يتناول هذا المبحث من دراسة التفسير النبوي للقرآن الكريم تحليل حدود تفسير النبي لنصوص القرآن الكريم، مع التركيز على أمثلة محددة من أحاديث الرسول التي توضح كيفية توضيح الآيات وتقييد مطلقاتها. سنناقش في هذا المبحث كيف استخدم النبي السنة لتفصيل الأحكام الشرعية وتوضيح المعاني الغامضة في القرآن، مما يسهم في تعزيز فهم الأمة الإسلامية للنصوص وتطبيقها بما يتناسب مع متغيرات الزمان والمكان.

من خلال هذا الانتقال، نسعى إلى تقديم رؤية متكاملة لدور الرسول في تفسير القرآن، ليس فقط كمفسر للنصوص بل كمرشد للأمة نحو فهم أعمق وأشمل لهذه الكتابة السماوية.

ذهب بعض الباحثين[1] إلى القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلL فسر جميع آي القرآن مستدلين بقوله تعالى: {وأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [ سورة النحل آية (44)] ووجه الدلالة أن الآية أوضحت أن من مهمة الرسول  البيان، والبيان يشمل اللفظ القرآني بنصه ومعناه .

والرأي الثاني أن الرسول – - لم يفسر إلا ما سئل عنه. ولم يرو عنه أنه فسر القرآن كله، ولو كان ذلك لما كانت هناك حاجة إلى تفسير بعد تفسير النبى – -

بينما رأى فريق ثالث أن هذا الخلاف موهوم، أو مصطنع، أو هو خلاف لفظي؛ فالنبى بيَّن لأصحابه ما يحتاجونه في مواضع متعددة، ولا يتصور عاقل أن النبي فسر ألفاظ القرآن كلها كالجبل، والماء، والأرض، والسماء مع علو شأنه في الفصاحة والبلاغة، وما اختص به من جوامع الكلم. إن مجرد تصور هذا القول كاف لإبطاله ورده.[2]

والرأي الذي يمكن الاطمئنان إليه في هذه المسألة: هو أن الرسول -- كان يفسر من القرآن ما أشكل على الصحابة -رضي الله عنهم-؛ وذلك أنهم أهل لغة، وكانت لهم قدرة وملكة على فهم الكثير من القرآن دون الرجوع إلى الرسول --. وكذلك أن الرسول- - لم يفسر معاني القرآن كلها، بل ترك الآيات التي لم يكن الصحابة -رضي الله عنهم- في حاجة إلى تبيانها، وكان يكفيهم اعتمادهم على قدراتهم وطاقاتهم لفهمها.

الرسول كان يفسر من القرآن ما أشكل على الصحابة رضي الله عنهم؛ وذلك أنهم أهل لغة، وكانت لهم قدرة وملكة على فهم الكثير من القرآن

ومما يؤكد ذلك اختلاف الصحابة -رضي الله عنهم- في تفسير بعض الآيات، وتفاوتهم في مستوى فهمها وبيانها.[3]

إضافة إلى ذلك أن الرسول لو فسر القرآن الكريم لالتزم الصحابة بتفسيره، وتدوينه، وتناقله. وما ظهر التباين في فهم نصوص القرآن وتفسيرها بعد ذلك على يد كبار المفسرين. فكان الأولى أن يتمسك المسلمون بقول الرسول وبيانه وتبيانه؛ ولعل الرسول فعل ذلك تاركًا للمسلمين التفكر في آيات الله -سبحانه وتعالى- والاجتهاد بما يجعل النص القرآني صالحًا لكل زمان ومكان إلى أن تقوم الساعة، قابلًا لاستخلاص قواعد كلية  تنطبق على ما يتغير من أحوال المسلمين وما يستجد من أمور ومواقف لم تكن معروفة؛ فيرجعون إلى القرآن ليكون خير معين لهم على أخذ الحكم منه والفهم الشرعي دون التقيد برأي فاتت علته، وانعدمت حكمته، فتُعطل مصالح الناس ولا يكون هناك مسايرة لأحوالهم وأمور حياتهم خاصة فيما يتعلق بالمعاملات؛ فمنها ما يتغير بتغير الأحوال، والأماكن، والأزمان.

وكذلك بعض ما يتعلق بالعبادات ليس في أصلها بل فيما يتعلق بكيفية آدائها،  مثل زكاة الفطر، فلا خلاف عليها وعلى فرضيتها إلا أن الفقهاء أجازوا  إخراجها من غير الثمار، وإخراجها نقدًا؛ لحاجة الناس، وتحقيقًا لمصلحتهم، وذلك ظاهر الآن أكثر بتعدد السكان وزيادة تعدادهم؛ فبلد مثل القاهرة يبلغ تعدادها عشرين مليونًا قد لا يتسنى توافر الثمار التي وردت في حديث الرسول فيها ولو لنصف عدد السكان.

فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: “فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، مِنَ الْمُسْلِمِينَ”. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ. وَلِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُد: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي التَّمْرَ إلَّا عَامًا وَاحِدًا أَعْوَزَ التَّمْرُ فَأَعْطَى الشَّعِيرَ.وَلِلْبُخَارِيِّ: وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ.

فمن أين تتوافر كمية من التمر، أو الشعير لهذا العدد من السكان؟

أمثلة على تفسير النبي لنصوص القرآن

وعلى ذلك يمكن القول إن الرسول وقفت حدود تفسيره[4] للقرآن من خلال الأحاديث النبوية على الآتي:

1ـ بيان المجمل

كبيان “أحكام الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج” ومثاله قولـه تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [النور: 56]

فجاءت السُّنَّةُ تبين مواقيتها، فقال : “صلوا كما رأيتموني أصلي” بفعله لعدد ركعات الصلاة، وكيفيتها. وبيانه بقوله لمقدار نصاب الزكاة، وبفعله لأفعال الحج .

وقوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38] ظاهر الآية يقتضي قَطع سارق القليل والكثير، والعقل لا يهتدي إلى الفصل فيه بحد تقف المعرفة عنده، فجاءت السنة بتحديده بربع دينار؛ فعن أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها وأرضاها-  قالت: “ما طال عليّ ولا نسيتُ: القطعُ في ربع دينار فصاعدًا” متفق عليه.

  • وظاهر الآية يقتضي القطع في كل مال لا يسرع إليه الفساد، أو يسرع كالخضار والفاكهة، فجاءت السنة مفصلة أن من سرق ثمرًا ونحوه لا تقطع يده؛ فقد روي عن النبي -- أنه قال:”لا قطع في ثمرٍ ولا كثرٍ”رواه أبو داود وابن ماجة.
  • لم تبين الآية اشتراط الحِرز الذي يجب قطع يد السارق به، وجاءت السنة مبينة له، ففي الحديث:”ومن سرق شيئًا منه بعد أن يُؤوِيه الجَرِينُ، فبلغ ثمن المجنِّ فعليه القطعُ..”رواه أبو داود والنسائي، واشترطه الفقهاء للقطع في السرقة. وورد في زاد المستقنع قوله: “فإن سرقه من غير حرز فلا قطع، وحرز المال ما العادة حفظه فيه، ويختلف باختلاف الأموال والبلدان.
  • جاءت السنة لتبين أن حد السرقة، وغيره من الحدود، لا يقام في المساجد، لقوله :”لا تقام الحدود في المساجد، ولا يستقاد فيها “رواه أحمد.
  • صلت السنة أنه لا يقام الحد مع وجود شبهة، لقوله :”ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم “رواه الترمذي، ومثّل الفقهاء للشبهة: أنه لا يقطع السارق بالسرقة من مال أبيه وإن علا، ولا بسرقة مال ولده وإن نزل ؛ لأن نفقة كل منهما تجب في مال الآخر.

2ـ توضيح المشكل

  • تفسيره – -: للخيط الأبيض والخيط الأسود في قوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: 187] بأنه بياض النهار وسواد الليل.
  • وقوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 31].

أشكل على عدي بن حاتم فهم الآية وقد كان نصرانيًّا قبل الإسلام فقال للنبي – -: “ما عبدوهم يا رسول الله ، فقال – - موضحًا ما أشكل على عدي ومبينًا معنى العبادة في الآية، قال:” أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئًا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئًا حرموه 

  • وأيضا بيان كيفية حياة الشهداء في البرزخ، المذكورة في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169] يقول مسروق: “سألنا عبد الله عن هذه الآية فقال: “أما إنا قد سألنا عن ذلك، فأُخبِرنا أن أرواحهم في جوف طير خضرٍ، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل..”رواه مسلم.

وإزالة اللَبس الحاصل في كون نبي الله هارون – عليه السلام- أخًا لمريم بنت عمران -عليها السلام-، فعن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه-، قال: “لما قدمتُ نجران سألوني: إنكم تقرؤون ﴿يَاأُخْتَ هَارُونَ﴾ [مريم: 28] وموسى قبل عيسى بكذا، وكذا. فلمـا قدمت على رسول الله -- سألته عن ذلك، فـقال: “إنهم كانوا يسمّون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم”رواه مسلم.

توضيح المراد من قوله تعالى: ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [الانشقاق: 8] فقد ثبت في “الصحيحين” من حديث أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله --: “من نوقش الحساب عُذِّب”. قلت: أليس يقول الله:﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [الانشقاق: 8] قال:(ذلك العرض)؛ أي: ليس ذلك بالحساب، ولكن المقصود (العرض) على الله جل وعلا.

3ـ تخصيص العام

تخصيص النبي – - الظلم في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: 82] بأنه الشرك.

  • ومن أمثلة تخصيص السنة للقرآن عند الجمهور  قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: 11] فهذه الآية عامة في جميع الأولاد، ويدخل في هذا العموم الولد الذي يقتل أباه، وخصصها حديث الرسول --: “لا يرث القاتل“رواه الترمذي، وبقوله”:لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر“متفق عليه، فهذان الحديثان يحرِمان القاتل وغير المسلم من الميراث.
  • وبعد ذكر الحق – سبحانه وتعالى- للمحرمات من النسب، والرضاع، والمصاهرة قال سبحانه: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ﴾ [النساء: 24] ولكن هذا الحِلُّ خصصته السنة بما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -- أنه قال” :لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها” (متفق عليه).
  • ومنه أيضًا تخصيص قول الله -عز وجل-: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: 222] بقول رسول الله – :”اصنعوا كل شيء إلا النكاح“رواه مسلم.

يقول أنس بن مالك– رضي الله عنه: “كانت اليهود إذا حاضت المرأة، لم يؤاكلوهن، ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي – - عن ذلك، فنزلت هذه الآية”، فخصّصها النبي – - بقوله: “اصنعوا كل شيء إلا النكاح”، فلو أُخِذ بظاهر العموم في قوله: {فَاعْتَزِلُوا} لفُهم أن اعتزال المرأة عام في مؤاكلتها ومشاربتها ومخالطتها ومجامعتها، فكان هذا البيان النبوي مخصصًا لذلك العموم القرآني.

4ـ تقييد المطلق

جاءت السنة النبوية مفصِّلة وموضحة لآيات عديدة من القرآن الكريم؛ ومن ذلك تقييد بعض مطلق القرآن. واللفظ (المطلق) هو ما دَلَّ على شائع في جنسه، أو هو اللفظ الدال على فرد أو أفراد غير معينة، ودون أي قيد لفظي، مثل: رجل، ورجال، وكتاب، ورقبة، وهو ورود النكرة في صيغة الإثبات.

مثاله قوله تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ [المائدة: 38]؛ فاليد في الآية مطلقة، يجوز قطعها من مفصل الكف، أو من المرفق، أو من الكتف، فجاءت سنة الرسول --، وبينت أن اليد تقطع من مفصل الكف (الرسخ)، فقيدت بذلك مطلق اليد.

وكقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: 11]فلفظ الوصية الوارد في الآية مطلق غير مقيد بمقدار معين، فبينت السنة النبوية أن مقدار الوصية هو الثلث أو أقل، فلا يجوز إخراج الوصية بأكثر من ثلث المال الذي تركه الميت. والحديث الذي قيّد مطلق الوصية هو قول النبي -- لسعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه- عندما حضرته الوفاة، وسأله عن الوصية، فقال: “الثلث، والثلث كثير” (رواه البخاري)

5ـ بيان معنى لفظ

كبيان المغضوب عليهم باليهود، والضالين بالنصارى. وكان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يهتم اهتمامًا بالغًا بألفاظ [5] الآية على كثرتها حين يقتضي التفسير ذلك، ويبينها لفظة لفظة.

فعن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله من ضمن كلام له قال:إنه لما نزلت هذه الآية﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾ [التوبة: 111] قام رجل إلى النبي فقال: يا نبي الله، أرأيتك الرجل يأخذ سيفه، فيقاتل حتى يقتل إلا أنه يقترف من هذه المحارم أشهيد هو؟ فأنزل الله -عز وجل- على رسوله: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 112]

وأخبر النبي عن المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم وحليتهم بالطهارة والجنّة، وقال: التائبون من الذنوب، العابدون الذين لا يعبدون إلا الله ولا يشركون به شيئًا، الحامدون الذين يحمدون الله على كل حال في الشدّة والرخاء، السائحون وهم الصائمون الراكعون الساجدون الذين يواظبون على الصلوات الخمس، والحافظون لها والمحافظون عليها بركوعها وسجودها وفي الخشوع فيها وفي أوقاتها، الآمرون بالمعروف، بعد ذلك والعاملون به، والناهون عن المنكر والمنتهون عنه، قال: فبشر من قتل وهو قائم بهذه الشروط بالشهادة والجنة. ثم أخبر الله -سبحانه- أنه لم يأمر بالقتال إلا أصحاب هذه الشروط، فقال عز وجل: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [الحج: 39]

والخلاصة أن الرسول -- لم يكن يطنب في تفسير الآية، أو يخرج إلى ما لا فائدة في معرفته، ولا ثمرة في إدراكه.فكان جل تفسيره بيانًا لمجمل، أو توضيحًا لمشكل، أو تخصيصًا لعام، أو تقييدًا لمطلق، أو بيانًا لمعنى لفظ أو متعلقه.

وقد أوجز ذلك القرطبي -رحمه الله- في تفسيره، فقال: “البيان منه على ضربين: بيان لمجمل في الكتاب كبيانه للصلوات الخمس في مواقيتها، وسجودها، وركوعها، وسائر أحكامها … وبيان آخر وهو زيادة على حكم الكتاب كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها.

ويفهم من هذا أنه اقتصر على بيان المعاني الضرورية التي لا تحتمل التأخير، أو التي لا سبيل إلى معرفتها إلا عن طريقه، وترك ما سوى ذلك للأمة؛ ليعملوا عقولهم في التدبر والتفكر[6]

6ـ بيان أحكام زائدة على ما جاء في القرآن الكريم

كتحريم نكاح المرأة على عمتها، وكقوله تعالى: “وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف …”

ويرى بعض العلماء أن السنة لهادور أيضًا في بيان المنسوخ؛ أي تنسخ السنة حكمًا في القرآن. وهذا عند الشافعية غير وارد مطلقًا.

ويمثل له بقوله سبحانه وتعالى  فى سورة البقرة: ﴿الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ [البقرة: 180] قال جمهور العلماء: نسخها قول الرسول --:”لا وصية لوارث”. 

وفي الموضوع تفصيل كبير، ولكل رأي أسانيده؛ أخصها أن السنة المتواترة الصحيحة هي أيضًا وحي من الله ، وذلك من حجج القائلين بالنسخ.