• لا أمل في تقدم الاقتصاد والتمويل الإسلامي بدون خلق رأس مال فكري
  • الممارسات الحالية في التمويل الإسلامي قريبة جدا من النظام الرأسمالي
  • التحمس للتمويل الإسلامي يضعف لأن المواطن العادي لا يلحظ أي فرق بين البنوك الإسلامية والتقليدية
  • لا بد من إدخال الأخلاق ضمن الاقتصاد الإسلامي لأنها الفرق الجوهري بين النظام الرأسمالي والاقتصاد الإسلامي
  • الاستثمار ينشأ من إقراض الأموال بالفوائد وهذا يتوافق مع النموذج الرأسمالي ويتعارض مع القيم الإسلامية
  • ممارسة التمويل الإسلامي بهذه الهياكل التنظيمية يتطلب تقديم الكثير من التنازلات
  • أكبر مشاكل العالم الإسلامي اليوم توقف إنتاج المعرفة القائمة على القيم والمبادئ الإسلامية
  • لا بد من التفكير في هياكل تنظيمية بديلة تتوافق مع مبادئ وأخلاقيات الشريعة
  • نحتاج إلى خلق معرفة جديدة تترجم إلى أفكار وتحول بدورها إلى منتجات
  • فكرة “رحمة للعالمين” موجودة في الشريعة لكننا لا نرى أثرا لها بالممارسة على الواقع.
  • 70% من أصول التمويل الإسلامي تتركز في المصرفية الإسلامية المتوافقة مع النظام التقليدي مع اختلاف ضئيل في التفاصيل الشكلية
  • يجب اعتبار الزكاة آلية لإعادة توزيع رأس المال لأن إعادة توزيع الدخل فقط لا تحل المشكلة الجوهرية
  • الزكاة والوقف مرتبطان بمفهوم رأس المال ودورهما في التنمية يتطلب تجديدا يتناسب مع ظروف العصر

يعد البروفيسور حبيب أحمد أحد العلماء البارزين في مجال الاقتصاد الإسلامي والتمويل، ويتولى حاليا أستاذ كرسي الشارقة في الشريعة الإسلامية والتمويل بجامعة درهام في المملكة المتحدة، ويمتلك خبرة علمية واسعة تراكمت عبر رحلة طويلة خاضها في البحث العلمي في عدة جامعات حول العالم، من الولايات المتحدة وصولا إلى سنغافورة و[البحرين، بالإضافة إلى عمله في مؤسسات مصرفية وبحثية رائدة مثل البنك الإسلامي للتنمية، ونال عدة جوائز دولية تقديرا لإسهاماته العلمية، من أبرزها جائزة البنك الإسلامي للتنمية للإنجاز المؤثر في الاقتصاد الإسلامي لعام 2022م.

ويعرف البروفيسور حبيب أحمد بتأصيله للفكر الاقتصادي الإسلامي وتطويره للمنتجات المالية الإسلامية والبحث في التكامل المؤسسي بين الوقف والزكاة والتمويل، وله عشرات الدراسات والكتب التي تدرس في جامعات دولية حول العالم. كما اشتهر بإسهاماته في تطوير السياسات المالية، وصنع التشريعات الإسلامية، وتحليل العلاقة بين النظرية والتطبيق في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، ما يجعله أحد أهم المرجعيات الأكاديمية المعاصرة في هذا المجال.

التقى موقع إسلام أون لاين بالبروفيسور حبيب أحمد على هامش فعاليات المؤتمر الدولي الثامن للتمويل الإسلامي الذي أقيم في الدوحة بتنظيم من كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة خلال الفترة من 8 أكتوبر إلى 9 أكتوبر 2025 م، وأجرى حوارا معه حول فكرة الاقتصاد الإسلامي وأهدافها وتقييمه للتجربة بعد مرور خمسين عاما.

ومن خلال الحوار، أكد البروفيسور حبيب أحمد على أهمية تجديد الفكر وبناء رأس مال معرفي إسلامي، وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني كالوقف والزكاة لتحقيق العدالة في توزيع الثروة، مع ضرورة تطوير هياكل تنظيمية مبتكرة لا تقتصر على العمل البنكي التقليدي، وتطرق إلى مستقبل الاقتصاد والتمويل الإسلامي وارتباطه بالاستثمار في المعرفة والتكامل المؤسسي، كما شدد على الحاجة الملحة إلى وجود اقتصاد إسلامي حقيقي يشكل نموذجا مغايرا ويقدم حلولا شاملة وعادلة ومستدامة لمشكلات الاقتصاد العالمي.

في عام 2025 م، وبعد خمسين عاما من المؤتمر الأول للاقتصاد الإسلامي (المؤتمر الإسلامي الدولي في مكة)، حيث اجتمع العلماء الرواد في الفقه والاقتصاد الإسلامي لبدء هذه الرحلة، ما تقييمكم لهذه التجربة إن قورنت بالمبادئ؟

البروفيسور حبيب: نعم، نحن نحتفل بمرور خمسين عاما على انطلاق الاقتصاد والتمويل الإسلامي. كان لدى رواد الاقتصاد والتمويل الإسلامي رؤية جريئة جدا للتمويل والاقتصاد الإسلامي. خلال فترة السبعينات، كان العالم يتمحور بين نظامين اقتصاديين هما الرأسمالية والاشتراكية، لكن رواد الاقتصاد والتمويل الإسلامي تمتعوا بالجرأة الكافية على اقتراح نظام بديل يعالج القصور الظاهر في كلا النظامين.

الآن وبعد مرور تلك الفترة من الزمن، لم تتطور الأمور لتشمل التمويل الإسلامي بشكل واسعا، بل ضاق النطاق واقتصر على المصرفية الإسلامية. وللأسف، نشهد اليوم كيف تحولت ممارسات المصرفية الإسلامية إلى تقليد مقارب للمصرفية التقليدية. هذا الأمر يعني أن الرؤية الطموحة التي تحلى بها رواد هذا الحقل في سبعينيات القرن الماضي لم تتحقق كما كان مأمولا. من هنا، وفي هذه الذكرى الخمسين لانطلاق الاقتصاد والتمويل الإسلامي، أرى أنه آن الأوان لإعادة النظر في ممارسات صناعة التمويل الإسلامي، والعمل على إحيائها بطريقة تخدم الأهداف الأسمى للشريعة ومقاصدها.

فلو نظرنا حولنا، نجد أن اقتصادات العالم تعاني من مشكلات عدة، أبرزها توسع الفجوة في توزيع الدخل والثروة، رغم النمو الاقتصادي الكبير في الناتج المحلي الإجمالي لمعظم الدول، وهذا يدل على فشل الأنظمة الاقتصادية الحالية في معالجة هذا التفاوت. كما يبرز أمامنا تحد جديد يتمثل في الاستدامة، خصوصا أزمة المناخ والتدهور البيئي الناتج عن الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية تحت ظل الأنظمة الرأسمالية السائدة. هذه المعضلات تقودنا إلى ضرورة التفكير بإعادة توجيه الاقتصاد والتمويل الإسلامي للمساعدة في حل هذه المشاكل التي تواجه الإنسانية.

لذلك ربما نحتاج إلى العودة من المصرفية الإسلامية إلى الاقتصاد الإسلامي، ومحاولة فهم أسس الاقتصاد الإسلامي وكيف يمكننا إعادة التفكير في الممارسات والتطبيقات. ما أعنيه أن النظرة الشاملة للاقتصاد الإسلامي تأتي من أهداف مقاصد الشريعة، بعيدا عن مجرد الامتثال الشكلي للضوابط الشرعية، وإذا تفحصنا تفسيرات المقاصد الشرعية، سنجدها تدفع باتجاه اقتصاد عادل ومنصف ومستدام، في حين إذا نظرنا إلى الممارسة، نجد أن التركيز الحالي على الالتزام الشكلي جعلها أشبه ب الرأسمالية التقليدية، حتى أصبح لدينا “رأسمالية إسلامية” تستنسخ نتائج الرأسمالية، لكنها تفتقد إلى أخلاقيات الاقتصاد الإسلامي.

هل يمكننا تسميتها “رأسمالية إسلامية” أم يمكننا وصفها بأنها تحديات تواجه التمويل الإسلامي ومحاولة حلها؟

البروفيسور حبيب: أرى أن المشكلة تكمن في ضرورة العودة إلى القضايا التأسيسية، أليس كذلك؟ فالشريعة ليست مجرد امتثال شكلي فحسب، بل تتضمن قيما أخلاقية بالغة الأهمية. وأعتقد أن الفارق الجوهري بين النظام الرأسمالي والاقتصاد الإسلامي يتمحور حول عنصر الأخلاق. وستكتشف إذا تأملت تاريخ نشأة الرأسمالية أن جذورها قادمة من عصر التنوير والثورة الصناعية، لأن ما حدث بعد ذلك هو أن المجتمعات الغربية تخلصت من الدين في الخطاب العام، مما أدى إلى استبعاد الأخلاق من العلاقات الاقتصادية. لذلك، إذا درست الاقتصاد، ستجد تعريف العقلاني – ضمن النظام الرأسمالي – بأنه الشخص الذي يسعى إلى تعظيم الربح أو المنفعة دون أي اعتبار للأمور الأخلاقية.

ومن هنا، يكون الفرق الرئيس هو إعادة إدخال الأخلاق ضمن الاقتصاد الإسلامي، التي تنبثق من مقاصد الشريعة مثل حفظ الدين والنفس والمال والنسل. وهذا يشمل ضمان العدالة وتوزيع الثروة بشكل عادل بين أفراد المجتمع. التفكير في الثروة للجميع يرتبط بقضية المساواة والأخلاق. ووفقا لما حدده الإمام ابن عاشور، العدالة عنصر أساسي في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، لكنها تغيب عن الممارسات التي تركز فقط على الامتثال الشكلي للعقود، وهو أمر ضيق لا يتجاوز إطار العلاقة التعاقدية.

ولذلك، لا يمكن بناء نظام اقتصادي عادل من خلال النظر فقط إلى العقود، بل يجب التفكير في تنظيم المجتمع وتوزيع الثروة بطريقة شاملة. وهذا ما يجعل الممارسات الحالية في التمويل الإسلامي قريبة جدا من النظام الرأسمالي، حيث تختلف فقط في جانب الامتثال الشكلي للشريعة، دون معالجة قضايا الثروة وعدم المساواة والاستدامة. لذا، لا بد من إدخال الروح الأخلاقية الحقيقية في النظام.

فيما يتعلق بهذه النقطة، بصفتك أستاذ جامعي تدرس منذ عقود في جامعات الشرق والغرب، هل تعتقد الآن أن المؤسسات والممارسين، مثل المؤسسات المالية الإسلامية والبنوك، تركز على الاقتصاد الإسلامي أم فقط على اقتصاد التمويل؟ خاصة وأنك تحدثت عن دور الزكاة والقطاعات غير الربحية في حل مشكلة الفقر والرفاهية. فأين تكمن المشكلة؟

البروفيسور حبيب: هذا سؤال جيد. إذا نظرنا فقط إلى المصرفية والتمويل الإسلامي، فإن الصورة تظل ناقصة. ففي النظام الرأسمالي، هناك الأسواق والحكومة، حيث تتولى الحكومة دور معالجة القصور السوقية. أما في المجتمع الإسلامي، فإضافة إلى الأسواق والحكومة، يلعب المجتمع ذاته دورا حيويا.

وما أعنيه هو أن كثيرا من قضايا الاقتصاد لا يمكن حلها عن طريق الأسواق، وقبل الذهاب إلى الدور الحكومي علينا النظر إلى دور المجتمع في التاريخ الإسلامي حين ساهم في حل مشاكل عديدة عبر مؤسسات مجتمعية مثل الوقف والزكاة. وأيضا الأسواق وحدها لا تستطيع تلبية كل الاحتياجات خاصة من المحرومين ماليا، وبما أن البنوك الإسلامية كجهات تسعى لتعظيم الأرباح، فإنها قد تستبعد الشرائح غير القادرة على تحقيق ربح من خلالها.

لذلك، تأتي أهمية التمويل الاجتماعي، الذي يشمل الوقف والزكاة كنواة له. والتزام جمع وتوزيع الزكاة يقع في المقام الأول على عاتق الحكومة، لكن مسؤولية التمويل الاجتماعي الكبرى تقع على المجتمع المدني. وعليه، لا يمكن الحديث عن التمويل الاجتماعي دون تأطيره ضمن رؤية اقتصادية إسلامية شاملة، تجمع بين الحلول القائمة على السوق والحلول الاجتماعية التي تتقدم من خلال التمويل غير الربحي.

هل يمكننا الحديث عن تطوير المنتجات في البنوك الإسلامية؟ هل للأدوات التي تستخدمها دور في تعزيز التنمية، أم أننا بحاجة إلى شيء من خارج إطارها؟

البروفيسور حبيب: نعم، سؤال مهم جدا. في واقع الأمر، عندما نفكر في أي نشاط اقتصادي، فإن المنتج هو السلعة أو الخدمة التي يتم شراؤها وبيعها في السوق. لكن إنتاج هذه المنتجات لا يستند فقط على السوق، بل يصنع وينتج من قبل مؤسسات. فالبنك، كمؤسسة مالية، هو أحد هذه المؤسسات. وإذا أردنا أن تكون القيم الأخلاقية الخاصة بالشريعة حاضرة في النظام الاقتصادي، فلا يكفي أن نركز فقط على المنتجات ذاتها، بل علينا أيضا أن نلتفت إلى الهياكل التنظيمية التي تقدم وتدير هذه المنتجات.

لقد لاحظت، وللأسف، أن ما حدث هو محاولة تقديم منتجات مالية إسلامية من خلال الهيكل المصرفي نفسه، وهو مفهوم تطور عبر مدار التاريخ لمدة 300-400 عام في سياق غربي بحت، وتختلف بنيته عن المبادئ والقيم الإسلامية. فالبنك، بشكل أساسي، أنشئ للاستثمار من خلال إقراض الأموال بفائدة، وهو يتوافق مع النموذج الرأسمالي الذي يتعارض تماما مع القيم الإسلامية.

ويفرض الهيكل البنكي كثيرا من التنازلات على المنتج، مما يؤدي إلى نتائج قريبة من نتائج النظام الرأسمالي، مع فارق أن الهيكل قد يتوافق مع الشريعة من الناحية الشكلية، لكن الجوهر والمقاصد قد تتغير. فإذا كنت راغبا في ممارسة التمويل الإسلامي باستخدام هذا الهيكل التنظيمي للبنك، فعليك تقديم كثير من التنازلات في المنتجات وهذا ما لمسناه على أرض الواقع.

ولهذا، أعتقد أنه من الضروري التفكير في هياكل تنظيمية بديلة، تكون أكثر توافقا مع مبادئ وأخلاقيات الشريعة. هناك مؤسسات غير مصرفية مثل المؤسسات التعاونية، والتي يمكن أن تكون أكثر قدرة على تحقيق الأهداف الإسلامية من حيث العدالة والمشاركة. على سبيل المثال، في إندونيسيا توجد مؤسسات تمويل صغيرة تسمى (بيت المال والتمويل)، وهي هياكل تعاونية ليست شركات تعمل على أساس المشاركة وتوزيع المخاطر وهذا نموذج يمكن أن يكون أكثر فعالية من الجانب التنظيمي.

الهدف هو إعادة تصور النظام المالي الإسلامي ليشمل نوعا من المؤسسات المالية غير المصرفية، مثل شركات الإجارة، شركات رأس المال المخاطر، والتعاونيات التي تعتمد على صيغة التمويل بالمشاركة. فكما قلت، الممارسة غالبا ما تكون قريبة جدا من النظام التقليدي، لكن الشكل الشرعي لهذه المؤسسات يمكن أن يبتعد ويبتكر هياكل تنظيمية أكثر توافقا مع قيم الشريعة.

ودور الابتكار لا يقتصر فقط على المنتجات بل في الهياكل التنظيمية كما هو الحال مع التكنولوجيا المالية (FinTech)؛ فهي تفتح آفاقا جديدة للابتكار في إدارة المؤسسات وتقديم الخدمات، بحيث يمكن أن تخلق نظما أكثر مرونة وتوافقا مع الشريعة، والمستقبل يتطلب منا أن نعمل على تطوير أدوات تنظيمية مبدعة تواكب معايير الشريعة وتحقق الأهداف التنموية والعدالية، وليس فقط التركيز على المنتجات فقط.

هل هناك حاجة لإصلاح المشكلات في الهيكل التنظيمي وفي شكل نظام التمويل الإسلامي في الوقت الحاضر؟

البروفيسور حبيب: في الواقع، أعتقد أن المشكلة الأساسية تكمن في جانب آخر. فعندما ننظر إلى الاقتصاد والمؤسسات والمنتجات، نجد أن كلها تعتمد بشكل كبير على المعرفة. وللابتكار وإنتاج منتج جديد، نحتاج إلى تأسيس معرفة جديدة تترجم إلى أفكار تحول بدورها إلى منتجات. يسمى هذا برأس المال الفكري، حيث يتكون من رأس المال البشري، أي الأفراد، ورأس المال الفكري، وهو المعرفة الجديدة التي تدفع إلى ابتكار منتجات ومؤسسات جديدة.

وأعتقد أن أكبر مشاكل العالم الإسلامي اليوم هي توقف إنتاج المعرفة القائمة على القيم والمبادئ الإسلامية. وعندما لا تنتج المعرفة، ماذا يمكنك أن تفعل؟ إننا نكتفي بتقليد المنتجات الأخرى دون ابتكار حقيقي. وهذا هو الوضع في التمويل الإسلامي؛ فالابتكار هامشي للغاية، ولا يعكس جوهر القيم والمبادئ. هذه المشكلة تنبع من غياب رأس المال الفكري المناسب في الوقت الحاضر.

إذا نظرنا إلى أكبر الشركات حول العالم اليوم، نلاحظ أنها شركات قائمة على التكنولوجيا، أليس كذلك؟ وما هو العنصر الأساسي لديها؟ المدخل الرئيسي لها كان رأس المال الفكري، أليس كذلك؟ إنها تستند على رأس المال الفكري؛ أي الأفكار والمعرفة الجديدة التي تسخر لابتكار منتجات جديدة.

لذا أعتقد أن هذه مشكلة جوهرية للغاية في المجتمعات المسلمة بشكل عام وبالتالي في الصناعة أيضا. فمن دون هذا العمود الفقري، سنستمر في نفس الإطار من تقليد الآخرين، لأن هذا كل ما يمكنك فعله عندما لا تخلق معرفتك الخاصة.

ما حجم الفجوة بين النظرية والتطبيق للتمويل الإسلامي أو للاقتصاد الإسلامي؟

البروفيسور حبيب: حسنا، أعتقد، كما قلت، أن فكرة الاقتصاد الإسلامي كانت تهدف إلى خلق بديل قادر على تعزيز التنمية بعدالة واستدامة. لكنني أعتقد أنك إذا نظرت إلى الصناعة على أرض الواقع، فلا أعتقد أن الصناعة تمكنت من تحقيق هذا الهدف. ويرجع ذلك جزئيا إلى أن النظرية التي تستند إلى الأخلاق ومقاصد الشريعة لم تطبق فعليا. مبدأ “رحمة للعالمين” موجود في الشريعة، أليس كذلك؟ لكننا لا نرى أثرا لها بالممارسة على الواقع.

شاهد مثالا على مدى الاختلاف: إذا نظرت إلى ممارسة المصرفية الإسلامية، وهي غالبية أصول التمويل الإسلامي، فلدينا أسواق رأس مال ومصرفية وتكافل وتمثل جزءا يسيرا جدا من الصناعة. حيث أن 70% من أصول التمويل الإسلامي تتركز في المصرفية الإسلامية، التي تمارس بشكل مشابه جدا للنظام التقليدي، مع اختلاف ضئيل فقط في التفاصيل الشكلية. في بعض الدول مثل إندونيسيا، تشير البيانات إلى أن البنوك التقليدية تمول القطاع الإنتاجي أكثر مما تفعله البنوك الإسلامية، التي تميل إلى تمويل الأسر بنسبة أكبر، وبنسبة أقل نسبيا للقطاع الإنتاجي عند مقارنتها بالبنوك التقليدية، وهذا يناقض جوهر التمويل الإسلامي الذي يهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي بطريقة عادلة ومنصفة.

أما بالنسبة للشمول المالي، فمساهمة البنوك الإسلامية لا تزال ضئيلة جدا، خاصة في تمويل المشاريع متناهية الصغر. حيث أن نموذج المصرفية الإسلامية لا يعتبر النموذج الأمثل لتمويل مثل هذه المشاريع. نحتاج إلى نماذج تمويل أصغر مختلفة، مثل مؤسسات (بيت المال والتمويل) التي سبق الإشارة إليها، والتي تعتمد على هياكل تنظيمية تناسب هذه الفئات.

لذلك، الفجوة بين المثل العليا والآمال التي رسمها علماء الاقتصاد الإسلامي قبل خمسين عاما في بدايات التمويل الإسلامي وبين الممارسة العملية لا تزال واسعة. وعندما تسأل الخبراء، ستجد أن الحماسة تجاه المصرفية والتمويل الإسلامي قد بدأت تضعف، خصوصا لأن المواطن العادي لا يلحظ أي فرق جوهري بين البنوك الإسلامية والتقليدية.

بالنسبة لدور الزكاة والوقف في التنمية للمجتمعات الإسلامية، ما الذي نحتاجه لتفعيل هذه المبادئ وجعلها مؤسسات؟

البروفيسور حبيب: سأقدم لك وجهة نظر مغايرة حول الزكاة والوقف مبنية على ورقة قدمتها في مؤتمر سابق. إذا نظرنا إلى الاقتصاد الرأسمالي، نجد أن رأس المال هو المدخل الأساسي لعملية الإنتاج، حيث يقرر أصحاب رأس المال ما يتم إنتاجه ومن يتم توظيفه. بمعنى آخر، رأس المال يحدد مسار النشاط الاقتصادي في النظام الرأسمالي.

أما الزكاة فهي، من هذا المنظور، أداة لإعادة توزيع رأس المال بشكل دوري سنوي. فبدلا من التفكير في الزكاة كضريبة على الدخل يتم إعادة توزيعه، يجب أن نعتبرها آلية لإعادة توزيع رأس المال ذاته. وهذا أمر بالغ الأهمية؛ لأن إعادة توزيع الدخل فقط لا تحل المشكلة الجوهرية. إذ إن الدخل يستهلك ويعود الفرد إلى وضعه السابق. لكن إذا قلنا إن الزكاة تفرض على رأس المال غير المستخدم، وهذا هو الأساس في الشريعة الإسلامية، فإنها بذلك تعيد توزيع الثروة الحقيقية، أي رأس المال، الذي يستخدم في الإنتاج وصنع القيمة.

وبالمثل، فإن الوقف يمثل رأس مال اجتماعي، فهو رأس مال مخصص لإنتاج سلع وخدمات تعود بالنفع على الصالح العام، وليس لأفراد أو لمصلحة القطاع الخاص. وهكذا، يرتبط كل من الزكاة والوقف ارتباطا وثيقا بمفهوم رأس المال.

لذلك، نحتاج إلى إعادة النظر في كيفية استخدام هذه الأدوات في العصر الحديث. ففي النظام الإسلامي، تعبر الزكاة والوقف عن آليات رئيسية لإعادة توزيع واستخدام رأس المال. ومن خلال عملهما الصحيح يمكن تحقيق اقتصاد أكثر عدالة وإنصافا. وبالتالي، فإن دورهما في التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالغ الأهمية، ولكنه يتطلب تجديدا وتطويرا يتناسب مع ظروف العصر المعاصر.

ما رأيك في مستقبل التمويل الإسلامي والاقتصاد الإسلامي؟

البروفيسور حبيب: المستقبل سيعتمد على مقدار المعرفة التي يمكننا إنشاؤها؛ أعني رأس المال الفكري الذي يمكننا إنشاؤه. مرة أخرى، رأس المال الفكري، هذا أيضا يعتبر رأس مال. إنه رأس مال غير ملموس، أليس كذلك؟ ما لم نتمكن من ابتكار هذا الرأس المال الفكري، الذي يولد أفكارا جديدة وحلولا مبتكرة ومنتجات ومؤسسات تعكس القيم والمبادئ الإسلامية، فلن يكون هناك أمل في تقدم الاقتصاد والتمويل الإسلامي.

السبيل الوحيد للمضي قدما يكمن في الاستثمار ليس فقط في رأس المال البشري، بل أيضا في تنمية رأس المال الفكري. وهذا يتطلب وقتا وجهدا. لكن الأهم هو إدراك أن المشكلة الأساسية تكمن في هذا الجانب. الكيانات التي تنتج رأس المال الفكري هي التي تزدهر في الواقع؛ وهذا الأمر لا يقتصر على العصر الحديث فحسب.

فإذا نظرت إلى التاريخ، خاصة خلال ما يعرف بالعصر الذهبي للإسلام، ستجد أن ازدهار الحضارة الإسلامية جاء نتيجة لإنشاء المعرفة وتطويرها داخل العالم الإسلامي،

لذا، للمضي قدما، هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكننا بها إحياء الاقتصاد الإسلامي. وضمن الاقتصاد الإسلامي، يمكننا إحياء التمويل الإسلامي. وضمن قطاع التمويل الإسلامي، سيكون لدينا بنوك ومؤسسات مالية غير مصرفية.

كرمت من قبل البنك الإسلامي للتنمية للإنجاز الفعال في الاقتصاد الإسلامي لعام 2022 م ؟

البروفيسور حبيب: نعم، جائزة البنك الإسلامي للتنمية، إنهم يمنحون هذه الجائزة كل عام، وحصلت عليها في عام 2022 م.

ما الذي دفعك لدراسة الاقتصاد الإسلامي والتمويل الإسلامي؟

البروفيسور حبيب: نعم، درجة الدكتوراه في الاقتصاد التقليدي كانت البوابة.

لكنك درست الاقتصاد الإسلامي والتمويل.

البروفيسور حبيب: لاحقا.

تقصد بعد الحصول على درجة الدكتوراه؟

البروفيسور حبيب: نعم، بعد الحصول على درجة الدكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت عن الاقتصاد النقدي التقليدي، كان لدي اهتمام بالاقتصاد والتمويل الإسلامي، فبدأت بالقراءة الذاتية بسبب اهتمامي بالمجال، وأثناء عملي الأكاديمي حيث كنت أدرس في جامعة سنغافورة الوطنية، تقدمت بعد ذلك للتدريس في البحرين وعملت بها سنة واحدة؛ أردت أن أكون قريبا من مؤسسات التمويل الإسلامي في المنطقة، ثم تقدمت للعمل في البنك الإسلامي للتنمية ومعهد البحوث والتدريب الإسلامي (IRTI)، والحمد لله عملت معهم.

نجاة الله صديقي كان هناك.

البروفيسور حبيب: أنس الزرقا أيضا كان هناك، ومنور إقبال وفهيم خان. هؤلاء هم الرواد الذين عملت معهم، ولأنني كنت شديد الحرص على التعلم اعتدت الذهاب والتحدث إليهم. كانت تلك المرحلة مدرستي لتعلم الاقتصاد والتمويل الإسلامي. والحمد لله. وبعد ذلك، منذ عام 1999 فصاعدا، هذا كل ما أفعله. الآن 26 عاما. وأحد الأعمال التي قمت بها، أنني قضيت كثيرا من الوقت في تعلم الفقه وقضايا الشريعة المتعلقة بالاقتصاد والتمويل الإسلامي. والآن، معظم أبحاثي مرتبطة بالقانون والتمويل. وعندما أقول القانون، فهو يشمل الشريعة وأيضا قوانين البلد، لذا فإن مجالات أبحاثي متعددة التخصصات.