يعتبر بيع المرابحة من أشهر المعاملات البنكية المعاصرة رواجا في المصارف الإسلامية، وتتخذها البنوك الإسلامية كوسيلة واسعة النطاق في الاستثمار، “وتشير الدراسات إلى أن معظم العوائد التي تجنيها هذه المصارف يرجع إلى هذا البيع”[1]

فبيع المرابحة معاملة قديمة ومستجدة، وقد بحث فيه كثيرا في هذا الوقت، ودار حوله الجدل والنقاش طويل الذيل بسبب كثرة ملابستها بالشبهات الربوية، فكأنها معاملة عصرية جديدة في الفقه الإسلامي المعاصر.

وكان هذا البيع في أصله ثنائي الأطراف، وهو أشهر بيوع الأمانة المعروفة في كتب التراث الفقهى، والتي كان مبناها على مبادلة الثقة والاطمئنان بين البائع والمشترى من حيث تحديد حقيقة ثمن المبيع.

وأما بيع المرابحة الحديثة فقد تعددت أسماؤه، فسمي ببيع المرابحة للآمر بالشراء، أو بيع المواعدة، أو المرابحة المصرفية، أو المرابحة، وهو في الواقع المشاهد: عبارة عن بيع المؤسسة ونحوها إلى عميلها الآمر لها بشراء سلعة معينة، وبزيادة ربح محدد على الثمن الأصلي ويكون ذلك بالوعد، وجاء في تعريف بعضهم أنه” هو شراء المصرف سلعة بطلب عميله بثمن معجل، ومن ثم بيعها بثمن مؤجل مع ربح معلوم، وذلك بناء على مواعدة بينهما، ملزمة في بعض المصارف، وغير ملزمة في مصارف أخرى.”[2]

ما حكم بيع المرابحة للآمر بالشراء عند أهل العلم؟

 كان حكم بيع المرابحة الحديثة مربط الفرس ومحل النزاع بين العلماء المعاصرين، ولم يسيروا على وتيرة واحدة، بل أدى الخلاف إلى عقد المؤتمرات العديدة في أزمنة مختلفة، لأن الحكم الشرعي في مثل هذا النوع من المعاملات يحتاج إلى الدقة وتحقيق المناط والانضباط في المنهج، نظرا لوجود بعض الأوصاف قد تكون مؤثرة في توصيف الحكم من حيث الإباحة أو التحريم، ولذا جرى الخلاف والنقاش حول الحكم بناء على الملابسات المتصلة بالقضية، والقدر المتفق عليه من الشروط المبيحة للمرابحة الحديثة بعد تلك المؤتمرات والمنقشات ملخصها أنه يجب على المصارف أو المؤسسة الأشياء الآتية:

1-تملك البضاعة تملكا حقيقيا

2- حيازة السلعة

3- مسؤولية الهلاك قبل التسليم.

4- تبعة الرد بالعيب بعد التسليم

وأما المواعدة غير الملزمة للعميل والمصرف – سواء بذكر مقدار الربح أم لا – وهناك شبه الاتفاق بين العلماء المعاصرين على الجواز، وإنما يبقي الخلاف[3] قائما حول موضوع الإلزام بالوعد، وصحيح أنه غير جائز، للأدلة الواردة في النهي عن الخوض في بيع ما لم يملك، أو بيعتين في البيع، أو بيع ما لا يقبض ونحوها؛ والتي تتجاذب حكم المنع عن المواعدة الملزمة تجاذبا قويا، ويندفع بذلك الاستدلال بقاعدة الأصل في المعاملات الحل والإباحة، وانضاف إلى ذلك أن الشرع قد تشدد في قضايا ربوية أيما تشدد، وفي كل ما من شأنه أن يكون مطية إليها، ولذا يجب اعتبار هذا الجانب في هذه المسألة ولا تعطى المصالح أو التيسير حجما أكبر على حساب اهمال خطورة الربا عند الترجيح، وخاصة في هذا الزمن الذى يتساهل الكثير من أمر الربا، وعلى هذا القول قرار مجمع الفقه الإسلامي برقم 302.

ما حكم رهن المرابحة؟

لبيع المرابحة حضور كبير في واقع عامة المعاملات المعاصرة وعلى مستوى قطاعات مختلفة، حكومية كانت أو مؤسسات أو أفرادا وهكذا، ومن ثم يتوقع أن يكون بيع المرابحة واسعا نطاق التلبية لحاجات الفئام المتعددة حسب احتياجات وأغراض كل منهم.
ومن الطبيعى جدا أن لا تفتح المصارف أو البنوك نوافذ المرابحة على عواهنها دون ضمانات محكمة تحمى حقوقها، ولكن لا يبرر ذلك إباحة التعامل الربوي لضمانة الحقوق.
بل إذا تحققت شروط بيع المرابحة للآمر بالشراء، كأن يكون شراء السلعة شراء حقيقيا وكذا دخولها في ملك المأمور – المصرف أو البنك- مع تحمله مسؤولية التلف قبل التسليم وضمان الرد بالعيب الخفي كما هو مقرر في قرار المجمع الفقهى، وإذا صحت المرابحة وحينها لا مانع أن يشترط المصرف أو البنك رهنا في البيع لضمان ثمن المبيع إلى نهاية السداد، وهذا هو الطريق الشرعي الأمثل لحماية الحق، والأسلم من الوقوع في المحظور الربوي ونحوه.

وإنه يجوز للبنك الإسلامي مثلا إذا تم بيع المرابحة في شراء سيارة أو ثلاجة ونحوهما لعميله الفرد، ثم يشترط رهن السيارة أو الثلاجة المبيعة نفسها ضمانا لحقه إلى أن يسدد جميع الأقساط، ويستوفي حقه من المبيعة في حال عدم تمكن سداد الدين.

وهذه الصورة من صور الرهن في المرابحة جائزة على مذهب الجمهور القائلين بعدم ممانع من كون المبيع رهنا على ثمنه.

يقول ابن القيم رحمه الله: “وهكذا في المبيع يشترط على المشتري رهنه على ثمنه حتى يسلمه إليه، ولا محذور في ذلك أصلاً، ولا معنىً، ولا مأخذاً قوياً يمنع صحة هذا الشرط والرهن، وقد اتفقوا أنه لو شرط عليه رهن عين أخرى على الثمن جاز، فما الذي يمنع جواز رهن المبيع على ثمنه؟ لا فرق بين أن يقبضه أو لا يقبضه على أصح القولين، وقد نص الإمام أحمد على جواز اشتراط رهن المبيع على ثمنه، وهو الصواب ومقتضى قواعد الشرع وأصوله… وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي، وبعض أصحاب الإمام أحمد، وهو الصحيح”[4]

وبهذا القول أخذ مجمع الفقه الإسلامي في قراره رقم (53/2/6) أنه: “لا يحق للبائع الاحتفاظ بملكية المبيع، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة”
ولكن يجب التنبيه على أنه لا تنقل ملكية السلعة من المشتري إلى البائع، وإنما تبقى في ذمته وتصرفته بشرط عدم بيعها أو عدم تصرف يؤثر في قيمة السلعة أو يضر المرتهن.

ومن صور رهن في هذا الباب أيضا: لو أن الشركة المهنية طلبت من المصرف بيع المرابحة الصحيحة، كأن تشترى معدات أو أجهزة أو آلات ونحوها من المصرف، ولا حرج أن تجعل تلك الشركة المهنية ودائعها البنكية رهنا لدى المصرف، حيث يستوفي منها حقها عند عدم سداد الأقساط بناءا على صحة جواز رهن الدين.

وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي -في دورته التاسعة بأبو ظبي- بشأن الودائع المصرفية (حسابات المصارف) ما يلي:” إن رهن الودائع جائز، سواء أكانت من الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) أم الودائع الاستثمارية، ولا يتم الرهن على مبالغها إلا بإجراءٍ يمنع صاحب الحساب من التصرف فيه طيلة مدة الرهن. وإذا كان البنك الذي لديه الحساب الجاري هو المرتهن، لزم نقل المبالغ إلى حساب استثماري، بحيث ينتفي الضمان للتحول من القرض إلى القراض (المضاربة)، ويستحق أرباح الحساب صاحبه تجنباً لانتفاع المرتهن (الدائن) بنماء الرهن.” [5] حتى يكون ذلك مخرجا من إدخال القرض في البيع بناء على توصيف الحساب الجاري أنه قرض.

ومن صور الرهن أيضا: أنه قد ينشأ عقد بيع المرابحة بين الحكومة والمؤسسة في شراء نفط أو معدات للمطارات والموانئ والمرافق العامة وغيرها، وللمؤسسة أن تطلب من الدوائر الحكومية رهن الأوراق التجارية مثلا لتكون ضمانا لحقوقها، وتصح هذه المعاملة تبعا لصحة رهن الأوراق. وكذا لو صحت المرابحة -مثلا- بين البنك الإسلامى وبين القطاع الخاص بالصناعية في شراء مواد خام أو سلع ونحوها، وطلب البنك رهن الأسهم ولا بأس بذلك. عملا بمذهب الجمهور في جواز رهن المشاع.


[1] تحقيق أقوال الفقهاء في بيع المرابحة للآمر بالشراء،  مجلة جامعة الملك عبد العزيز الاقتصاد الإسلامي.

[2] بيع المرابحة للآمر بالشراء في المصارف الإسلامية، لرفيق المصري، مجلة مجمع الفقه الإسلامي 6/845.

[3]  مرجع سبب الخلاف متصل بمسألة ” الوفاء بالوعد ” هل هو ملزم أو لا؟ ورأي الجمهور فيها أنه غير ملزم، وقال بعضهم بعكس قول الجمهور، وذهب بعض المالكية إلى التفصيل، وقالوا باللزوم إذا كان مرتبطا بسبب وإلا فلا. والمسألة مفصلة في أمهات كتب الفقه كالبيان والتحصيل لابن رشد، والمحلى لابن حزم، والمبدع في شرح المقنع، والفروق للقرافي وغيرها.

[4] إعلام الموقعين 4/33

[5]  مجلة مجمع الفقه الإسلامي 9/702.