عقدت كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة (عضو مؤسسة قطر) الأسبوع الماضي، مؤتمر دوليا للتمويل الإسلامي، تحت عنوان “الاقتصاد الدائري: نحو استراتيجية مالية مؤثرة ومستدامة وقائمة على القيم”، والذي استضافه مركز الاقتصاد والتمويل الإسلامي على مدار يومين. وشارك في المؤتمر 54 متحدثا من داخل وخارج قطر، من مصرفيين وصناع السياسات والأكاديميين والباحثين في المجالات المالية الإسلامية وقضايا الاستدامة، ناقشوا تطور الأنظمة الاقتصادية الدائرية على خلفية المناقشات العالمية القوية الدائرة بشأن تغير المناخ، والتدهور البيئي، والقضايا ذات الصلة.

 

وتتبع المؤتمر -الذي ناقش تعزيز المعرفة الحالية، ودراسة آفاق التمويل الإسلامي والاقتصاديات المتحولة- تطور مبادئ الاقتصاد الدائري كنموذج اقتصادي بديل، حيث استكشف المشاركون في المؤتمر، من مؤسسات أكاديمية وجهات صنع القرار ومؤسسات التمويل الإسلامي، كيف يحفز الاقتصاد الدائري عملية تقليل النفايات الناتجة عن الأنشطة الاقتصادية المحلية والإقليمية والعالمية. وتناول المؤتمر كيف يمكن أن يسهل هذا المفهوم الناشئ من الممارسات التجارية المستدامة، والتي لها تأثير اجتماعي وصديق للبيئة.

كما أتاح المؤتمر الدولي للتمويل الإسلامي 2020 فرصة مثالية لسماع وجهات النظر الاقتصادية الإسلامية حول الاقتصاد الدائري. وجاءت هذه المشاركات في شكل ورقات وتحليلات ناقشها الأكاديميون والمؤسسون فضلاً عن الممارسين المشاركين في مبادرات التمويل الإسلامي.

تآزر بين مقاصد الشريعة وخطاب التنمية

كما كان التآزر بين مقاصد الشريعة، وخطاب التنمية المتعدد الأبعاد، والاقتصاد الدائري من بين القضايا التي نوقشت على مدار الحدث. كما قدم المؤتمر دراسات الحالة الخاصة، ونماذج الأعمال، والأنشطة المتعلقة بتأطير النقاشات في البيئات المعاصرة. وقال الدكتور سيد ناظم علي، مدير قسم الأبحاث بكلية الدراسات الإسلامية أن “مشاركة هذه المؤسسات في المؤتمر تعكس وعي الجماهير بجوانب الاقتصاد الدائري الذي لا يزال يحتاج إلى تعزيز رغم فهم الإسهامات التي يقدمها التمويل الإسلامي للاقتصاد القطري، ولا بد من تغيير هذا الوضع.”

وأضاف ناظم علي “يمكن أن تساعد الممارسات والمبادئ التي تحدد شكل الاقتصاد الدائري مؤسساتنا ومواردنا البشرية على الاستجابة بشكلٍ أفضل لتغير المناخ. كما أنها توفر إمكانية لتطوير اقتصاد تنافسي ومتنوع بناءً على نماذج مستدامة طويلة الأجل. وفي النهاية، تساعد ممارسات الأعمال المسؤولة في الحفاظ على البيئة المبنية والطبيعية. ومع ذلك، يمكن أن تنطبق فوائد الاقتصاد الدائري أيضًا على العالم الإسلامي بأكمله. ونحن واثقون من أن هذا المؤتمر قد أوضح هذه النقطة بشكلٍ وافٍ.”

يوسف محمد الجيدة، الرئيس التنفيذي لمركز قطر للمال

من جهته، قال يوسف محمد الجيدة، الرئيس التنفيذي لمركز قطر للمال: “يشرفنا أن نكون جزءا من هذا الحدث المتميز، وأن نشارك في مناقشة أحدث الاتجاهات والفرص المتاحة التي لم يتم استغلالها بعد، ودراسة التأثير العميق والمستدام الذي يمكن أن يحققه الاقتصاد الدائري على إستراتيجيتنا الخاصة بالتنويع الاقتصادي. وفي الواقع، فإن قطر تستعد لتعزيز صناعة التمويل الإسلامي خلال عام 2020، ومن المرجح أن يلعب الاقتصاد الدائري دورًا لا يتجزأ، حيث يقدم نماذج وسياسات أعمال شاملة من شأنها أن تطلق العنان للإمكانات الهائلة لصناعة التمويل الإسلامي”.

أصول التمويل الإسلامي 3.2 تريليون دولار عام 2020

وأضاف  الجيده إنه على المستوى العالمي، من المتوقع أن تصل قيمة أصول “التمويل الإسلامي” إلى 3.2 تريليون دولار خلال عام 2020، مشيراً إلى أنه على الرغم من هذا النمو البطيء نسبياً، والذي كان متوقعاً هذا العام، بالمقارنة مع الارتفاع الكبير الذي بلغ 10 في عام 2017، فإن صناعة التمويل الإسلامي تستعد للازدهار بأسواق محددة، بما في ذلك ماليزيا وإندونيسيا وتركيا، بالإضافة إلى قطر، إذ تشير الوقائع إلى أن إجمالي أصول التمويل الإسلامي في قطر يمثل 33 من إجمالي أصول النظام المالي في الدولة، ويعزى ذلك إلى نمو سنوي مركب نسبته 8 منذ عام 2015، ليصل إلى 129 مليار دولار أميركي في النصف الأول من عام 2019.

المؤتمر الدولي للتمويل الإسلامي عُقد بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة وطرح أفكارا إسلامية مبتكرة حول الاقتصاد الدائري

وفي تقرير لمركز قطر للمال للعام 2019، بلغ إجمالي الأصول الإسلامية لدى البنوك نحو 107.04 مليارات دولار، كما بلغ إجمالي التمويلات الإسلامية نحو 73.8 مليار دولار، في حين بلغ إجمالي الودائع الإسلامية نحو 66.2 مليار دولار، أما الأصول الإسلامية التي هي ضمن منصة مصرف قطر المركزي فبلغت نحو 231 مليون دولار.

وسبق أن أظهرت دراسة لصندوق النقد الدولي شملت 120 مصرفا إسلاميا وتقليديا في ثماني دول خليجية وآسيوية تحوز 80% في السوق المالية الإسلامية، أن المصارف الإسلامية أثبتت قوتها وصلابتها في مواجهة التقلبات والأزمات المالية، على عكس المصارف التقليدية، بما في ذلك قدرتها على الإيفاء بالمستحقات.

تحفيز مزاولة أنشطة الاستثمار الخضراء

كما تحدث الدكتور سيتارامان عن أكبر مصادر لانبعاثات الكربون في العالم ودور الخدمات المصرفية الخضراء قائلاً: “تعتبر الصين، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي والهند أكبر أربعة مصادر لانبعاثات الكربون على مستوى العالم. وبالنسبة إلى انبعاثات غاز الدفيئة، فيتعين تقديره في القطاعات الاقتصادية الرئيسية التي تعمل فيها البنوك لتحديد مستوى انبعاث الكربون. واستناداً لذلك، يتم اقتراح المبادرات المختلفة لدعم الاقتصادات الخضراء مثل، الإقراض لتنفيذ المشاريع الخضراء، وبرنامج آليات التنمية النظيفة والخدمات المصرفية اللاورقية. وتعمل البيئة المصرفية ضمن المعايير العالمية للإقراض والاستثمار.

الدكتور ر.سيتارامان الرئيس التنفيذي لبنك الدوحة

وقال سيتارامان عن دور التمويل الإسلامي في التنمية المستدامة إنه “يلعب دورا حاسما وأساسيا في دعم تنفيذ أهداف التنمية المستدامة. ويتمتع التمويل الإسلامي بإمكانيات غير مستغلة بالإمكان استخدامها في تلبية الاحتياجات التمويلية الكبيرة لأهداف التنمية المستدامة. ويمكن للأدوات المالية الإسلامية المبتكرة أن تدعم أهداف التنمية المستدامة بشكل كبير. وتعد الصكوك الخضراء إحدى الأدوات المالية التي تمهد الطريق نحو استثمارات خضراء أكثر ملائمة للمناخ”.

سمو الأمير وعد في خطابه أمام الأمم المتحدة عام 2019 بالعمل على تعزيز وتحفيز مزاولة أنشطة الاستثمار الخضراء وتبني النمو الاقتصادي بأقل ما يمكن من انبعاثات الكربون

كما تطرّق سيتارامان إلى التطورات المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة في قطر، فقال في هذا الخصوص: “وعد سمو أمير البلاد المفدى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في خطابه أمام الأمم المتحدة عام 2019 بالعمل على تعزيز وتحفيز مزاولة أنشطة الاستثمار الخضراء وتبني النمو الاقتصادي بأقل ما يمكن من انبعاثات الكربون. وسيساعد هذا الأمر على تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ ويدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة والاستثمار في الموارد الطبيعية المستدامة.

هذا وقد أعدت قطر العديد من الخطط المتكاملة التي تتضمن أهداف التنمية المستدامة وتعمل نحو توليد الطاقة النظيفة والمتجددة حيث تخطط إلى توليد 200 ميغا واط من الطاقة الشمسية خلال العامين القادمين وزيادتها إلى 500 ميغا واط. وستكون بطولة كأس العالم 2020 لكرة القدم التي باتت أيقونة عالمية بطولة صديقة للبيئة وأول بطولة “محايدة للكربون” سيتم فيها استخدام الطاقة الشمسية في الملاعب، بالإضافة إلى استخدام أحدث التكنولوجيا في توفير المياه والتبريد والإضاءة. من جهة أخرى، تعمل بورصة قطر على طرح التوجيهات المتعلقة بالمعايير البيئية والاجتماعية والحكومية لمساعدة الشركات المدرجة الراغبة في تضمين تقاريرها بشأن هذه المعايير ضمن تقاريرها الحالية”.

تحديات وتوصيات

ويبرز أمام قطاع التمويل الإسلامي تحديات كبرى، تتمثل في تقادم النماذج المصرفية المعمول بها، وبطء الابتكار في المنتجات المالية والضوابط الشرعية والتشريعية وندرة الموارد البشرية والطابع التقليدي للعمل المصرفي، إضافة إلى تحديات العولمة وضعف علاقات التعاون بين البنوك والضغط الكبير لمواكبة التطور التكنولوجي، إذ لا تعد مصطلحات الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا العملات تحديا عاديا، بل تحولا خطيرا نحو أنماط جديدة.

وقد كانت هذه التحديات من أبرز توصيات مؤتمر الدوحة الخامس للمال الإسلامي، حيث دعا إلى ضرورة السعي لاستكمال الأطر التشريعية والقانونية الخاصة ببيئة التمويل الإسلامي الرقمي، خصوصا أن التطور الهائل والمتسارع في التكنولوجيا المالية، لا يواكبه تحديث مناسب للتشريعات والقوانين الخاصة بالتمويل الإسلامي.

وفي عالم محدود الموارد، يبحث مؤتمر التمويل الإسلامي كذلك تطور الأنظمة الاقتصادية الدائرية، على خلفية المناقشات العالمية القوية بشأن تغير المناخ والتدهور البيئي وسبل تحفيز الاقتصاد الدائري عملية التعلم من الطبيعة، وكيف يسهل هذا المفهوم الناشئ بناء مجتمعات مسؤولة، وأهمية تبني إستراتيجيات وسياسات مالية معتمدة على تعزيز القيمة. وطرح المؤتمر وجهات نظر إسلامية متميزة حول الاقتصاد الدائري (نظام اقتصادي يهدف إلى القضاء على الهدر ويسعى للاستخدام المستمر للموارد).