الهشاشة النَّفسيَّة: (Psychological Fragility) هي نوع من أنواع الاضطراب النّفسيّ، وحالة من الحسّاسيّة والرّقّة المبالغ فيها، مع سرعة الانهزام والانكسار في مواجهة التحدّيات الإجتماعيّة المختلفة، وهي عكس المرونة النَّفسيَّة الّتي تساعد الشّخص على تخطّي العقبات، وبالتّالي فإنّ الشّعور بالهشاشة النَّفسيَّة يجعل الفرد يعتقد أن المشاكل الّتي يواجهها هي أكبر من قدرته على التّحمل، وبالمحصّلة يغرّق الفرد بالأفكار والمشاعر السّلبيّة والأزمات النَّفسيَّة المتعاقبة، فيبقى رهين الخوف والضّغط النّفسيّ .
الاختلافات الثّقافيّة في تفسير الهشاشة النَّفسيَّة
يمكن أن تختلف تفسيرات الهشاشة النَّفسيَّة وتجلياتها باختلاف الخلفيّات الثّقافيّة ممّا يعكس تنوّع التّجارب الإنسانيّة، ومن هذه الجوانب الّتي توضح هذه الاختلافات:
1- التّعريف والتّصوّر:
ففي بعض المجتمعات في الشّرق الأوسط، قد يُعتبر التّحدّث عن المشاكل النَّفسيَّة علامة من علامات الفشل أو ضعف الشّخصيّة، مما يدفع الأفراد لإخفاء مشاعرهم حيث تُعتبر الهشاشة النفسية عيباً يُشدّد عليه ويُنظر إليها كعلامة على الضّعف، بينما في ثقافات أخرى مثل الثّقافة اليابانيّة أو الصّينيّة يُنظر إلى تحمّل الضّغوط والمشاكل النَّفسيَّة أنّه علامة على القوّة وقد يُعتبر الاعتراف بالهشاشة خطوة إيجابيّة نحو تعزيز الصّحة النَّفسيَّة ويُعزّز النّقاش حولها.
2- الاستجابة للدّعم:
تختلف الثّقافات في كيفيّة تقديم وتقبل الدّعم النّفسي، ففي بعض الثّقافات القبليّة يُعتبر التّحمّل والصّلابة من القيّم الأساسيّة ممّا قد يعيق الأفراد عن التّعبير عن ضعفهم النّفسيّ، بينما في ثقافات أخرى يُفضل اللّجوء إلى المختصّين النفسيّين، حقيقة فإن هذه الفروق تؤثّر في كيفيّة التّعامل مع الهشاشة النَّفسيَّة بشكل كبير.

3- أنماط التّعبير:
يُمكن أن تعبّر الثّقافات عن الهشاشة النَّفسيَّة بطرق متنوّعة، ففي بعض الثّقافات قد يُستخدم التّعبير الفنيّ أو الأدبيّ كوسيلة لمواجهة الهشاشة، بينما في ثقافات أخرى قد تكون التّعبيرات أكثر مباشرة وعاطّفية.
4- التّجارب الإجتماعيّة والاقتصاديّة:
تختلف التّأثيرات الإجتماعيّة والاقتصاديّة على الهشاشة النَّفسيَّة بين الثّقافات، ففي الدّول ذات الموارد المحدودة قد يُعاني الأفراد من الضّغوط الاقتصاديّة الّتي تؤدّي إلى تفاقم المشاعر الهشّة، بينما في المجتمعات المتقدّمة قد تكون الضّغوط المرتبطة بالعمل أو العلاقات الإجتماعيّة أكثر بروزاً.
5- الملائمة الثّقافيّة للعلاج:
تؤثّر الثّقافة على فعّاليّة العلاجات النَّفسيَّة فهناك بعض الأساليب العلاجيّة الّتي قد تكون أكثر قبولاً في ثقافات معيّنة على سبيل المثال قد تفضل بعض الثّقافات العلاج الجماعيّ كوسيلة للتّعامل مع الهشاشة النَّفسيَّة، بينما تفضل أخرى العلاج الفرديّ.
6- التّحصيل التّعليميّ والوعي:
تلعب الثّقافة دوراً مهماً في مستويات الوعي حول الصّحة النَّفسيَّة، ففي بعض المجتمعات قد يكون هناك فهم أفضل للهشاشة النَّفسيَّة وتأثيراتها ممّا يساعد الأفراد على التّعامل معها بفعالية أكبر.
وهكذا تُظهر الاختلافات الثّقافيّة في تفسير الهشاشة النَّفسيَّة كيف أن المفاهيم والممارسات المتعلّقة بالصّحة النَّفسيَّة تتأثّر بشكل كبير بالسّياقات الإجتماعيّة والثّقافيّة، وإن فهم هذه الاختلافات يمكن أن يساعد في تطوير استراتيجيّات علاجيّة أكثر فعالية تتناسب مع خلفيّات الأفراد، ممّا يساهم في تحسين جودة الحياة وتعزيز الصّحة النَّفسيَّة للجميع.
الأساليب المختلفة للتَّعامل مع الهشاشة في المجتمعات
بعض المجتمعات تعتمد على العلاجات التَّقليديَّة أو الرّوحيَّة للتَّعامل مع الهشاشة النَّفسيَّة، ومنها: المجتمعات الأفريقيَّة الَّتي تعتمد على العلاج بالطّبّ التَّقليديّ، ففي العديد من المجتمعات الأفريقيَّة، يعتمد النَّاس على الأطبَّاء التَّقليديّين (الشَّامان) الَّذين يستخدمون الأعشاب والطّقوس والتَّقاليد الرّوحيَّة لعلاج القضايا النَّفسيَّة.
أمَّا المجتمعات الأصليَّة في الأمريكيتين، فتعتمد على الطّقوس الروحيَّة حيث لدى بعض الشّعوب مثل الهنود الحمر استخدام للطّقوس مثل ” السَّمّوكي ” (الَّذي يتضمَّن تدخين الأعشاب) لتحسين الصّحَّة النَّفسيَّة وتعزيز التَّوازن الرّوحيّ.
والمجتمعات الهنديَّة تعتمد اليوغا والأيورفيدا حيث يعتبر النّظام العلاجيّ الهنديّ التَّقليديّ (الأيورفيدا) واليوغا طرقاً شائعة لتعزيز الصّحَّة النَّفسيَّة والبدنيَّة، حيث يتمّ التَّركيز على التَّوازن بين الجسد والعقل والرّوح.
وفي ثقافات مثل الثَّقافة الصّينيَّة يعتمد على منهج العلاج بالتَّأمُل حيث يستخدم التَّأمّل والفنون القتاليَّة كطرق لتحسين الصّحَّة النَّفسيَّة وتعزيز السَّلام الدَّاخليّ.
وتعتمد الثَّقافة الإسلاميَّة على منهج التَّوجّه الرّوحيّ الَّذي يعتمد على الدّعاء والذَّكر كوسائل للتَّعامل مع المشاعر السَّلبيَّة، فالتَّقرّب إلى اللَّه يساعد في التَّغلّب على الضّغوط النَّفسيَّة.

وأمَّا بعض المجتمعات الشَّرق أوسطيَّة تعتمد العلاج بالقصص الشَّعبيَّة حيث تستخدم القصص الشَّعبيَّة والأساطير كوسيلة لفهم المشاعر والتَّعامل مع التَّحدّيات النَّفسيَّة.
وفي المجتمعات الغربيَّة كالولايات المتَّحدة وكندا يعتمد على العلاج النَّفسيّ للتَّعامل مع الهشاشة النَّفسيَّة، بما في ذلك العلاج السُّلوكيّ المعرفيّ (CBT) والعلاج النَّفسيّ الدِّيناميكيّ وتعزّز هذه المجتمعات التَّوعية بالصّحَّة النَّفسيَّة وفتح النّقاشات حولها.
وأما المجتمعات الأوروبية كالدنمارك والسويد يتم التّعامل فيها مع الهشاشة النَّفسيَّة من خلال دمج العلاج النّفسيّ في النظام الصّحيّ بشكل شامل، مع التّركيز على العلاج المبكر والدّعم المستمرّ.
وفي المجتمعات اليابانيَّة وعلى الرَّغم من وجود تقاليد قويَّة في الاعتماد على العلاجات التَّقليديَّة، بدأت اليابان في تبنّي العلاج النَّفسيّ الحديث حيث تستخدم الآن أساليب مثل العلاج المعرفيّ السّلوكيّ والعلاج الجماعيّ.
وفي المجتمعات الكندية فتُعتبر كندا من الدول الّتي تشجع على تقديم خدمات الصّحة النَّفسيَّة المتطورة، حيث يتم دمج العلاج النّفسيّ ضمن الرّعايّة الصّحيّة العامّة.
وفي المجتمعات المكسيكيَّة فقد بدأت المكسيك في دمج العلاج النَّفسيّ ضمن خدمات الصّحَّة العامَّة، مع التَّركيز على تقديم الدَّعم النَّفسيّ للأفراد في المجتمعات المحرومة.
ومن نافلة القول: لابدّ لتطوير نظام العادات والتَّقاليد الَّتي تقلّل من الإصابة بالهشاشة النَّفسيَّة من تعزيز الحوار المفتوح وتشجيع النّقاشات وإنشاء منصَّات للحوار حول الصّحّة النَّفسيَّة في المدارس والمجتمعات، وتنظيم ورش عمل وندوات للتَّوعية بأهمّيَّة الصّحَّة النَّفسيَّة، وكيفيَّة التَّعرّف على علامات الهشاشة النَّفسيَّة، وإقامة فعَّاليَّات اجتماعيَّة وثقافيَّة لتعزيز الرَّوابط بين الأفراد وتقوية المجتمع، مع ضرورة اتّباع سياسة تقدير الإنجازات وتكريم الأفراد الَّذين يتغلَّبون على التَّحدّيات النَّفسيَّة، ممَّا يساهم في خلق بيئة تشجّع على القوَّة والمرونة، وللمزيد: ( كتاب الهشاشة النفسية رؤى ملهمة وأدوات عملية، المؤلف: أ. د. أحمد محمد القزعل الهاشمي، مكة المكرمة، دار طيبة الخضراء، ط:1، 1447هـ/ 2025م ص:69 ومابعد) .
