إن عنصر التفاعل مع كتاب الله تعالى وسيلة مهمة في حفظ كتاب الله وإتقانه، ولقد كان رسول الله ﷺ – يحب أن يسمع القرآن من غيره، كما صرح هو – ﷺ – بذلك لابن مسعود حين سأله: يا رسول الله أقرأ عليه وعليك أنزل؟ فقال: أحب أن أسمعه من غيري. وقد كان – ﷺ – يتفاعل مع القرآن حتى إن ابن مسعود حين وصل قول الله سبحانه – من سورة النساء – (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا) ( النساء :41) قال ﷺ حسبك، يقول ابن مسعود: فنظرت فإذا عيناه تذرفان .
وأي هوى خير ممن يهوى سماع القرآن، ويعقل ويتدبر وينصت (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَّشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر: 32.
إن من رحمة الله تعالى أن يسر القرآن للحفظ والادِّكار والفهم والتلاوة، فإن شئت أن تكون من حفظة كتاب الله كنت، ولكن لا بد من العزيمة والهمة العالية..
تقوى الله هي الأساس المتين قبل أن تدخل في أسباب مادية أخرى. فالأسباب المادية لحفظ القرآن ليست هي كل شيء في مثل هذه الأمور خاصة، وهذا هو الحسن البصري يشكو إليه رجل ويقول: يا إمام، أعد طهوري، وأنام مبكرا، وأعزم على القيام فما بالي لا أقوم؟! فقال: قيدتك ذنوبك.
وبعد تحقيق هذا الشرط إن كانت لديك مشكلة في الذاكرة فإن الأمر هين ويسير، والتغلب على ضعف الذاكرة ما أيسره وأسهله بشيء من التنظيم والترتيب، وإليك يا أخي بعض النصائح التي أسأل الله أن ينفعك بها لحفظ كتابه:
أولا: لا بد من الالتزام على متخصص حافظ للقرآن، لأن ذلك سيحملك معظم الأوقات على ألا تكسل أو تقصر على الأقل حياء من شيخك، وحفظا لماء الوجه معه. ثم إن ذلك يفيدك في ضمان النطق الصحيح والأداء السليم للقرآن. ولقد أثر عن مشايخنا قولهم: “لا تأخذ العلم من صحفي، ولا القرآن من مصحفي”، أي لا يؤخذ العلم من الكتب دون عالم ، ولا يتعلم القرآن من المصحف دون شيخ حافظ.
ثانيا: قلل من الكم المحفوظ إلى القدر الذي لا يجهدك ذهنيا، فذلك أدعى لحسن حفظ القرآن الكريم وتثبيته في الذاكرة… فإن كنت تستطيع حفظ صفحة مثلا فاحفظ نصفها فقط مع التركيز في الحفظ وكثرة التكرار حتى بعد الوصول للحفظ التام.
ولا تستقل أن تحفظ القليل من القرآن ، ولو آية واحدة يوميا؛ فلأن تزداد كل يوم آية وتتقنها خير من أن تبقى هكذا دون حفظ .. فلا أنت تحفظ جيدا ولا أنت تكف عن المحاولة، وأخشى أن تصل إلى اليأس من نفسك وتفقد الثقة في قدراتك.
وهذا مدخل من مداخل الشيطان ليفسد عليك همتك ويكسر عزيمتك ولقد أوصانا نبينا – ﷺ – فقال: “أحب الأعمال إلى الله – تعالى – أدومها وإن قل”، وقليل دائم خير من كثير منقطع كما يقولون.ولقد عاينت بنفسي وأنا أمارس التحفيظ من يستعجلون فلا يقنعون بحفظ القليل لا يكادون يتخطون الجزء الخامس، أما غيرهم ممن كان يلتزم بالنصيحة ويقلل الكم المحفوظ مع المداومة فقد أتم بحمد الله الحفظ كاملا.
ثالثا: المداومة اليومية وعدم الانقطاع مهما كانت الظروف، وإن لم تستطع الالتقاء بشيخك يوما ما فاستمر في حفظك حتى تلاقيه وتقرأ عليه كل ما حفظت ولتنجح في هذه الجزئية فلا بد من الالتزام بما ذكر في ثانيا.
رابعا: استعن بالكتابة على تثبيت الحفظ. وهذه وصفة مجربة وجيدة وبإذن الله مضمونة.
ولقد كان مشايخنا لا يحفظون إلا على الألواح التي يكتبونها بخط يدهم أمام شيخهم. حتى إننا إلى عهد قريب في الريف كنا نسمي النص المحفوظ بـ “اللوح”. وقد تحتاج إلى تكرار الكتابة لتقوية وتثبيت الحفظ.
خامسا: كثرة السماع للمحفوظ. وأظنك تقوم بذلك – كما ذكرت في رسالتك – لكن قد تحتاج إلى ترشيد. فركز سماعك فيما أنت بصدد حفظه الآن وفيما تم حفظه من قبل للمراجعة والاستذكار.
سادسا: اقرأ ما تحفظه مما سبق، أو مما أنت بصدد حفظه وهو الأولى في صلواتك، فإن كنت إماما قرأت به وإن كنت مأموما قرأت به في السرية، أو قرأت به في النوافل.. المهم أن تستعمل ما تحفظه في صلاتك دائما.
سابعا: التعاهد بالمراجعة المستمرة. وهو في نظري قوام كل ما ذكر سابقا، وهي عمدة الوصايا جميعا، وبها تحافظ على ما حفظت وتضمن بإذن الله ألا ينفلت منك، وقد أوصى بها خير البشر – ﷺ – حين قال: “تعاهدوا القرآن، فإنه أشد تفصيا من الإبل في عقلها.
*الشيخ سمير حشيش