كشف الدكتور حميد قوفي، أستاذ علوم السنة في كلية الشريعة جامعة قطر مزاعم الحداثيين العرب في نقد السنة النبوية والتراث الإسلامي، واعتبر مناهجهم النقدية مهلهلة وملفقة فإن الحداثيين لم يخترعوا منهاجا جديدا في قراءة التراث ولكنهم في الحقيقة أحيوا منهاج الاستشراق، وإن خبايا حركة الحداثة هي الإطاحة بالتراث وإسقاط السنة النبوية المشرفة. أما أهل الحديث الذين نقلوا التراث بالرواية فإنهم قاموا بنقده بأنفسهم في زمن الرواية قبل الاستشراق، واعتمد المحدثون في نقد التراث على أساليب علمية ثابتة وكانت نواياهم حسنة.
ناقش الدكتور حميد صاحب المشاركة العلمية البارزة في العلوم الشرعية والدعوة والتربية الإسلامية والمصنفات الأكاديمية الذاخرة في مجال التخصص الدقيق هذا الموضوع الحي في أمسية علمية احتفت بها كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، في جامعة قطر، في الجلسة الثانية ضمن سلسلة الصالون الثقافي المقرر تنظيمه في الجمعة الأخيرة من كل شهر، وقد انعقدت هذه الجلسة في جامعة قطر تحت عنوان: ” شبهات حول السنة المشرفة – دراسة تحليلية نقدية”
وطاف حميد قوفي في هذه المحاضرة على محاور ثلاثة: المحور الأول في معالم المنهج النقدي عند المحدثين (المرويات الحديثية والتاريخية)
المحور الثاني يتعلق مظاهر التجديد ومعالم الإحياء في قضايا الدين من أجل نهضة معرفية
المحور الثالث شبهات حول السنة المشرفة (الطعن في رواة السنة: أبو هريرة والبخاري نموذجان).
وحسب رأي الدكتور حميد، فإن الموضوع كهذا شبهات حول السنة حين يطلق فإن ما ينصرف إلى الذهن هو تيار الاستشراق والحداثة لأنه هو الواقع المعيش اليوم، ولهذا السبب أثار سؤالين جديرين بالكلام، هل رحل الاستشراق بمنظوماته الفكرية بعد خروج الاستعمار من العالم الإسلامي؟ وما علاقة تيار الحداثة بالاستشراق؟
يرى قوفي أن المطلع على حركة الاستشراق في البلاد العربية يدرك أن الاستشراق وإن غادر بلقبه لكنه ترك حقائقه، وهي التي استولى عليها بعض العرب الذين يسمون بالحداثيين أو العلمانيين الجدد أو قراء النص الجدد. والعجب أن الحداثيين لم يبتكروا شيئا جديدا وإنما اعتمدوا على منهج سلفهم من المستشرقين، والأعجب من ذلك أن الحداثيين العرب لم يقتبسوا من مناهج الاستشراق إلا العناصر السامة التي تهدم تراث الإسلام، وروجوا لها على أنها مناهج علمية متطورة.
ثم تناول قوفي في مطلع محاضرته على مفهوم النقد التراثي عند المحدثين، وعرفه بأنه تمحيص الرواية الحديثية والتمييز بين المقبول منها والمردود من خلال:
– التمييز بين أحوال الرواة جرحا وتعديلا
– التمييز بين السند اتصالا وانقطاعا
– الواقع إصابة وتخطئة.
واعتبر هذه الركائز ميادين النقد عند المحدثين، لكن أضفى عليها ببعض المسلمات المعرفية التي يتوفر لدي المسلمين عموما وهي:
1- أن السنة النبوية محفوظة بحفظ الله باعتبارها بيانا لكتاب الله، ولو افترض ضياع السنة لأصاب الشريعة بعض الاختلال.
2- السنة النبوية الثابتة حجة ومصدر للتوحيد والتشريع والمعرفة، فهو وحي على الأصل الذي لا يسع أحد ردها ومخالفتها.
3 – نصوص السنة الصحيحة لا تناقض صريح القرآن ولاتتناقض فيما بينها.
4 – نصوص السنة النبوية لا تناقض العقل الصحيح.
5- كل ما صح من أخبار النبي ﷺ من أمور الغيب حجة.
6- كل أحد يؤخذ منه ويرد إلا رسول الله ﷺ وليس لأحد أن يدعي أن ما عنده هو الحق المطلق.
وتناول الدكتور حميد في بيان هذا المحور المهم من مفهوم النقد عند أهل الحديث محاذير النقد وهي مجالات لا يجوز أن يطال بالنقد وبين ذلك في مجموعة من النقاط:
1- ألا يوجه النقد إلى شخصية النبي ﷺ
2- ألا يمس النص الثابت بالتواتر يقينا جازما.
3- ألا يتوجه بالنقد إلى صحابي في عدالته .
4- ألا يعتمد في النقد إلا على أساس معتبر وهو الدليل، لأن ما ليس كذلك فهو لغو، وهذا هو المنهجية، فعندما ننقد الحداثيين لا بد من الرجوع إلى مصادرهم.
5- ألا يتوجه النقد إلى صاحب الموضوع بل إلى الموضوع نفسه، لذلك نرى عددا من الرواة يروى عنهم بغض النظر عن بدعهم. وهذا دليل على عدالة المحدثين وإنصافهم.
وفي المحور الثاني، عالج الدكتور حميد التجديد والإحياء ومظاهرهما في نهضة الأمة، وقد استنتج من الحديث (إن الله يبعث في هذه الامة على رأس مئة سنة من يجدد لها أمر دينها) وسياق وروده في بداية كتاب الملاحم وما يقع بين يدي الساعة من “سنن أبي داود”، أن التجديد عملية جهادية بامتياز، وان المجددين يلزمهم أن يعيشوا حالة الأمة في سلمها وحربها. ووظيفة التجديد هي النهوض بالأمة من أجل انطلاقة حضارية ويتمثل فيما يأتي:
– إحياء ما اندرس من معالم الدين
– محاربة البدع المحدثة
– تصفية التراث من خلال المراجعة الذاتية والنقد الذاتي دون تدخل خارجي.
– إحياء الفكر المقاصدي ونبذ الظاهرية الصرفة وتحنيط قوالب الألفاظ.
وختم الدكتور قوفي هذه الجلسة بالمحور الثالث الذي يحتوي على شبهات الحداثيين العرب حول السنة النبوية ومحاولاتهم من النيل والطعن فيها من خلال توجيه أصابع الاتهام إلى أبي هريرة الصحابي، راوية الأمة، والزهري جامع الحديث، والبخاري صحح الأحاديث، وهذه الركائز الثلاث يعتبرها الحداثيون هم مدار السنة النبوية. واقتصر الدكتور على أبي هريرة في هذه المداخلة، ولخص شبهتهم عن أبي هريرة في قضيتين:
1- كثرة روايات أبي هريرة مع تأخر إسلامه للدلالة على كذبه
2- روايته عن كعب الأحبار وهذا دليل على الخلط لدي الصحابي الجليل.
وقد فند الدكتور حميد هذه الشبهات بأدلة واضحة بأن التركيز على أبي هريرة ليس مقصودا بذاته وإنما قصدهم هو هدم السنة وإبطالها، فمن الواضح أن ما تفرد به أو هريرة بين مروياته لا يصل إلى عشرة أحاديث، كما أن كعب الأحبار ثقة عند أهل الحديث، لكن المشكلة الحقيقية أن الحداثيين يجهلون المصطلحات الحديثية، وإنما أرادوا النقد من أجل محاربة السنة المشرفة.