جاء في حديث النبي ﷺ عن سبعة يظلهم الله في ظله ، يوم لا ظل إلا ظله ” وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل ”. الحديث أخرجه البخاري في كتاب الآذان حديث ( 660) ومسلم ( 1031 ) .
قوله ﷺ : ” سبعة يظلهم الله في ظله ، يوم لا ظل إلا ظله ” أي : في ظل عرشه ، كما في الرواية الأخرى عن سلمان رضي الله عنه ،عند سعيد بن منصور ، كما في الفتح (2/ 121).
وأيضا : حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: ” إن المتحابين في الله في ظل العرش ، يوم لا ظل إلا ظله ” رواه أحمد والحاكم وابن حبان وصححه ، وكذا الألباني في صحيح الجامع (1937) .
وقيل المراد بظله : كرامته وحمايته ، كما يقال : فلان في ظل الملك ، وهو قول عيسى بن دينار وقواه عياض . وقيل : إضافة تشريف . والأول أولى للنص عليه .
وهم سبعة أصناف كما في الحديث ، وليس سبعة أشخاص ، وهم أيضا أكثر من سبعة ، والعدد المذكور لا يدل على الحصر ، ولا على أن غيرهم لا يحصل له ذلك ، فإنه قد صح عن النبي ﷺ قوله : ” من أنظر معسراً أو وضع عنه , أظله الله في ظله , يوم لا ظل إلا ظله “. أخرجه مسلم من حديث أبي اليسر الأنصاري رضي الله عنه .
وقد جمعهم الحافظ ابن حجر في رسالة سماها : ” معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال ” . وللسيوطي أيضا كتاب اسمه : ” تمهيد الفرش ، في الخصال الموجبة لظل العرش “.
وفي هذا الحديث بيان فضل هؤلاء السبعة يوم القيامة ، وهو أنهم في ظل الله تعالى لهم في ذلك اليوم , يوم لا ظل إلا ظله ، فليس للناس ما يستظلون به من حرِّ الشمس ، وكرب ذلك اليوم ، إلا من وفقه الله بنيل صفة من هذه الصفات الكريمة ، فيحصل له الظل في ذلك اليوم الطويل ، يوم القيامة ، الذي قدره كما قال الله تعالى عنه : { تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } ( المعارج :4) . وقال سبحانه عن هوله وكربه { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } ( الحج : 1 ) . وقال { فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً } ( المزمل :17) .
وتدنو الشمس في ذلك اليوم من الخلائق جدا ، فعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال النبي ﷺ : ” تُدنى الشمس من الخلائق حتى تكون منهم بمقدار ميل ، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق ، فمنهم من يكون العرق إلى كعبيه ، ومنهم من يكون إلى ركبتيه ، ومنهم من يُلجمه العرق إلجاما ” رواه مسلم .
وفي الصحيحين : من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال ﷺ : ” يعرق الناس يوم القيامة ، حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً ” . فالسعيد من نال الظل في ذلك اليوم .
أما قوله : ” وشابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَة اللّه ” فمعنى نَشَأ : نبت وابتدأ حياته في عبادة الله منذ صغره .
وخصَّ الله تعالى الشاب دون الصغير أو الكبير في السن ؛ لأن الشاب مظنة غلبة الشهوة ، وقوة الهوى ، وحب اللهو واللعب ، فملازمة العبادة مع ذلك يدل على قوة الإيمان والتقوى في نفسه .
قال المباركفوي رحمه الله : ” ( نَشَأَ ) أي نما وتربى ( بعبادة الله ) أي : لا في معصية ، فجوزي بظل العرش لدوام حراسة نفسه عن مخالفة ربه ” [ انظر تحفة الأحوذي ] .
ولا يعني هذا خلوه من الذنب مطلقا ، فإنه لا عصمة إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فلا يوجد مسلم بلا ذنوب أبدا ، شاباً كان أو غير ذلك ، لأن بني آدم خطاؤون لا محالة ، كما قال النبي ﷺ : ” كل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ” رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة من حديث أنس رضي الله عنه.
وفي صحيح مسلم : من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : ” والذي نفسي بيده ، لو لم تذنبوا ، لذهب الله بكم ، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ” .