أمريكا اللاتينية التي تتربع على مساحة21 مليون كم مربع، ويبلغ عدد سكانها حوالي 600 مليون نسمة، هي قارة يمتد تاريخ الإسلام فيها إلى عدة فترات تاريخية، بعضها واضح وموثق وبعضها يكتنفه الشك والغموض، عن طريق هجرتين إحداهما قديمة من الأندلس وعبر تهجير الأفارقة والأخرى حديثة من الشام في عهد الخلافة العثمانية أواخر القرن التاسع عشر.
من بين دول أمريكا اللاتينية، جمهورية “سورينام”، التي لا يعرف الكثيرون أنها عضو في منظمة التعاون الإسلامي منذ 1996، وهي دولة تقع في شمال القارة، على حدود “غيانا الفرنسية” شرقا البرازيل جنوبا والمحيط الأطلسي شمالا. وتعتبر سورينام من أصغر الدول ذات السيادة، من حيث مساحتها التي لا تتجاوز 165 ألف كيلومتر مربّع وعدد سكانها البالغ 470 ألف نسمة والمتنوعون في العرق واللغة والدين (27% هندوس، 20% مسيحيون كاثوليك 19% مسيحيون بروتستانت 20% مسلمون.. والباقي من أتباع الديانة الكونفوشيوسية ومذاهب أخرى) ويعيش أغلب سكان سورينام في 20% من أرضها فقط، بالقرب من سواحل الأطلسي، حيث أن ما يقارب من 80% من مساحتها تتألف من الغابات الاستوائية. كما ينطق أكثر من 60% من أبناء سورينام اللغة الهولندية، بحكم أنها مستعمرة هولندية قديمة.
عبيد وعرب ومشاهير
وتؤكد الباحثة الإسبانية المعروفة إيزابيل ألفيريس دوتوليدو في كتابها “من إفريقيا إلى أمريكا” بالحجج الموثقة، أن مؤسس دولة المرابطين عبد الله بن ياسين، عبر المحيط الأطلسي، ووصل إلى شمال البرازيل، وغينيا، ونشر الإسلام مع أتباعه فيها، وهذا دليل على وصول الإسلام إلى أمريكا اللاتينية في تلك الفترة، وأن الاسلام سبق اكتشاف كولومبوس لها، ويعترف هو شخصيا، أن المسلمين كانوا موجودين، ولغتهم العربية، ويصلون باتجاه القبلة.ومما يشهد على ذلك ما وجد من مساجد قديمة شمال البرازيل وبالتحديد في مدينة “باهيا”، وإن كانت هذه الفترة تتميز بالغموض وقلة المعلومات.
كم ساهمت الهجرات الحديثة خاصة من سوريا ولبنان وفلسطين في الاندماج والذوبان داخل المجتمعات اللاتينية، حتى ظهر منهم قادة معروفون من أصول عربية أمثال السوري “كارلوس منعم” رئيس الأرجنتين السابق، و اللبناني”عبد الله بوكرم” الرئيس السابق للإكوادور.
تصل نسبة المتعلمين في سورينام إلى 95% من مجموع السكان، ونسبة الأمية بين الكبار لا تتعدى 5% فقط. كما يوجد في سورينام تنوع عرقي ولغوي، حيث تتكون التركيبة البشرية فيها من 46% من الكريول، وهم سكان البلاد الأصليون، و34% من أصول هندية آسيوية و2% هنود حمر، و2% صينيون و2% أوربيون، إضافة إلى أقليات من البلدان العربية، وخاصة من لبنان.
وقد حازت سورينام على استقلالها من هولندا عام 1975، لذلك يُلاحظ أن عددا كبيرا من لاعبي المنتخب الهولندي لكرة القدم أتوا من أصول سورينامية مثل: فرانك ريكارد، ورود خوليت، وإدجار ديفيدز، وباتريك كلويفرت، وكلارنس سيدورف.
ومع أن اللغة الرسمية لسورينام هي الهولندية إلا إن كل فئة من المسلمين ترتبط غالبا بلغتها الأم. فالأندنوسيين وهم الذين يعملون في زراعة الأرز متمسكون بلغتهم وعاداتهم في حين أن الفئة الهندية تتمسك بلغتها الأوردو، وهي تعمل في التجارة وتسكن المدن الرئيسية بسورينام بينما الأفارقة الذين يعملون في المناجم غالبا يتكلمون لغاتهم الخاصة بهم.
إسلام على طريقة سورينام
كانت سورينام من بين الخلايا الأولى للمسلمين في أمريكا اللاتينية، ففي زمن الاستعمار الهولندي تم جلب العبيد ليعملوا في مزارع قصب السكر والبن والشاي وحفر الآبار وتعبيد الطرقات، وشكل هؤلاء العبيد بداية انتشار الاسلام في سورينام، خاصة وأن أغلبهم كانوا من حفظة القرآن الكريم، لكن الاستعمار الهولندي قمعهم، وظلمهم، فثاروا بقيادة أحد المسلمين الزنوج، واتجهوا إلى أحد الغابات المحصنة، واستمرت الصدامات بينهم، حتى نالوا الاستقلال عام 1863، وأصبحوا يعرفون باسم زنوج الغابات جيوكا.
وكان المسلمون الأوائل في سورينام ملتزمين باللباس الإسلامي، والعادات الإسلامية بما في ذلك الابتعاد عن الخمر،أو أكل لحم الخنزير. وبالإضافة إلى العمال الهنود والأفارقة فقد ساهم المهاجرون السوريون واللبنانيون والإندونيسيون في نشر الاسلام في سورينام عندما هاجروا للعمل فيها في القرن التاسع عشر.
وتشير بعض المراجع إلى أن نسبة الإسلام في سورينام حاليا تصل الـ 35%، فيما يرى تشير مصادر أخرى إلى أن نسبتهم لا تتعدى الـ20%، لكن مع كل ذلك تكون جمهورية سورينام أكثر دولة بين دول أمريكا اللاتينية جميعها، من حيث نسبة السكان المسلمين، حيث يصل تعدادهم إلى حوالي 110 آلاف مسلم منهم 75 ألف إندويسي و30 ألف هندي وباكستاني وبضعة آلاف من الأفارقة ومن السوريناميين ممن دخلوا في الدين أخيرا.
ولكن، على الرغم من أن متبعي الاسلام في سورينام هم الأكثر عددا في أمريكا الجنوبية، إلا أنهم طوائف متفرقة، ولا يشكلون مجتمعا حقيقيا، كما أن الطوائف في نزاع دائم، ولا يوجد علاقات تعاون بينهم، وكل مجموعة تدعي أن الحق معها، وتتهم الآخرين بأنهم على ضلال، وكل مجموعة مهاجرين لديها مؤسسات إسلامية مستقلة، جمعيات دينية هندية، وأخرى باكستانية، وعربية، وإفريقية، وسورينامية، وهذا ينعكس سلبا على الاسلام في سورينام حيث تمنع هذه الممارسات من تكوين مجتمع للمسلمين، ولولا هذه الاختلافات لأصبح الاسلام في سورينام دين الأغلبية. فعدد المساجد في سورينام يزيد عن 150 مسجدا، لكنها لا تقوم بدورها في نشر الاسلام بسبب التفرقة بين الطوائف والمذاهب التي تصل أحيانا إلى التضارب والقتال.
وتقول بعض المراجع أن أخطر ما يهدد الجالية الإسلامية في سورينام هو نشاط القاديانيين الذين يبلغ تعدادهم ستة آلاف وقفوا حائلا دون توحيد المسلمين وذلك عندما تشكلت جمعية سورينام الإسلامية سنة 1367هـ وكانت تهدف للقضاء على التعصب المذهبي بين الأحناف والشافعية غير أن القاديانيين قد تسللوا إلى هذه الجمعية وبدؤوا بنشر الدسائس والتآمر حتى فشلت تلك الجمعية وفشل معها مشروع الوحدة التي تمثل أكبر مشكلة يتعرض لها المسلمون بتلك البلاد النائية.
ومما يزيد في الصورة قتامة وجود مجموعة كبيرة من المسلمين في “سورينام” انضموا تحت جمعية تسمى (المغربين) يصلون إلى اتجاه الغرب، باعتبارهم لما كانوا في اندونيسيا كانوا يصلون إلى اتجاه الغرب! ولهم مساجد كثيرة بنيت على هذا الأساس..!
كما أن الجانب اللغوي يعتبر مشكلة أساسية في توحيد الجالية المسلمة وتوحيد مشاعرها وأفكارها، ولولا هذه المشكلة لأصبح الإسلام دين الأغلبية بسورينام خاصة وأن المسلمين لهم مركز كبير وثقل واضح في الحياة العامة بكل وجوهها .
ويرى المتتبعون لأوضاع هذا البلد الصغير، أنه نظرا لهذه الأسباب وغيرها، فإن الأقلية المسلمة في سورينام بحاجة تلك إلى الأئمة والمعلمين والوعاظ لتنشيط الدعوة الإسلامية هناك حيث الأجواء مهيئة وصالحة. فقد عرفت سورينام الإسلام منذ القرن الخامس الهجري عندما هاجرت إليها جماعات مسلمة من غرب أفريقيا. واستقروا في البلاد وأسسوا العديد من المساجد الصغيرة التى بنيت وفقا للطراز المعمارى البسيط الذي انتشر في شبه الجزيرة العربية في عصور الإسلام الأولى. وقد عثر علماء الأثار هناك على مسجد بسيط مربع الشكل في منتصف مدينة ” براما – ريبو” العاصمة الحالية، يعود تاريخ بناءه إلى القرن السادس الهجري .