يستعرض كتاب ” ذو الكفل عبد الرزاق وتطوير مفهوم التعليم العالي ” المسيرة العلمية والعملية لشخصية ماليزية معروفة ومرموقة؛ إذ سبق لصاحبها أن حاز جائزة الشخصية الأكاديمية الوطنية؛ ذلك هو البروفيسور ذو الكفل عبد الرزاق ( Professor Emeritus Tan Sri Dato’ Dzulkifli Abdul Razak ) ، المدير الحالي للجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا (International Islamic University Malaysia) ؛ حيث سبق أن تقلّد مناصب علمية في العديد من الجامعات، داخل ماليزيا وخارجها.
كان البروفيسور ذو الكفل رئيسا لمجلس إدارة جامعة العلوم الإسلامية الماليزية، ومدير جامعة البخاري العالمية، ومدير جامعة العلوم الماليزية لعقد من الزمن. كان أيضا، ضمن أعضاء فريق الخبراء الاستشاريين لمنظمة الصحة العالمية فيما يتعلق بسياسة الأدوية وإدارتها في الفترة 1995-2010م، وعضوا في اللجنة العلمية لمنظمة الصحة العالمية بشأن لوائح منتجات التبغ في الفترة 2004- 2006 م. كما سبق له أن ترأَّس رابطة الجامعات العالمية في الفترة 2012-2016م.
لقد تكلّلت كل هذه الإنجازات بحصول البروفيسور ذو الكفل على ميدالية من جامعة جيلبرت عام 2017م تقديرا لإسهاماته في مجال التربية والتعليم، علاوة على منحه الدكتوراه الفخرية في العلوم من جامعة بورتسموث، وجامعة نوتنغهام، وجامعة ميكولاس روميريس. كما منحته جامعة إسطنبول التجارية دكتوراه فخرية في علوم التربية، نظرا إلى خبراته الواسعة والثرية في تطوير نماذج جديدة في إدارة التعليم العالي وتطبيقاته.
ما جاء في الكتاب أن شخصية مدير الجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا تتميز بالآتي:
أولا: يمكن القول إن هناك بعض الاختلافات في طريقة عمل ذو الكفل؛ فهو يحيط بتفاصيل الأمور التي يجب حلها؛ مما يجعله على دراية بالمشاكل والقضايا.
ثانيا: لا يحب ذو الكفل الهواتف المحمولة. لذلك، لا يمكن التواصل معه من خلال هذه الأداة، بل عادة ما يكون الاتصال به عبر هاتف المكتب. وفي الوقت نفسه، فإن الوسيلة المفضلة لديه هي البريد الإلكتروني، يستخدمها للتواصل مع العمداء والمحاضرين والمسؤولين وغيرهم، وعادة ما تكون هناك نسخة من البريد الإلكتروني لدى مساعدته. غالبا ما يكون سريعًا بما يكفي للإجابة عن معظم الأسئلة؛ وهو ما يدل أيضًا على حقيقة أن ذو الكفل يعمل في أي مكان، في المكتب، وفي غرفة الفندق، وفي السيارة.
ثالثا: يقرأ ذو الكفل بشغف ويتتبّع دائما التطورات الحاصلة في عالم الفكر، وغالبًا ما يبحث عن أحدث الكتب في مجال التعليم العالي في المكتبات حتى يتمكن من التعامل مع الموظفين بأفكار جديدة. لم تكن هذه العادة موروثة عن أبيه وحسب، بل تم تسهيل كل ذلك أمامه عندما كانت زوجته أمينة مكتبة، وبعد ذلك كانت رئيسة أمناء المكتبة؛ وهو ما جعله يطلع على أحدث الكتب والأبحاث. نمت هذه الصفات في وقت مبكر في عائلة عبد الرزاق؛ فطوّر ذو الكفل نفسه عندما نشأ وتواصل اجتماعيا مع أشخاص مختلفين في الداخل والخارج.
رابعا: يتقن ذو الكفل أيضا إثارة الأسئلة والتعامل مع الزوايا المعقدة. وعلى سبيل المثال، في طريقة تفكيره، كانت حواراته تأتي دائمًا بالجديد.
خامسا: حاول ذو الكفل تطبيق مفهوم ما يسمى Open Office، وهو مكتب مفتوح دائما. نادرا ما يتم إغلاق باب مكتبه.
سادسا: اقترح عدة مبادئ يمكن أن توجّه الجامعة نحو أهدافها، وهي:
1- العيش في حدود قدرات بيئتنا مع مراعاة قيود الموارد الطبيعية، ثم المساعدة في الوقت نفسه على تحسين البيئة، وتحديد أن السلع والخدمات التي يمنحها لنا النظام البيئي يمكن استخدامها على أفضل وجه ممكن بحيث تتحقق حياة صحية ومنتجة مضمونة في الحاضر والمستقبل.
2- ضمان مجتمع تقدمي وعادل وصحي؛ يريد بهذا المبدأ إنتاج مجتمع متعدد الأعراق والأديان ومتعدد الحاجات يمكنه العيش معا، وتوفير فرص متساوية لجميع سكانه.
3- تحقيق اقتصاد مستدام أو بناء اقتصاد مستقر وقوي يمكنه تلبية حاجات جميع شرائحه.
4- ضمان وجود تفاعل قوي بين السياسة والعلوم التي تدعمها المعرفة وجميع أوجه عدم اليقين فيها، جنبا إلى جنب مع مواقف المجتمع والقيم والسياسات الاستباقية. تتطلب مثل هذه التطورات فهما كافيا لأوجه القصور وإمكانات التكنولوجيا الحالية.
5- تعزيز الحوكمة الرشيدة على جميع المستويات، والتي تستخدم الإبداع والطاقة والتنوع.
سابعا: في حرم الجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا، يستمر مشروع التجميل البيئي. لقد تم تنظيف نهر الجامعة الممتدد في أرجائها، وتعزيز حدائق الطلاب والمسؤولين بالساحات الخضراء. عندما تم إطلاق المشروع الخاص IIUM Go-Green ” ، في إطار مركز الرفاهية Sejahtera للاستدامة والإنسانية، تم حشد العديد من البرامج في جميع أنحاء منطقتي كومبق Gombak وكوانتن Kuantan للحفاظ عليه كحرم جامعي مستدام. كما تم تحديد سبعة مجالات عمل في إطار التنفيذ، وهي: 1. البيئة الخضراء والمناظر الطبيعية، 2. البيئة المناسبة، 3. النقل، 4. النفايات، 5. الماء، 6. الطاقة.
ثامنا: يرى ذو الكفل أن تكنولوجيا المعلومات يُفترّض أن تكون صديقة للبيئة؛ حيث تكون الممارسة من أسفل إلى أعلى، وليس من أعلى إلى أسفل، كما تكون أكثر على شكل تفاوض وليس تعليمات، كما أن الرئيس لا يكون على حق في كل الأحوال والمواقف! لذلك، فإن البيروقراطية الجامدة السارية تواجه تحديا بهذه الطريقة المفتوحة. لا يوجد ترتيب عمودي للقوة ولا تسلسل هرمي يجب اتباعه دون التشكيك فيه، حتى لو كان من الممكن إيجاد بديل أفضل. يتصل ذو الكفل بأي موظف يعتقد أن بإمكانه تقديم المساعدة في حل مشكلة ما. غالبًا ما يتم الاتصال بالمحاضرين لهذا الغرض؛ لأن البيروقراطية تعمل دائما على استبعاد مشاركة وأفكار الأشخاص الذين ليسوا في مناصب عليا. بأسلوب ذو الكفل الجديد، هناك العديد من الآراء الجيدة التي يمكن جمعها والاستفادة منها من المحيطين به.
تاسعا: في نوفمبر2019، تم إنشاء مركز الرفاهية للاستدامة والإنسانية ووظائفه الرئيسية على النحو الآتي:
1- مجتمع مزدهر: يعمل هذا المركز على ربط المشاركين في الداخل والخارج لبناء مجتمع مزدهر من المتوقع أن يجلب الأجندة العالمية للتنمية المستدامة إلى البلاد أو البيئة المحلية. بعد ذلك، يعمل هذا المركز أيضا على ربط أصحاب المصلحة في بناء مجتمع مزدهر يمكنه تعبئة طاقاتهم لإدخال أجندة عالمية في السياق المحلي.
2- التعليم من أجل التنمية المستدامة: إن التغيير في المجتمع يبدأ بالتغييرات التي تحدث في تعليمه، نظرا إلى أن المركز يعمل أيضا على تمكين الأجيال الحالية والمستقبلية ليكونوا قادرين على تلبية احتياجاتهم من خلال نهج متوازن ومتكامل ذي أبعاد اقتصادية واجتماعية وبيئية.
3- الحرم الجامعي المستدام: يؤدي المركز أيضا دورا في إنشاء حرم جامعي مستدام، والذي سيتم إنشاؤه من خلال تطوير البنية التحتية للجامعة. يتم التعاون مع مختلف الأطراف المهتمة لإنشاء حرم جامعي أخضر في جميع حرم الجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا. الحرم الجامعي المستدام مشروع كبير بمفهوم الرفاهية في جوانب مختلفة من حياة الإنسان.
عاشرا: تسعى الجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا إلى ممارسة الركائز الأساسية الأربعة للتعليم كما كشفت عنها الأمم المتحدة، وهي: تعلم الفهم، وتعلم أن تفعل، وتعلم كيف نعيش معًا، وتعلم أن تكون.
1- تعلّم الفهم يتم من خلال الجمع بين المعرفة الواسعة الكافية وإتاحة الفرصة لدراسة عدد من الموضوعات بعمق أكبر.
2- تعلّم أن تفعل؛ ليس فقط اكتساب مهارات وظيفية، ولكن أيضا على نطاق أوسع يشمل مهارات للتعامل مع المواقف المختلفة والعمل الجماعي.
3- تعلّم العيش معًا؛ هو من خلال بناء الفهم للبشر الآخرين وتقدير حقيقة الترابط بين أعضائه، وإدارة المشاريع معا، وتعلّم كيفية التعامل مع النزاعات بروح احترام القيم العالمية والتفاهم المتبادل.
4- تعلّم أن تكون؛ من خلال تحسين شخصية الفرد، والقدرة على التحرك بشكل أكثر استقلالية، بناء على التقييم الشخصي والمسؤولية. يجب أن يأخذ التعليم بعين الاعتبار جوانب من إمكانات الشخص، وهي الذاكرة والتفكير والمشاعر الجمالية ومهارات الاتصال.
الكتاب: ذو الكفل عبد الرزاق وتطوير مفهوم التعليم العالي
الكاتب: محمد حاج صالح
الناشر: الجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا للنشر العلمي (IIUM Press)، الطبعة الأولى 2022
عدد الصفحات: 255