تُعتبر فترة عقد القران مِنْ أهم جلَسات التَّعارف الأساسيَّة لكل شاب وفتاة مقبلين على الزَّوَاج، هَذِهِ الفترة يكتنفها الغموض في البداية، وتتسم بالتوجُّس، والخوف من المُسْتَقْبَل، ويتخلَّلُها طرح الأَسْئِلَة الاختبارية التي يهدف منها الشريك إلى معرفة توجُّه الطرف الآخر، ويحدُث نقاشٌ وحوار عَن أمور مفصلية في الحياة الزوجية، ومنها يتمُّ التفاهم عَلَى مستقبل الزَّوَاج، حَيثُ يقوم كُل طرف بدراسة شخصيَّة الطرف الآخر، ويقع كثير مِن الوئام والانسجام بينهما، أو غَيْر ذلك، لا سمح الله.
هَذَا الأمر مُهِم إِذَا كان مِنْ غَيْر استغراق، ومن غَيْر إطالة في الأمد، فقد ثبت في كثير مِن الحالات-مِن واقع خبرة-أنَّ إطالة المدَّة قد تُحدِثُ خصومات قبل الدخول في عش الزَّوْجِيَّة، لماذا؟ رُبَّما يَكُوْنُ هُنَاكَ شيء مِن التوجس، أو التَّوَتُّر والتَّصَنُّع، وبعد مرور اللِّقَاءَات، والمكالمات يسقط هَذَا الحاجز، وينكشف قناع التَّصَنُّع، ويحصل خلافات عَلَى بعض المواقف البسيطة، رُبَّما إغلاق الجوال، أو عدم الرَّدِّ عَلَى بَعْض الرسائل، أو غَيْر ذلِكَ، والخلاف في هذه الفترة يختلف كثيرًا عن الخلاف أثناء دورة الحياة الزَّوْجِيَّة بسبب أنَّه لم يتكوَّن رصيد عاطفي حَتَّى الآن.
متى يحصل هَذَا الرصيد؟ يحصلُ بعد دخول عُشِّ الزَّوْجِيَّة، وتَنفُّس الحياة الأسرية الْحَقِيقِيَّةِ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ: { وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } [الروم: 21]، فالمودة والرَّحمة تأتي بعد فترة مِن الدخول في الزَّوَاج، وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت النبي ﷺ يقول: «الأرْواحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَما تَعارَفَ مِنْها ائْتَلَفَ، وما تَناكَرَ مِنْها اخْتَلَفَ»؛ [صحيح البخاري: 3336]، ورغم أنَّ طول المدة لا تُؤثِّر إذا تمَّ الالتزام بالقواعد، والأصول؛ لكنَّها قد تتسبَّب في بَعْض الإشكاليات، واحتدام المناقشات، وسوء الظن.
ومما يجدر التَّنبيه عَلَيْهِ في هذه المرحلة: أنَّ السَّماح بالخلوة بالزوجة في فترة الملكة لوقت طويل قد يسمح بحصول تجاوزات كبيرة مثل المباشرة مع الزَّوْجَة لبعض الأمور التي حَكَم العُرف ألَّا تحدُث إلا بعد ليلة الدُّخول، وقد ينتهي الزَّوَاج بسبب خلاف، أو رُبَّما بموت الزَّوْج -لا سمح الله- فيبتعد الزَّوْج وتبقى الزَّوْجَة في حالة نفسية مُتعبة بسبب ما حدث بينهما.
ومن المهم عدم فرض تعاملات، أو توجيهات مباشرة، أو أوامر يتوجب عَلَى الطرف الآخر تنفيذها بدون جدال، فهذا يقتل المتعة، ويثير الشك والريبة، ويمنع مبدأ التشاور والتحاور والتفاهم بين الطرفين، وقد يتسبَّب في مَشاكِل مبكرة يَكُوْنُ الشريكان في غِنًى عنها، وقد تؤدي إلى الانفصال.
وعدد من الْمَشَاكِل قد تحصل بسبب كثرة التواصل الزائد وبالساعات، فقد يكون أحد الطرفين مشغولًا بعمل، أو لديه مهام يقوم بِهَا في المنزل؛ فيعتذر عن الرَّدِّ ويتكوَّن بِنَاءً عَلَى ذلك موقف غاضب لأحد الطرفين، أو إحراج للطرف الآخر بالقبول، وترك ما لديه مِن مهام، وربما بَعْض الأطراف نمط شخصيته لا يتقبَّل التواصل الزائد، بَلْ ينفر مِنْهُ.
وَلَا بُدَّ مِن الصراحة والوضوح في هَذِهِ الفترة تحديدًا (وفيما يَخُصُّ أمور الحياة الزَّوْجِيَّة المفصلية) وبدون مجاملات، فالصَّراحة والصِّدق بين الزوجين على هذه الأمور تُساهم في إنجاح العلاقة الزوجية، المستقبلية وعلى هذا الأساس تُبنى الثقة التي يمكنها أن تُعالج أي مشكلة قادمة، وتمنح شعورًا كَبِيرًا بالأمان.
وفي هَذِهِ المرحلة كَمَا ذكرنا آنفًا يهُم الطرفين معرفة التوجهات والانطباعات، فَمِن المهم توجيه الاحتياجات والطلبات والهدف مِن الزَّوَاج بطريقة ذكية وغَيْر مباشرة، لتفهُّم انطباعات الطرف الآخر مثل: التوافق الفكري (البيئة المحافظة، وغير المحافظة)، الشخصية، قياس بَعْض الصفات مثل الغيرة، والشك، ونمط الوظيفة (مختلط أو غير مختلط)، والأبناء، والحالة الماديَّة؛ فقد يكون عَلَى الزَّوْج ديون متراكمة؛ فلا بُدَّ مِن أن تَكُوْن وجهات النَّظَر متقاربة، وغير متباعدة، حَتَّى يتم التوافق التام -حسب توجُّهات كُل طرف- لمنع حدوث أيِّ خلافات قادمة.
ويعد من غير المقبول أن تَستنفد كُلَّ ما لديك في فترة الملكة، فقد لا يكون لدى الطرفين أي جديد يتحدثان فيه، ويكون الحديث في أمور لا تروق، فيحدث بَعْض الإشكاليات، وقد يتسرب الملل، ويعيش الزوجان فرحة الزفاف والزواج بدون أحاديث شائقة وجديدة.
وربما تتخلل المكالمات وعود وردية يعجز الشريك عن الوفاء بِهَا وهذا سيمثِّل ضربة قوية، ومصدر إزعاج عند بدء الحياة، ويحدث ذلك عِنْدَمَا تتحول الحياة الوردية إِلى رمادية فتصبح تلك الوعود خنجرًا يفتُّ في عضد الأسْرَة، فَمِن المُهِم إعطاء وعود يمكن القيام بِهَا، وفي حدود الاستطاعة لتستقر الحياة.
ويجب الابتعاد عن الحديث عن الماضي، والأخطاء والعثرات؛ لأنَّها مثار للشك، وتُعتبر قنبلة موقوتة، يمكن استثارتها عند أيِّ مُشْكِلة فيتسبب في سوء العلاقة الزَّوْجِيَّة أو إنهائها.
ولا يمنع خلال هذه الفترة إعطاء توجيهات شرعية، وتنظيمية لطيفة لها الأثر في التَّغْيِير، ويمكن تقبلها بِشَكْلٍ سريع لما يتخلل هَذِهِ الفترة من مشاعر جيَّاشة وحُبّ، وتكون هَذِهِ التوجيهات على سبيل المثال الأوراد اليومية، والاهتمام بالسنن، وأذكار النَّوْم وغير ذلك، مع عدم التشديد، وتكون التوجيهات غَيْرَ مباشرة ولا إلزامية.
ختامًا: فترة الملكة فرصة لكشف الميول والانطباعات، لا بُدَّ مِنْ التَّعْبِير عن الشخصية الحقِيقِيَّةِ، وعدم إخفاء العُيُوب، وقد تتغير الظروف ولكن الاتفاق يساعد عَلَى تجنب الصراعات قدر الإمكان
تنزيل PDF