ضمن أعمال المؤتمر الدولي الذي نظمته هذا الاسبوع اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في الدوحة بعنوان “الآليات الوطنية والإقليمية والدولية لمكافحة الإفلات من العقاب وضمان المساءلة بموجب القانون الدولي”، عقدت ورشة عمل تطرقت للمبادئ الأساسية والتوجيهية لجبر الضرر، ترأستها كاترين سميث المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بمسؤولية الحماية.

 

وفي بداية الجلسة طرحت كاترين سميث العديد من الأسئلة حول أشكال و كيفيات جبر الضرر، ما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها في مجال جبر الضرر؟ هل نتحدث عن جبر الضرر للأفراد أو للجماعات؟ وما الفرق بين الجبر النقدي والجبر الرمزي، ومدى ارتباط جبر الضرر بالعدالة، وهل يمكن دعم أطراف أخرى في جبر الضرر.

وتحدث آيدن إيليس، وهو محام بريطاني، عن أنواع جبر الضرر وأهمية تقييم التعويض مع ضمان عدم التكرار، مشيراً إلى أن الإساءات الدولية يكون الجبر الأساسي فيها هو الإنصاف، لكن كلما زادت الانتهاكات سوءا لا يمكن جبرها، فلا يمكن إحياء الموتى مثلا أو إعادة بناء المناطق التي تم تهديمها.

جبر الضرر يتطلب إشراك الضحايا

كما نوه إلى أن المحاكم الدولية تطلب استنفاد جميع الوسائل المحلية قبل اللجوء إلى المحاكم الدولية، مؤكداً أن جبر الضرر يتطلب إشراك الضحايا في المفاوضات بين الدول أو أطراف النزاع.

وقال إيليس أن أهم قضية في مسألة جبر الضرر هي قضية الاعتراف والإقرار بالجرائم التي وقعت، مشيرا إلى أنه على الدول أن تقدم مسألة جبر الضرر على عدة مستويات محلية ودولية وإقليمية، وعليها أن توفر جبر أفعال بصورة سريعة.

كما تحدث إيليس عن التحديات التي تواجه جبر الضرر، وأشكال جبر الضرر، موضحاً أن من بين جبر الضرر معاقبة المسؤولين عن الجرائم، وتقديم الجبر بشكل علني، وتكريم ذكرى الضحايا بوجود مسؤولين كبار، وتوفير برامج إسكان، وتأهيل وتوفير علاج نفسي لمن تأثر بهذه الجرائم.

ودعا إلى تفعيل وتعزيز إجراءات الجبر على مستوى المحاكم، بالإضافة إلى تعزيز المعاهدات الدولية، وعدم استخدام الدول لحق الفيتو فيما يتعلق بالانصاف. وأشار إلى وجود هوة فيما يتعلق بتطبيق نظام حقوق الإنسان على المستوى الإقليمي، وتشجيع الدول للانضمام إلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وثمن تعيين مقرر خاص لشؤون جبر الضرر والإنصاف، مطالباً بتعزيز صلاحياته وألا يكون مجرد شخص يجمع البيانات.

وأعطى إيلس عدة أمثلة على قضايا جبر الضرر بينها اعتذار بلجيكا لبورندي في موضوع الاستعمار، وقال إيليس أنه حتى يتحقق هذا الهدف يجب التركيز على أربعة شروط هي:

التعويض

إعادة التأهيل

ضمانات عدم التكرار

الرضا

وقال المحامي البريطاني أن الجبر الأساسي هو الانتصاف، لكن مصالح الدول أصبحت تتداخل مع مسائل الجبر والانتصاف، فكلما زادت انتهاكات حقوق الإنسان يصبح من الصعب جبر الضرر خاصة عندما يتعلق الأمر بالقتل أو إعادة بناء ما لا يمكن بناءه من جديد.

صندوق تعويضات..فارغ

من جهته، قال بين كيت وهو محام ورئيس الفريق الدولي للأمم المتحدة في بريطانيا، أن استخدام مبدأ التعويض في جبر الضرر أصبح أمرا نادرا في هذا العصر، لأن توفير التعويض المنصف صعب جدا، فليس من المعقول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في بعض الحالات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالموت أو التعذيب وغيرها من الانتهاكات. كما أن أصعب الأمور هو الوقت. كما تحدث عن الموجهات التي تحكم عمليات جبر الضرر والأطر القانونية التي تنطلق منها، وآليات التفعيل والجهات القضائية المعنية بذلك. وقال إن حالات جبر الضرر متعددة في العالم، وتتراوح بين جبر الضرر الفردي أو الجماعي.

واستعرض كيت إحدى القضايا التي نظرت فيها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهي قضية قاض أوكراني تعرض للطرد التعسفي من منصبه، وبعد رفع دعوى قضائية تستند إلى كون الإجراء غير قانوني، قضت المحكمة الأوروبية بسرعة في تلك الدعوى التي أوجبت على الجهات القضائية في أوكرانيا إعادة القاضي إلى منصبه مع جبر الضرر والتعويض المادي، ونفذت المحكمة الأوكرانية الحكم القضائي وأعادت القاضي بعد سنتين من النطق بالحكم، إلا أنها لم تقدم أي تعويض مادي وهو الأمر الذي لا تملك المحكمة السلطة الإلزامية لتنفيذه بحكم عدم الاختصاص في التنفيذ.

كما أعطى مثالا آخر عن شعب “الروما” في كوسوفو، الذي قامت الأمم المتحدة على خلفية الأزمة في المنطقة بنقله من مستوطنة إلى مستوطنة أخرى كانت سببا في انتشار الأوبئة والأمراض وتزايد الوفيات بشكل رهيب. وحتى تكفر الأمم الماحدة عن ذنبها أنشات صندوقا للتعويضات لتعويض شعب الروما على ما أصابهم من أذى جراء نقلهم إلى بيئة غير صحية بالمرة، لكن اتضح فيما بعد أن هذا الصندوق فارغ وإلى غاية اليوم لم يتم تعويض هؤلاء، فيما اعتبرته بعض الأوساط جريمة فضيعة في حق شعب مسالم.

جرائم تدمير الإرث الثقافي

كما تحدثت هايدي ديجكستال المحامية المتخصصة في القانون الجنائي الدولي وحقوق الإنسان عن جرائم تدمير الإرث الثقافي، والجبر على مستوى المحكمة الجنائية الدولية، والإجراءات الفعالة. وأكدت أن هناك قائمة طويلة جداً من الإرث الذي تم تدميره كالمساجد الأثرية في ليبيا والعراق وسوريا والمعابد البوذية في أفغانستان، مضيفةً أنها انتهاكات ليست ضد المباني بل هي ضد البشر، تنتهك الثقافة البشرية وتهاجم التاريخ والإرث وما سنتركه لأجيالنا المستقبلية.

ونوهت ديجكستال إلى أن معاهدة روما تمنع تدمير الإرث الثقافي، ويمكن محاكمة مرتكبي ذلك أمام المحكمة على أنها جرائم ضد حقوق الإنسان، مقترحة وجوب نظر مثل هذه القضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية، كضرورة لحماية الإرث الإنساني وإرث الحضارات، لاسيما أن المحكمة الجنائية الدولية وضعت توجها لحماية هذا الإرث.ووضعت ثلاثة مقترحات لذلك:

تطوير المسؤولية الجنائية لدمار الإرث الثقافي

إقامة آلية قائمة على مقاربة حقوق الإنسان

الاعتراف بالأفراد والجماعات على أنهم ضحايا مباشرة وغير مباشرة في ضحايا تدمير الإرث الثقافي وجبر الضرر الذي وقع عليهم.

ولفتت ديجكستال إلى أن المحكمة الجنائية الدولية أشارت إلى الرابط الأساسي بين دمار الإرث وانتهاك حقوق الأفراد، فضلا عن مقاربة المحاكم في التعويض الذي يجب إعطاؤه للضحايا وتأثرهم على المستوى النفسي والعقلي من دمار هذا الإرث الثقافي، مؤكدة أن المحكمة مستعدة للاعتراف أن الأفراد والمجتمعات تعرضت لانتهاكات حقوق الإنسان عندما يتم تحديد الجبر للبشر وتؤخذ هذه الأمور بعين الاعتبار.

من أين نبدأ وأين نتوقف

كما شددت على احترام حقوق جميع الضحايا وأخذ حقوق الدفاع بعين الاعتبار، منوهة بأن الجبر يؤدي إلى الكثير من الاستنتاجات بعد المحاكمة، فتعويض الضرر ضمان أن المتهم يعترف بالأفعال التي يحاكم على أساسها. ودعت إلى فصل إجراءات المحاكمة عن إجراءات التعويض، والذي سيعطى للضحايا ضمان الحصول على تعويض معين، ومعاقبة المجرمين على الجرائم، مؤكدة على ضرورة أن يكون للضحايا صلة ويبرهنوا أنهم فعلا كانوا ضحايا هذه الجريمة.

ودار نقاش حاد حول مسألة جبر الضرر، دار حول نقطة أساسية هي من أين نبدأ أين نتوقف لجبر الضرر؟ هل نعود قرونا ماضية أم ننظر للمستقبل فقط؟ فعندما نتحدث عن التاريخ يجب أن نطرح السؤال: إلى أي مدى يمكن أن نعود لتطبيق مبدأ جبر الضرر؟