مِن أيـن يبدأ الكـلام –يا سيّدي- وكيـف ينتهِـي؟!
فأنتَ أنتَ فتى الفتيان، وفارس الفرسان!
أنتَ النبيُّ لا كَذِب، أنتَ ابن عبد المطَّلِب!
لقد أرسلكَ اللهُ بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا، وخلَّدَ شريعتك، وأبقى على مر الزمان معجزتك، وأعطاكَ وأهداكَ ما لَمْ يؤتِ أحداً من العالمين؛ فآتاكَ السبع المثاني والقرآن العظيم؛ الذي أعجز الثقليْن، والمحفوظ من التبديل والتحريف! وجعل رسالتك عامة، وشريعتك ناسخة لِمَا قبلها، وأخذ الميثاق على الأنبياء أن يؤمنوا بكَ وينصروك، ويُبشِّروا بك! وختم بك النبوة، وأرسلك رحمةً للعالمين، وصلَّى عليك الله وملائكته، وأمر المؤمنين بالصلاة عليك!
وأكرمك بالإسراء والمعراج، وأقسم بحياتِك! وفرض على الناس طاعتك، وأوجبَ عليهم محبتك! وشرحَ صدرك، ورفعَ ذِكرَك، وأعلى قدرك، وأثنى على خُلُقِك العظيم، وقَرَنَ اسمه باسمك، ووصفك ببعض صفاته العليا، وسمَّاك الرءوف الرحيم، وناداكَ بالنبوة والرسالة، ونهى عن مناداتك باسمك، وجعل طاعتك ومبايعتك طاعةً ومبايعةً لله، واتباعك سبب محبة الله وغفرانه، وأوجب إيثارك بالنفس والمال!
ونفى الإيمان عمن لا يُسلِّم لحُكمِك تسليما، وأعطاك أُمنيتك قبل السؤال، وزكَّاك جملةً وتفصيلا؛ فشرح صدرك للتجليات، وتكفَّل بحفظك وعصمتك، وكفاكَ المستهزئين، ودافع عنك بمختلف الأساليب، ونصرك بإلقاء الرعب في قلوب أعدائك، وأنزل ملائكته لتقاتل معك! ونهى عن التقدُّم بين يديْك بقولٍ أوْ فعل، كما نهى عن رفع الصوت فوق صوتك، أوْ حتى الجهر بالقول في الكلام معك! وجعل طلبك عنده مقبول، وشفاعتك لا تُردّ، وغفر لكَ ما تقدم من ذنبك وما تأخر! واختارك للمقام المحمود، وأعطاك الحوض والكوثر، وخَصَّكَ بالشفاعة يوم الهول الأعظم … فصلاةً وسلاماً يليقان بمقامِكَ يا أبـا الزهــــــراء!!
سلام عليك أبـا القاسِــــم
لقد كنتَ أحلمَ الناس، وأشجعَ الناس، وأعدلَ الناس، وأسخى الناس، وأعفَّ الناس، وأشدَّ الناس حياءً، وأزهدَ الناس؛ فلا يبيتُ عندكَ دينار ولا درهم، وإنْ بقيَ شيء؛ لا تأوِي إلى منزلك حتى تتصدَّق به! ولا تأخذ مما آتاك الله إلاَّ قوتك فقط، وكنتَ تخصِف نعلك، وترقِّع ثوبك، وتخدِم أهلك، وتجيب دعوة الخادم والجارية، وتقبل الهدية ولوْ أنها جرعة لبن، وتكافئ عليها بالمزيد!
ولا تأكل الصدقة، ولا تستنكِف عن إجابة الجارية والمسكين! وتجيب الوليمة، وتعود المرضى، وتشهد الجنائز، وتغضب لربِّكَ ولا تغضب لنفسك! وتنفِّذ الحق وإنْ عاد ذلك عليك بالضرر! وكنت تعصب الحَجَر على بطنك من الجوع، ولا تأكل متكئاً ولا على خِوان، ولمْ تشبع من خبزٍ ثلاثةَ أيام متوالية حتى لقيتَ ربك، إيثاراً منك لا فقراً ولا بخلا. وتمشي وحدك بين أعدائك بلا حارس!
وكنت أشد الناس تواضعا، وأسكنهم في غير كِبر، وأبلغهم من غير تطويل، وأحسنهم بِشْرًا، لا يهولك شيء من أمور الدنيا، وتلبس ما تجد، وتردِف خلفك الخادم، وتركب ما أمكنك، فرساً أوْ بعيراً أوْ بغلة! وتعود المرضى في أقصى المدينة! وتحب الطِّيب، وتُكرِم النساء، وكانت قرة عينك في الصلاة!
ولا يفتر لسانك عن ذِكر الله أبداً. وتؤاكِل المساكين، وتكرِم أهل الفضل، وتتحبَّب إلى الناس بالبر والمعروف، وتصل ذوي رحمك، ولا تجفو على أحد، وتقبل معذرة من اعتذر! وتمزح ولا تقول إلاَّ حقا، وتتبسَّم دائماً وتضحك من غير قهقهة، وتسابق أهلك وتفاكِههم، ولا تترفع عليهم في مأكل أوْ ملبس، ولا يمضي عليك وقت في غير عمل لله تعالى!
وما ضَربتَ بيدك أحداً قط، وما خيِّرتَ بين أمريْن إلاَّ اخترتَ أيسرهما، وما كنتَ فظاً ولا غليظاً، بلْ رحيماً رفيقا، ولا تجازي بالسيئة السيئة، بلْ تعفو وتصفح، وكنتَ تبدأ من لقيك بالسلام، وما أخذ أحد بيدك فترسلها حتى يرسلها الآخر، ولا تنصرِف عنه حتى يكون هو المنصرِف! ولا تحتقر مسكيناً لفقره أوْ مرضه، ولا تهاب مَلِكاً لمُلكِه، وتدعو هذا وذاك إلى الله على السواء! وكنتَ تَعدِل عن الدعاء على الكفَّار إلى الدعاء لهم بالهداية والإيمان، وتقول: اللهمَّ اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون … فصلاةً وسلاماً يليقان بمقامِكَ يا أبـا الزهـــراء!!