يولد الطفل صفحة ناصعة، يحمل قلبا صافيا واستعدادا فطريا للتعلم، ثم تبدأ الأسرة في تشكيل ملامحه الأولى، وتليها المدرسة لاحقا للقيام بدور الجسر الذي يعبر به نحو فضاء المجتمع الأوسع. ومن هنا يتضح لنا أن المدرسة لا تقتصر على كونها مكانا لتلقي العلم فحسب وإنما تعد مؤسسة أساسية في بناء شخصية الطالب وقيمه ومهاراته.

وفي عصرنا الحالي ازدادت أهمية هذه المرحلة مع تسارع التحولات المعاصرة وبوصفها الحاضنة التي تهيئ الجيل لمواجهة متطلبات الحياة وصعوباتها.


البيت حجر الأساس

الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء شخصية الطالب، فلا يمكن أن تنجح المدرسة من دون تمهيد تربوي في البيت. فهي التي تغرس في الطفل حب التعلم والانضباط وروح المسؤولية. وتقع المسؤولية الأولى على الأب والأم وقد أكد الرسول هذا الدور بقوله: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته” (رواه البخاري ومسلم).

حين يتعود الطفل على احترام الوقت والمشاركة في أعمال بسيطة والمذاكرة المنتظمة، يصل إلى المدرسة وهو مهيأ نفسيا وسلوكيا. على سبيل المثال، ما تزال بعض الأسر في بعض المجتمعات العربية تحرص على تمرين أبنائها على القراءة أو ممارسة أنشطة معينة سواء كانت ثقافية أو رياضية، وربما قد تعتبر خطوات متواضعة في ظاهرها لكن أثرها كبير ويساهم في بناء شخصيتهم.


المدرسة فضاء التجربة والتكوين

المدرسة تمثل المحطة التي يخرج إليها الطالب من حدود أسرته إلى عالم أوسع، فبالإضافة إلى المعارف التي يتلقاها، يتعلم أيضا قيم الانضباط والتعاون مع الآخرين، وتفتح أمامه باب التجارب وتحفزه على اكتشاف قدراته. إن الأنشطة اللاصفية كالرياضة والمشاريع الفنية والرحلات العلمية تسهم في تعزيز ثقة الطالب بنفسه وروح المبادرة، كما أن التعاون داخل الصفوف يجسد قيم التكاتف والترابط.

تحديات أمام الطالب

رغم المزايا التي تمنحها المدرسة إلا أن الطالب يواجه تحديات متكررة منها :

  • الحفظ مقابل الفهم: الاقتصار على التلقين يضعف ربط المعرفة بالحياة.
  • ضغط الامتحانات: التركيز الكبير على الدرجات يحول الدراسة إلى سباق مرهق.
  • غياب التوازن: قد يتحقق التفوق الأكاديمي دون اكتساب مهارات حياتية متوازنة مثل التواصل وإدارة الوقت.

لقد أكد التقرير العالمي لرصد التعليم لعام 2023 الصادر من منظمة اليونسكو أن تجاوز هذه العقبات يحتاج إلى إصلاح تربوي يعزز التفكير النقدي ويربط بين التعلم والواقع، ويحقق التوازن بين تكوين شخصية الطالب والتحصيل الدراسي (1).

مهارات لبناء شخصية متكاملة

لا يكتمل تكوين الطالب إلا عبر تكامل عدة عوامل تجمع بين المعرفة والمهارات العملية، ومن أبرزها :

  1. إدارة الوقت وتنسيق الجهد بين المذاكرة والاستراحة.
  2. التفكير النقدي والبحث المستقل عوضا عن التلقي فقط.
  3. القدرة على العمل الجماعي وتحمل المسؤولية.
  4. تنمية مهارات التواصل.
  5. ترسيخ القيم الإسلامية والوطنية والانتماء للمجتمع.

على القائم على العملية التربوية سواء كان مسؤولا أو معلما الوعي بأن كل يوم دراسي يحمل في طياته فرصة هامة لتطوير هذه المهارات.

يقول الحسن البصري رحمه الله : ” يا ابن آدم إنما أنت أيام فإذا ذهب يومك فقد ذهب بعضك” (2) .


المدرسة والمجتمع شراكة متكاملة

ترتبط المدرسة ارتباطا وثيقا بالمجتمع المحيط به، مما يجعلها أكثر قدرة على المساهمة في بناء تكوين الطالب حيث تشكل المبادرات المتنوعة التي تدمج الطلاب في حملات بيئية أو أنشطة خيرية أو زيارات ثقافية فرصا ملهمة تغرس فيهم روح المسؤولية الاجتماعية وهذا ما يميز المدرسة الناجحة عن غيرها.

المبادرات المجتمعية

من فضل الله علينا نشهد في دولة قطر مبادرات متنامية تجمع بين الأنشطة المجتمعية والمشاريع الطلابية ، حيث ترتبط هذه البرامج مع الجانب العملي لإكساب الطالب خبرة مباشرة في التعامل مع الحياة إلى جانب التعلم النظري. من هذه البرامج على سبيل المثال “حاضنات الابتكار المدرسية” وهي مبادرة أطلقت من قبل وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي بالتعاون مع وزارة الرياضة والشباب والنادي العلمي القطري بهدف بناء بيئة تعليمية تشجع على الابتكار وتعزز التفكير العلمي لدى الطلبة. تسعى المبادرة إلى تمكين الطلاب من تطوير مهاراتهم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والبحث، بما يهيئهم للمساهمة الفاعلة مستقبلا في اقتصاد وطني قائم على المعرفة والاستدامة. (3)


خاتمة

الطالب يتجاوز كونه متعلمًا حين يمر بين الصفوف، ليصبح مشروع بناء متكامل تتداخل فيه أدوار البيت والمدرسة والمجتمع. والنجاح الحقيقي لا يقاس بالدرجات فقط، وإنما يقاس بمدى قدرة الطالب على أن يتطور إلى إنسان مسؤول وفاعل في خدمة وطنه، ويسهم قبل ذلك في إعمار الأرض كما أراد الله سبحانه وتعالى.