من أكثر المشكلات التي يواجهها شبابنا حساسية وتعقيدا، فترة من أخطر الفترات في حياتهم، وهي: المرحلة الأولى للزواج والتجربة الوليدة مع الجنس الآخر في عش الزوجية، لذلك فإن الباحثين عن حلول لهذه الفترة الصعبة، ليسوا من حديثي الزواج فقط، ولكن كان هناك المقبلون على الخطبة والخاطبون والعاقدون.
الحقيقة أن التساؤلات والانشغالات والاستشارات حول هذه الفترة الحرجة من حياة الزوجين متمحورة حول جانبين أساسيين:
- الجانب الأول: الانشغالات الجنسية خاصة المتعلقة بليلة الزفاف.
- الجانب الثاني: الانشغالات الاجتماعية والنفسية التي تنتج عن هذا “الاشتباك” أو “الالتحام” بين رجل وامرأة وجدا نفسيهما فجأة تحت سقف واحد! وعليهما أن يصنعا حياتهما المشتركة معًا ويتقاسما الأفراح والأتراح والمصير.
أولا: الانشغالات الجنسية في السنة الأولى من الزواج
أما الجانب الأول وهو الانشغالات الجنسية، فهي تعكس النقص الشديد في برامج التوعية والتثقيف الجنسي لشبابنا وبناتنا، وغياب المصدر الحقيقي الذي يبث هذه الثقافة بأسلوب شرعي علمي هادئ غير مبتذل إلى الشاب والفتاة. فالأب والأم يهربان من مواجهة أبنائهما في هذه الأمور، والمجتمع المحافظ عمومًا ينظر للجنس على أنه شيء مستقذر أو “قلة أدب” كما قال أحدهم، ثم يفاجأ الشاب بأن عليه أن يواجه هذا الأمر دفعة واحدة، وكذلك الفتاة تفاجأ وعينها في عين زوجها في تلك الليلة أو الليالي الأولى من السنة الأولى زواج مع هذه الأفعال “المخجلة”. هذا الأمر قاد البعض لطلب دليل لمواقع تعليم الجنس، من أجل الاستعداد لليلة زفافه وكيف ينتصر في حربه ضد عدو يجهله! فيما تتساءل فتاة بينها وبين نفسها: أين أضع رأسي ليلة الزفاف؟!
والنتيجة هي الخوف الشديد من الفشل الذي كان مَعلمًا واضحًا في معظم النشغالات، والذي يؤدي إلى تأجيل الزفاف أحيانًا، ربما مع وجود الحب، أو يؤدي لاضطرابات نفسية تصل إلى اللجوء للطبيب وأحيانا المشعوذ، أو يؤدي للفشل بالفعل، والذي يفسره بعضهم على أنه “سحر” أو “ربط”، تبدأ بعد ذلك عملية البحث عن طرق ووسائل فكه والتخلص منه. وفي جانب الفتاة، يجري الحديث عن ما يسمى “سحر الثقاف” الذي يربط البنت لحمايتها من الاغتصاب، وعن وفاة السيدة قبل فك السحر، مما أدى إلى عجز زوجها عن معاشرتها لأن السحر سرى عليه أيضا!!
ورغم التطور التكنولوجي الهائل وما يجري عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لا يزال المتزوجون الجدد يحملون انشغالات قديمة جديدة، فيسألون من الذكر عن الإناث حول الجهاز التناسلي للمرأة، والاستفسار عن بعض الكلمات الغامضة مثل المهبل والبظر والدورة الشهرية، وطرق إشباع الأنثى، وكيف يعرف الزوج أنها قضت وطرها؟ وما هي مظاهر ذلك؟ وهل يوجد قذف للمرأة أم لا؟
ومن الأنثى عن الذكر حول معنى الانتصاب والقذف والدورة الجنسية للرجل.
أما الانشغالات من الجنسين معا فعادة ما تكون حول الأوضاع الجنسية والإيلاج ومواعيد الجماع، وفنون المداعبة وطرق الإثارة.
الزواج لا يبدأ في غرفة النوم
وتبين أن لغشاء البكارة نصيب لا بأس به من الانشغالات والاستفسارات، نظرًا لحجم اللغط الذي يدور حوله، فالبعض يسأل عن الألم الناتج عنه وكيف يمكن تشبيهه؟ أو عن النزف المصاحب له ومقداره، أو عن مدى المقاومة المصاحبة لفضه، أو هل ينبغي أن يتم الفض من المرة الأولى؟
كما أن للتساؤلات الفقهية نصيب أيضًا، ومنها ما يتعلق بجماع الحائض والجماع في الدبر، ولعق الفرج، وغيرها.
وسط كل هذا الظلام والبعد عن الدين وقلة المعرفة والجهل أحيانا، يجب علينا أن نوضح أن هذه المواضيع الشائكة والانشغالات العويصة ما هي إلا مجرد فطرة وغزيرة وليس معضلة أو معركة، فالجنس لا يبدأ في غرفة النوم وإنما هناك تمهيد، فهو يبدأ من النظرة الأولى، ثم التقارب العاطفي والعائلي، ثم تبادل الكلام والأفكار بحرية وصراحة، قبل الوصول إلى المرحلة الجنسية.
للحوار والصراحة أهمية كبيرة، وأهمية تعبير كل طرف للآخر عما يريده ويسعده في هذا الشأن، فالجنس ليس شيئا مخيفا أو مستقذرًا، رغم ما يحيط به من أساطير ومفاهيم مغلوطة.
ثانيا: الانشغالات الاجتماعية والنفسية في السنة الأولى من الزواج
أما ما يتعلق بالانشغالات الاجتماعية والنفسية والوجدانية فقد تنوع صورها.. ذلك أن أحد الطرفين مثلا قد يشكو عدم حبه للآخر أو عدم حب الآخر له، وعدم الاهتمام به، أو يشكو كثرة الخلافات لأبسط الأسباب، أو اختلاف الطباع، أو أنه يعطي كثيرًا ويأخذ قليلا، وأنه كان يتمنى أن يكون الطرف الآخر أكثر تميزًا أو التزامًا، وأن عيوبه انكشفت ومميزاته تقلصت، مع أول سنة زواج.
البعض الآخر يتساءل عن الغيرة والشك، وآخرون يتساءلون عن المشكلات بسبب تدخلات الأهل، ومنهم من يتحدث عن البرود العاطفي أو العصبية، وأحيانا كانت الانشغالات عامة مثل: ما هي علاقات الاحترام بين الزوجين؟
والحقيقة هناك أسس رئيسية لنجاح العلاقة في هذه المرحلة الحرجة، أولها: أننا عندما نختار للزواج ينبغي أن نبحث عن “سلبيات” الطرف الآخر التي يمكننا احتمالها قبل أن نبحث عن إيجابياته التي نتطلع إليها؛ لأنه لا وجود للإنسان الكامل، ولأن الزواج ليس نزهة بل هو مسئولية ورسالة.كل امرئ يستطيع أن يختار من الصواب والخطأ، ولكن الصعب هو أن يختار أخف الضررين أو أعلى المصلحتين.
السنة الأولى للزواج مفترق طريق
السنوات الأولى للزواج هي مفرق طرق، إما أن تمر بسلام نحو المزيد من الاستقرار والتأقلم، وإما أن تؤدي إلى شروخ لا علاج لها أو تنتهي بالانفصال. وأهم ما يأخذ بيد الطرفين نحو الاستقرار هو المرونة والصبر والتفاهم والحكمة والمصارحة والرحمة، وتحمل المسئولية والاستعانة بالله من قبل ومن بعد.
وعموما، فإن المشكلات أو الانشغالات التي أتينا على ذكرها هي غيض من فيض، هي مجرد أمثلة بسيطة، لأنه كلما شهدنا تطورا على مستوى العصر، شهدنا أيضا زيادة في الأسئلة والانشغالات، ومع ذلك لا يزال المتزوجون الجدد يطرحون أسئلة إجاباتها معروفة منذ قرون، وأسئلة إجاباتها متوفرة في كل مكان، خاصة مع التطور الرهيب لوسائل التواصل الاجتماعي، ومحركات البحث التي لا تزال إلى اليوم تستقبل نفس الأسئلة.
لذلك فمن جانبنا – بل ومن واجبنا- أن نساعد جمهور الإنترنت على الأقل للإحاطة بكل ما يبث من غث وسمين، حتى يتمتع شبابنا بآلية البحث الصحيح عما يريد من حلول لمشكلاته في سنته الأولى من الزواج، وكما يقولون: ما لا يدرك كله لا يترك كله، فلعلنا نكون قد غطينا جانبا لا بأس به مما يطرح من انشغالات. ففي ظل الثورة التقنية الهائلة، ومع التطور الخطير واللافت الذي تعرفه التكنولوجيا وفي مقدرمتها شبكات الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي كأداة غير ثانوية للتوعية والاتصال بل وللتفاعل أيضا، ومع التطورات الثقافية والاجتماعية السريعة التي شهدتها العقود الأخيرة.. لم يعد ترفا أبدا أن نسعى حاملين صراحة الإسلام الذي يجمع بين فقه الواقع وقواعد الدين.