نوقشت مؤخرًا رسالة ماجستير بقسم الفلسفة بكلية الآداب- جامعة المنيا بمصر، تحت عنوان: “قضية المرأة في الفكر العربي المعاصر- عباس محمود العقاد نموذجًا”، وذلك من الباحث مؤمن عامر جاد سيد، بإشراف أ.د. محمد محيي الدين أحمد، أستاذ الفلسفة الإسلامية بالكلية.
وقد مُنح الباحث درجة الماجستير بتقدير ممتاز، بعد مناقشة مستفيضة من أ.د. أحمد محمود الجزار أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب جامعة المنيا، وأ.د. محمد علي صالحين أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة المنيا.
وفي رسالته، خلص الباحث، وبعد عرض تاريخي لصورة المرأة فى الحضارات القديمة وفي اليهودية والمسيحية والإسلام، إلى أن الإسلام أنصف المرأة واعتبرها شريكة للرجل، وليست كما نظرت إليها الحضارات والأديان السابقة على الإسلام؛ حيث اعتبرت المرأةَ جسمًا نجسًا وأصل الخطيئة التى أخرجت آدم من الجنة.
بين تيارين
وأشار الباحث إلى أن العقاد كان من المفكرين العرب في العصر الحديث الذين تناولوا قضايا المرأة من منظور الإسلام.. في مقابل تيار آخر حاول جعل المرأة العربية صورة مماثلة للمرأة الغربية.
ولفت الباحث إلى أن العقاد أحد الذين اقتربوا من المرأة فكرًا ودراسةً وتجربةً.. وتبيَّن ذلك من خلال كتاباته وأدبياته شعرًا ونثرًا؛ فقد قدم العقاد نظرية كاملة عن المرأة شاملة كل جوانبها.
واعتمد الباحث فى دراسته على كتابات العقاد النثرية التى تمثل غالبًا الجانب الفكرى الثابت فى حياة الأديب، وذلك بخلاف الشعر الذى يعبر عن اللحظات الشعرية التى يمر بها الشاعر.
وأوضح أن العقاد تناول موضوع المرأة من ثلاثة جوانب، هي؛ صفاتها الجسمية: والتى بين فيها العقاد اختلافها عن الرجل فى تكوينها الجسمي الأضعف.. وتكوينها النفسي: والذي بين فيه العقاد أهم الصفات النفسية التى تميزها؛ من إغراء وتناقض وضغف الإرادة وولع بالممنوع.. إلخ. إضافة إلى مشكلاتها الاجتماعية: وفيها تناول الباحث بعض القضايا المهمة التى عالجها العقاد؛ مثل الزواج، والطلاق، والخلع، والعمل، والسفور والحجاب، والحقوق السياسية.
الاحتكاك الحضاري
وفي السياق التاريخي لقضية المرأة، ذكر الباحث أنه ومنذ الاحتكاك الحضاري بين الغرب والعالم الإسلامي، خاصة بعد حملة بونابرت على مصر عام 1798، بدأ النموذج الحضاري الغربي يخايل عقول مفكري النخبة الإسلامية، حيث تأثر بعضهم بالنموذج الغربي في العديد من الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأضاف: كان لقضية المرأة نصيب من هذا التأثر؛ ففي مكانة المرأة في المجتمع وعلاقة الرجال بالنساء رأى بعض المفكرين العرب في النموذج الغربي بديلاً يغير من حال المرأة المتدني في المجتمع في ذلك الوقت.. بينما رأى البعض الآخر الاحتفاظ بالمرجعية الإسلامية والتمسك بها والنفور عما سواها من الحضارة الغربية. ومن ثم، كانت المرجعية الغربية من أبرز الإشكاليات التي عانت منها الاتجاهات كافة.
وتابع: كانت نصوص رفاعة الطهطاوي تمثل لحظة وعى عكست إدراك الفارق بين أحوال المرأة في عالمنا وبين أحوالها في العالم الغربي؛ وذلك من خلال كتابه (المرشد الأمين للبنات والبنين). وفى مطلع القرن العشرين شهدت قضية المرأة معركة فكرية كبيرة، فجّرها قاسم أمين من خلال كتابه الشهير (تحرير المرأة)، ثم بكتابه (المرأة الجديدة)؛ وكان لهذين الكتابين أثر كبير على الفكر العربي بوجه عام وقضية المرأة بشكل خاص.. حتى جاء العقاد، وأدلى بدلوه في هذه القضية المهمة.
وأشارت الدراسة إلى أن العقاد تناول قضية المرأة في العديد من كتبه ومقالاته، وقدم في هذه القضية فلسفة عبّرت عن تجربته في الحياة، واطلاعه الموسوعي، ومزاجه وشخصيته، وعوامل نشأته وتربيته.. وأن العقاد بنى هذه الفلسفة على أساس إسلامي معتمدًا على القرآن الكريم، حيث تناول المرأة من ثلاثة جوانب: طبيعتها وأساس تكوينها.. حقوقها وواجباتها في الأسرة والمجتمع.. المعاملات التي تفرضها لها الآداب والأخلاق.
خمسة فصول
وقد جاءت الدراسة مكونة من: مقدمة، وخمسة فصول، وخاتمة. إضافة إلى قائمة المصادر والمراجع.
في المقدمة: عرض الباحث مشكلة الدراسة، وأهميتها، وأسبابها، والدراسات السابقة، وأهدفها، وتساؤلاتها، والإشارة إلى المنهج المستخدم في الدراسة.
وفي الفصل الأول “المرأة في الحضارات القديمة”: أشار الباحث إلى وضع المرأة في الحضارات القديمة، عند الآشوريين والبابليين واليونانيين والرومان.. بجانب وضع المرأة في الحضارة الصينية والهندية والمصرية القديمة، كما ألقى الضوءَ على وضع المرأة في الحضارة اليهودية والمسيحية والإسلام.
وفي الفصل الثاني “المرأة في الفكر العربي الحديث والمعاصر”: تناول الباحث قضية المرأة عند المفكرين العرب من أمثال رفاعة الطهطاوي، محمد عبده، أحمد الشدياق، قاسم أمين.. مبينًا تأثر العقاد بآراء بعض هؤلاء المفكرين.
وأما الفصل الثالث “المرأة في حياة العقاد”: فتناول فيه الباحث المصادر التي استقى منها العقاد أفكاره عن المرأة.. والتي شملت بيئته النفسية والاجتماعية، تجاربه الشخصية، الشريعة الإسلامية، المصادر الغربية.
ثم جاء الفصل الرابع “طبيعة المرأة في فكر العقاد”، ليتحدث عن طبيعة المرأة وخصائصها الجسمية والنفسية، كما جاء في فكر العقاد.
وفي الفصل الخامس والأخير “قضايا المرأة عند العقاد”: عرض الباحث أهم القضايا التي تخص المرأة، بحسب فكر العقاد؛ وذلك مثل: الزواج، تعدد الزوجات، الطلاق، تعليم المرأة، عمل المرأة، حقوقها السياسية.
التعاون لا الشقاق
وفيما يتصل بقضية المساواة بين الرجل والمرأة، وهي قضية أساسية من قضايا المرأة؛ فقد أشار العقاد إلى ملاك العدل والمصلحة بين الجنسين أن تجري الحياة بينهما على سُنَّة التعاون والتقسيم، لا على سُنَّة الشقاق والتناضل بالمطالب والحقوق.. وأن الخلاف بينهما ليس بالخلاف الذي ينفضّ بالصراع على كفاية واحدة يدعيها كلاهما في مقام الخصومة، ولكنه خلاف على كفايتين أيُّهُما أصلح لهذه وأَيُّهما أصلح لتلك، وإن صلح كلاهما لكفاية الآخر في كثير من الأحيان.
ويضيف العقاد: لا جدال في استطاعة الرجل أن يعمل ما تعمله المرأة من تكاليف البيت والأسرة، ولكنه لا يُقضى عليه من أجل ذلك أن يدع الحياة العامة، ليحل في البيت حيث حلت المرأة من قديم الزمن. ولا جدال في استطاعة المرأة أن تشارك الرجل في الحياة العامة، ولكنها لا تتخلى عن البيت من أجل ذلك التزاحم على جميع أعماله، مما يستطيعانه على السواء. وإذا قضى اختلاف الجنسين أن يكون لكل منهما عمله الذي هو أصلح له وأقدر عليه، فالجدال في ذلك محال ذاهب في الهواء.
وخلص العقاد إلى أن الوظيفة المثلى التي تستقل بها المرأة، هي حماية البيت في ظل السكينة الزوجية، وحضانة الجيل المقبل لإعداده بالتربية الصالحة .