القرآن الكريم شفاء القلوب ولقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم ومعه السنة المطهرة، والقرآن هو رسالة الله للبشرية، وكلامه المقدس الذي هدى به الناس، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وأعجز به العالم وأغلق أفواه الطاعنين بفضل رصانته ومتانته وجمال نظمه وعظيم آياته. هو نور الله الذي نستهدي به في الأرض حتى لا نضل الطريق. معجزاته لا تنتهي وآياته في تجدد دائم. شهد له الناس في مشارق الأرض ومغاربها بالتميز والإعجاز.
وكم من حقائق اكتشفها الناس ثم وجدوا القرآن قد سبقهم إليها بمئات السنين. وكم من أسرار في الكون أشار الله إليها في آياته البينات قبل أن يصل اليها البشر أو حتى يعلموا بوجودها. ومع كل هذا الإعجاز نجد القرآن مكسوًا بحلة الجمال الأدبي والبلاغة الربانية والإعجاز اللغوي. قال تعالى:”وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ۖ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ” (فصلت: 44).
القرآن الكريم: رسالة الله للبشرية
آياته كريمة بكرم قائلها، ومهيبة بعظمته وجلاله. فلا أحد ينكر سحر بيانه حتى ولو كان كافرًا. ولا أحد ينكر حقائقه العلمية التي أدهشت العلماء والباحثين. هو أيضًا دليل المستخدم للبشرية الذي يرشدهم لكيفية استخدام أعمارهم وأموالهم وأنفسهم حتى تسهل عليهم الحياة ويصلوا إلى جنة الخلد التي هي دار السلام والخلود. قال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ” (يونس: 57).
في القرآن أوامر الله وتعاليمه التي نأتمر بها ونستهدي بهديها ونقيم بها العدل والخلافة على الأرض. فكم من ضال بعيد عن القرآن تاه الطريق وأصابه اليأس والاكتئاب، وأظلمت عليه الحياة بأوجاعها وآلامها. فإن رُفع عنا القرآن، فأين نذهب؟ وماذا نفعل بحالنا؟ وكيف سندبر أمورنا؟ وكيف سنتعايش مع بعضنا البعض؟ ما الذي سيحفظ لنا حقوقنا ويهذب لنا أخلاقنا ويشفي لنا قلوبنا؟
تلك القلوب التي كانت حائرة حتى وجدت كلام الله، فأصبحت متعطشة لحبه وملاقاته، ولكن لا سبيل لذلك؛ حيث قضى الله ألا نراه في هذه الحياة الدنيا. ولكنه أرسل لنا سراجه المنير الذي نور حياتنا، وحبله المتين الذي نتمسك به ونتصبر حتى نلقاه يوم موتنا. ونسأل الله أن يكون ذلك هو أسعد أيامنا. وأن يحشرنا في زمرة حفظته إلى أعلى الجنان، حيث نلقاه وننظر إليه دون حجاب، ونمتع أبصارنا برؤيته وهو ضاحك إلينا وراضٍ عنا. فنبرد أشواقنا التي أرقت ليلنا وخالطت نومنا ويقظتنا. تلك الأشواق التي لا تنتهي إلا بالموت والنجاة. إنها أشواق من وراء الخوف والحياء مما فعلت أيدينا. ونعوذ بالله أن نكون من المحرومين؛ الذين لن يروه ولن ينالوا الأمن منه.
إن هذا خوف لا ينتهي ما دمنا أحياء، خوف من الرفض والإبعاد، ومن الذل والخسران، ومن المعاصي والتقصير. فليس لنا إلا القرآن يطبب قلوبنا ويكبح من أشواقها ومخاوفها. إنه كلام رب العالمين الذي يُطرِب الأسماع وتسري آثار آياته في أرواحنا بموجات عذبة سلسة، تهدئ أعصابنا وتسكِّن جروحنا وأحزاننا، وتشفي أسقامنا. قال تعالى: “وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ” (الإسراء: 82).
شفاء القلوب بالقرآن الكريم
نعم، هو كذلك… شفاء ورحمة للمؤمنين. فكم من ساعات عصيبة تمر بنا ولا ييسرها أو يجبرها إلا كلام الرحمن؛ الذي يرحم عباده ويلطف بهم ويخفف عنهم ويواسيهم في وحدتهم وآلامهم. قال ﷺ:
يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليّ بشبر تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إليّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة” (رواه البخاري).
فكم يواسينا هذا الحديث ويدخل السرور على قلوبنا ويُخجل تواضعنا. فالله تعالى بقدر جلاله يذكرنا إذا ذكرناه، ويتقرب إلينا إذا تقربنا إليه، ويأتينا هرولة إذا أتينا مشيًا. يا ربي ما أعظمك وأحلمك بنا وأصبرك على جهالاتنا وتقصيرنا وهفواتنا. فأنت ملك الملوك الذي يسجد له من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا؛ ونحن لسنا إلا أفرادًا من خلقك الذي خلقت منه ما لا يتسنى لنا عده أو حصره. نحن لسنا إلا بشر لا نقدر حتى على إطعام أنفسنا إن لم تتطعما، ولا نقدر على السمع إن لم تسمعنا، ولا على الإبصار إن لم تبصرنا. نحن لا نقدر على شيء إلا بحولك وقوتك.
اعترفنا لك بالتوحيد والوحدانية، وبالقدرة والإبداع، وبالعظمة والجلال. ونعلم أنك قادر على إهلاكنا بما كسبت أيدينا. فنسألك يا الله أن تعفو عنا وترحمنا إذا أتانا ملك الموت، وأن تثبتنا عند السؤال إذا سألنا الملكين، وأن تنور قبورنا إذا صرنا إليها واستقرينا تحت ترابها.
يا رب آنسنا فيها بكلامك كما أنستنا به فوق الأرض، واجعلها روضة من رياض الجنة ونعيماً من نعيمها. واجعل القرآن الكريم رفيقنا فيها وأنيسنا وجليسنا؛ عندما يتركنا الأحباب ويلقون على وجوهنا التراب ثم ينصرفوا وينسوا أمرنا ومآلنا. ولا يبقى لنا فيها إلا أعمالنا وكلامك الذي رتلناه وتنعمنا بسماعه في الدنيا، وكان البلسم الشافي لقلوبنا. قال تعالى: “وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ” (الأنعام: 94).
نعم، سنرجع فرادى، وحيدين مستوحدين؛ لا أم ولا أب ولا زوج ولا ولد. لا بيت ولا أهل ولا مال. لا حاسوب ولا هاتف ولا إنترنت. لا شيء على الإطلاق سوى كفن وعمل إما يهلكنا أو ينجينا بفضل الله. ونسأل الله تعالى أن نكون من الناجين وليس الهالكين.