قبل الحديث عن زكاة شجرة الزيتون ، نذكر بهذه الشجرة الطيبة المباركة التي ثبت بركتها في القرآن الكريم وأحاديث المصطفى ﷺ، ويكفيها بركة أن الله تعالى قرن ذكر بركتها مع ذكر نوره سبحانه وتعالى، قال الله عز وجل: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ النور: 35.
ولم يتوقف الأمر هنا في القرآن الكريم بل إن الله عز وجل زادها شرفا وبركة بأن أقسم الله سبحانه وتعالى بهذه الشجرة المباركة قسماً انفردت به هذه الشجرة من النباتات مع قرينتها في الذكر -شجرة التين- عندما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ﴾ التين: 1، والعظيم لا يقسم إلا بعظيم؛ لأجل ذلك اكتملت بركتها وعَليَ قَدرُها وعَظُمَ شَأنُ هذه الشجرة المباركة التي تزرع وتشتهر في أرضنا المباركة أرض بيت المقدس، فاجتمعت البركتان: بركة الأرض وبركة الشجرة لتخرج لنا زيتاً مباركاً يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار.
ومما زاد هذه الشجرة نوراً وبركة أن اسمها سُطِّرَ في أكثر من موضوع في السنة النبوية المطهرة متبوعاً بالبركة أيضاً، قال رسول الله ﷺ: ((كلوا الزيت وادَّهنوا به؛ فإنه يَخرج مِن شجرة مباركة)) رواه الإمام أحمد وحسنه الألباني، وفي حديث آخر قال رسول الله ﷺ: ((ادَّهنوا بالزيت، وَأْتَدِموا به؛ فإنَّه مبارك)) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وهذه الشجرة المباركة التي تتميز عن مثيلاتها من الأشجار بأنها تحمل ثمارها عاماً كاملاً حتى تخرج لنا ثماراً ناضجةً يانعة وقد استوت على سوقها، وقد تَعلَّمنا من هذه الشجرة المباركة الخير والعطاء والبَذل دون مقابل، وهي ذاتها التي تربينا منذ الصغر على أحد الأمثال الذي يتحدث عنها فيقول: “زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون”، والمقصود بهذه الكلمات من المثل: أن شجرة الزيتون كما هو معلوم تُثّمِرُ بعد زراعتها بفترة من الزمان، وقد اعتاد أجدادنا على زراعة أشتالها وهم كبار السن وعندما سئلوا عن الحكمة من زراعتها رغم أن ثمارها ستنضج بعد سنين من الزمن وقد لا يكتب لهم على هذه الأرض البقاء، قالوا هذه العبارة التي يملؤها الخير والعطاء، ويحذوها البذل والإنفاق: “زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون”.
أولاً: وجوب الزكاة في الزيتون:
وفي هذه الثمرة المباركة حق كما هو الحق الواجب في كل الثمار، ألا وهو حق الزكاة كما قال الله تعالى: ﴿ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ (الأنعام/141).
أما وجوب الزكاة فيها ففيه خلاف عند الفقهاء وقد ذهب لوجوبه أبو حنيفة ومالك والشافعي في قوله القديم وفي رواية عند الإمام أحمد، وعلَّلوا ذلك بأنه يمكن ادخار غلته (الزيت) فأشبه التمر والزبيب. أنظر “المجموع” (5/437) ، “المغني” (2/295) ، “الإنصاف” (3/88).
وقد أقر مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين وجوب الزكاة في شجرة الزيتون في جلسته المنعقدة بتاريخ (20/10/1997) تحت قرار رقم (2/15).
ثانيًا: نِصاب زكاة الزيتون:
ونصاب الزيتون الذي تجب فيه الزكاة خمسة أوسق عند الجمهور، بدليل قوله ﷺ: (لَيْسَ فِيمَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ) رواه البخاري ومسلم.
والوسق يساوي: ستون صاعًا، والصاع يساوي (2,035 إلى 2,6) كيلو غرام، وقد حدد مجلس الإفتاء الأعلى مقدار النصاب في زكاة الزيتون بـ (653) كيلو غرام من حب الزيتون،
والمعتبر في الزكاة هو وزن الزيتون حباً وليس الزيت، قال النووي رحمه الله: “إن قلنا بالقديم أن الزكاة تجب في الزيتون… يعتبر النصاب زيتونًا لا زيتًا، هذا هو المذهب، وبه قطع القاضي حسين والجمهور، ونقل إمام الحرمين اتفاق الأصحاب عليه”. “المجموع” (5/ 454).
ثالثاً: الأفضلية في الإخراج:
الأفضل في زكاة الزيتون أن نخرجه زيتاً، وإخراجه من الحب جائز، قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: “إن أخرج زيتونًا جاز؛ لأنه حالة الادخار، قال: وأحب إن أخرج عُشْرَه زيتًا؛ لأنه نهاية ادخاره. النووي في “المجموع” (5/ 434) ووجه الأفضلية في إخراجه زيتا، لأن الزيت من المؤونة وهي أنفع للفقراء وأفضل للادخار، أما إذا كان الزيتون مما لا زيت له فإنه يخرج الزكاة من الحب إذا بلغ النصاب.
رابعاً: مقدار الزكاة الواجبة في الزيتون:
مقدار الزكاة الواجبة في الزيتون هي العشر (10%) إذا كان يُسقي بماء السماء، ونصف العُشر (5%) إذا سقي بماء الريّ، أي من مال المالك، وإذا سُقيَ نصفَ حَاجَتِهِ بماءِ المَطَرِ، والنِّصْفَ الآخرَ بأُجرةٍ وتكلُفةٍ؛ فالواجبُ ثلاثةُ أرباعِ العُشرِ (7.5 %) وإذَا سُقيَ بأحدِهِما أكثرَ مِنَ الآخرِ فالحكمُ للأكثرِ.
وذلك سواءً كان المخرج زيتًا أو زيتونًا، وذلك لقول الرسول ﷺ:(فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِي بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ) رواه البخاري.
بعض المسائل المتعلقة بزكاة الزيتون:
– زكاة الزيتون لا بد فيها من النصاب ولا يلزم فيها حولان الحول.
– لا يجوز إبدال الزيتون بالزيت، بل لا بد من إدخال النقد في مبادلتهما كي لا يقع الربا؛ لأنَّ الزيتون أصل للزيت، ولا يجوز مبادلة الجنس الواحد من الطعام مع التفاضل بينهما.
– الأولى والأفضل أن تُخرج الزكاة من جنس المزكّى، ويجوز إخراجها نقدًا؛ تيسيرًا على الناس، وتحقيقًا لمصلحة الفقراء، كما هو مذهب الحنفية.
– لا يجوز بيع الزيتون على الشجر إلا بعد بُدُوِّ صلاحه واشتداد حبِّه، وتجب الزكاة في هذه الحالة على المالك وحده؛ لأنَّ الزكاة تجب في الزيتون عند انعقاد الثمر، وهو قد انعقد عند المالك.
– إذا باع المالك الزيتون بعد بدو صلاحه فالواجب استثناء مقدار الزكاة من الصفقة أو تنبيه المشتري على ذلك كي لا يقع النزاع.
– إذا أخذ صاحب المعصرة الربع أو الخمس مقابل عمله ، فليس عليه زكاة فيه ، لأنه وقت وجوب الزكاة في هذه الثمرة (وهو وقت صلاحيتها للأكل) لم تكن ملكاً له ، وإنما كانت ملكا لصاحب الشجر .
– يجبُ علَى المُزكّي أَن يُخرج الزَّكاة عَن جَميع المَحْصُول، فلا تُخصَم النفقات المتعلقة بِسَقْي الشجر مُطلقاً، فقد رُوعيت في المِقدارِ الواجِب إخْراجه، بِتَخْفيفه إلَى النّصف، وأمَّا النفقات المُتعلّقة بِشِراء السَّماد والمُبيدات لوقَاية المَحصولِ من الآفات، ومؤنَة الجُذاذ والحَصاد، فَيَجُوز خَصمها مِن المَحصُول قبل حِساب النِّصَاب، عَلَى الرَّاجح من أقوال أهل العلم.
– لَا يجُوز بَيْع الزّيْتون علَى الشَّجر (المُسَمَّى فِي بِلادِنَا بالضَّمَان) إلاَّ بعد بدُوّ صلاَحه، واشتداد حبِّه؛ لِيَأمن الآفَة غالِباً، وتَجب الزَّكَاة فِي هذه الحالَة عَلَى المَالك وَحْدَه؛ لأَنَّ الزَّكَاة تَجِب فِي الزَّيْتونِ عند انعِقَاد الثَّمر، وقَد انْعقَد عِند المالك؛ فوجَبَت الزَّكَاة فِي حقّه، وبِناء عَلَيه فيجب عَلَى المالك أن يَستَثنِي مقْدَار الزَّكَاة من الصَّفْقَة فلَا يَبِيعه للمُشْترِي (الضَّامِنِ)، أوْ يخْرِج زكَاة زيْتُوِنه بِالقِيمة، إِذَا باعه (للَّضَّامِنِ) كَاملاً، وأمَّا المشتري فعليه زكاة عروض التجَارة في نهايَة الحَوْل.