملة حجم مشروع المشاركة، وهذه درجة مخاطرة عالية، بحيث تكون هذه الحصة كلها معرضة للخسارة ما لم يوجد تقصير أو تعد من الطرف الآخر، ومهما  اتخذ البنك من تدابير، تقلل من إمكانية الخسارة المحتملة، فستبقى الإمكانية قائمة، فهل المودعون مستعدون لتحمل خسارة أموالهم، مهما عظمت نسبة الخسارة؟

لقد وقعت بعض البنوك الإسلامية في حرج شديد عندما حاولت أن تحمل المستثمرين الخسارة التي تحققت في مشاريع مولتها أموالهم المودعة لدى البنك، الأمر الذي اضطرها إلى تحميل الجزء الأكبر من تلك الخسائر على رأس المال بنسبة تزيد كثيراً عن نسبة مساهمة أموال ملاك البنك في الاستثمارات المذكورة.([5])

2– إثبات التعدي والتقصير: من العقبات التي تحول دون دخول كثير من البنوك في عقود المشاركة أن المال يكون بيد الشريك المدير وهو مؤتمن عليه، وفي حال وقوع الخسارة يُصدَّق قوله في عدم التعدي أو التفريط، مع تعذر إثبات رب المال وقوع الإهمال أو التعدي.

3-عدم التزام الشريك بالخطة الاستثمارية المتفق عليها بينه وبين البنك : فقد لوحظ أن بعض العملاء، لا يقوم بتنفيذ خطوات المشروع في الأوقات الزمنية المتفق عليها، لتفرغه لمشروعاته الخاصة مثلا، بل وجد أن بعض الشركاء ينتفعون بمال الشركة لمصالحهم الشخصية أو مشروعاتهم الخاصة خفية ، كما وجد أن بعض الشركاء يخفي أسعار البيع الحقيقية حتى لا يشاركه فيها البنك.([6])

ثانيا : حاجة المشاركة إلى مهارات بشرية عالية، تفتقدها المصارف الإسلامية.

فالموارد البشرية في المصارف الإسلامية،  تفتقر إلى توافر العقلية الابتكارية لديهم، حتى تتاح لهم القدرة على مواجهة المشاكل والمعوقات اليومية، التي تواجه تطبيق هذا الأسلوب حتى تستطيع تقديم الحلول الملائمة لها.

وذلك لكي تكون هناك قدرة لهذا النظام على مسايرة الواقع العملي والتعامل مع متغيراته في إطار الضوابط الشرعية العامة والأحكام الخاصة لعقد المشاركة.

ثالثا: ومن ناحية أخرى، تعد عملية المشاركة في جوهرها نشاطا استثماريا حقيقيا، يتطلب البحث عن الفرص الاستثمارية  الملائمة ودراسة جدواها وتقويمها وتنفيذها، أو متابعة  التنفيذ وفق الأصول والقواعد العلمية والفنية الحديثة.

وهذه الأعمال تتطلب توافر مجموعة من الكوادر البشرية المتنوعة والمتخصصة في المجالات الاستثمارية، تكون ذات كفاءات ومهارات عالية  في هذه المجالات، ولها القدرة على أن تعمل وفق الأساليب والنظم والقواعد الجديدة المعروفة.

رابعا: يتطلب التمويل بصيغة المشاركة عملية إشراف ومتابعة للمشروعات الممولة، وتوفير كوادر فنية متخصصة في نشاط كل مشاركة لتقويمها، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف التمويل المقدم بصيغة المشاركة، وبخاصة إذا كانت المشاريع الممولة في أماكن بعيدة عن المصرف.

خامسا: ومما يتصل بالسبب السابق: عدم وجود كوادر بشرية قادرة على تقدير حجم الأرباح المتوقعة عن المشروع.([7])

ثامنا :حاجة التمويل بالمشاركة إلى جمع بيانات دقيقة عن طالبي التمويل، بيانات  تتعلق بالكفاءة التجارية، وأخرى تتعلق بالذمة المالية.

سابعا :عدم احتفاظ طالبي التمويل بسجلات تجارية معتمدة ودقيقة عن تاريخهم التجاري إما بسبب التعمية على ضعف المستوى التجاري، أو بسبب ضعف ثقافة التوثيق.

ثامنا : يواجه النظام المصرفي معوقات قانونية عند تطبيق عقد المشاركة في كثير من البلاد الإسلامية، تتمثل في خلو القوانين المنظمة للعقود التجارية من اعتماد الأحكام الفقهية لعقد المشاركة.


[1]))انظر : مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي العدد الثامن (3/694)

([2]) انظر: تطبيق المضاربة والمشاركة الثابتة والمتناقصة في المصارف الإسلامية،د . أحمد محي الدين(ص 8)

([3])انظر: ” نحو بناء نموذج محاسبي لتقويم وسائل الاستثمار”، د محمد البلتاجي، ورقة مقدمة إلى الندوة الدولية ، نحو ترشيد مسيرة البنوك الإسلامية،دبي، 2005م

[4]))انظر بحوث ندوة دلة البركة الرابعة والثلاثين للاقتصاد الإسلامي، ص (322)

([5]) انظر : عرض لبعض مشكلات البنوك”. د محمد علي القري.

([6]) انظر: واقع التمويل بالمشاركة في البنوك الإسلامية العاملة في السودان، عابدين سلامة.

([7]) انظر :البنوك الإسلامية- التجربة بين الفقه والقانون والتطبيق-د. عائشة الشرقاوي، ص396