صدرت الترجمة العربية لكتاب “فن الترجمة” لألبرتو مانغويل ويتناول الكتاب رؤية فريدة لعالم الترجمة، مستندًا إلى أفكار المؤلف التي تمزج بين الأدب والفلسفة واللغة، مسلطًا الضوء على الدور الذي يلعبه المترجم في إعادة بناء النصوص عبر اللغات والثقافات.

كتب مانغويل “فن الترجمة” بأسلوب أدبي يعكس تفكيره العميق، مستخدما استعارات فلسفية ولغوية لتعبر عن أفكاره، وساعدت النسخة العربية التي أنجزها مالك سلمان في نقل الروح الأصلية للنص، وبرزت كعمل أدبي في حد ذاتها، يسعى إلى تقديم نص يحافظ على عمق المفاهيم دون فقدان للمعنى. النسخة العربية من الكتاب جاءت عن دار الساقي في بيروت، وبترجمة من مالك سلمان.

من هو ألبرتو مانغويل ؟

مؤلف الكتاب هو الكاتب الأرجنتيني – الكندي ألبرتو مانغويل والمعروف بكتاباته الموسوعية التي تجمع بين التاريخ والأدب والفلسفة حاز على عدد من الجوائز الأدبية وتتصدر كتبه قائمة الأكثر مبيعا حول العالم. ولد مانغويل في الأرجنتين ونشأ في بيئة متعددة اللغات، مما ساهم في تشكيل وعيه باللغات والثقافات المختلفة، وانعكس ذلك على اهتماماته العميقة بعوالم القراءة والترجمة.  من أبرز مؤلفاته : “تاريخ القراءة”، “ذاكرة القراءة” ، ” شخصيات مذهلة من عالم الأدب ” و”الفضول”.

يشغل ألبرتو مانغويل منذ 2020 منصب مدير البحوث حول تاريخ القراءة (Espaço Atlântida) في البرتغال، ويُعدّ من الكتاب المعاصرين الذين أثروا الساحة الثقافة على مستوى العالم.

ما الجديد في “فن الترجمة” ؟

 “فن الترجمة” ليس كتابًا تقنيًا عن كيفية الترجمة، بل هو استكشاف فلسفي لمفهوم الترجمة ودورها الثقافي. يرى مانغويل أن الترجمة هي أكثر من مجرد تحويل لغة إلى أخرى، إنها شكل من أشكال القراءة العميقة، وإعادة خلق للنص، مما يجعلها “الشكل الأسمى للقراءة”.

يتطرق مانغويل إلى سؤال معقد حول ما إذا كانت هناك ترجمة صحيحة خالية من الأخطاء حيث يرى أن الترجمة المثالية غير موجودة، وبالتالي فهي عرضة للتفسير والاختلاف. كما يشير مانغويل إلى أن كل نص مترجم يحمل بصمة المترجم، الذي يعيد تأويل النص الأصلي من خلال فهمه الشخصي له، مما يجعل كل ترجمة نسخة فريدة بحد ذاتها.

الكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل
الكاتب الأرجنتيني ألبرتو مانغويل

يناقش الكتاب دور الترجمة في نقل الثقافات، وبناء الجسور بين الشعوب، ويوضح كيف يمكن للترجمة أن تكون عملاً سياسيًا واجتماعيًا بالإضافة إلى كونها فنًّا إبداعيًا.

ماهي أهم محتويات كتاب  “فن الترجمة” ؟

يمكن إيجاز محتويات الكتاب في عدة نقاط :

  • الترجمة بوصفها انتقالًا أو هجرة : يشير مانغويل إلى أن الترجمة في العصور الوسطى كانت تُعرف بـ”نقل رفات القديسين من مكان إلى آخر”، مما يعني أن الترجمة ليست مجرد نقل للمعاني، بل هي بمثابة “نقل مقدس” للنص إلى تربة جديدة. ويقول في الكتاب إن هذا التشبيه يعبر عن دور المترجم الذي “يخلع” النص من مظهره الخارجي ويعيد غرسه في لغة جديدة، بحيث يتغير مظهره ولكن يبقى جوهره. يرى مانغويل أن الترجمة عملية تحول، أو ما يشبه “الهجرة”، حيث يُنقَل النص من سياقه الثقافي الأصلي ويزرع في بيئة جديدة.
  • الترجمة كفعل فلسفي:  في كتاب “فن الترجمة”، يتطرق مانغويل إلى العديد من التساؤلات الفلسفية العميقة: هل هناك نص “أصلي” بالفعل؟ وهل يمكن لأي ترجمة أن تدّعي أنها تعبر عن النص بشكل كامل؟ هل تُعد كل قراءة نوعًا من الترجمة؟ يستعرض مانغويل كيف أن الترجمة تتجاوز الكلمات لتحاول الإمساك بروح النص، وكيف أن كل ترجمة هي تأويل للنص الأصلي، وليست مجرد نقله حرفيًا.
  • الترجمة آداة سياسية واجتماعية: يعتبر مانغويل أن الترجمة هي عملية تواصل بين الثقافات، تحمل في طياتها أبعادًا سياسية واجتماعية. فعندما تُترجم نصوص من ثقافة معينة إلى أخرى، فإنها تفتح المجال لفهم الآخر والتفاعل معه، مما يعزز من بناء جسور التواصل والتفاهم. ولكنها في الوقت ذاته قد تستخدم كأداة للسيطرة أو الهيمنة، إذا ما تم تحريف النصوص لخدمة أغراض معينة، كما حدث على سبيل المثال مع الترجمات الأولى للقرآن الكريم التي جاءت في إطار سياسي وديني. فقد قام نيسيتاس بيزانتوس خلال القرن التاسع، بترجمة يونانية للقرآن حملت عنوان “دحض القرآن”، وكانت تهدف بشكل أساسي إلى تشويه النص وتقديمه بصورة تتفق مع أهدافه في إنكار محتوى القرآن. وبعد ثلاثة قرون وتحديدا في عام 1143م قام الإنجليزي روبرت الكيتوني بترجمة لاتينية للقرآن بطلب من رئيس دير كلوني، أسماها “شريعة محمد”، حيث تعمد تشويه ترجمة بعض الآيات ليسهل عليه دحضها وتقديم الإسلام بصورة سلبية.

يذهب الكتاب إلى أبعد من القضايا التقنية، ليطرح تساؤلات عن وجود النص الأصلي ذاته، وعن الحدود بين الترجمة والتأويل، وعن المفاهيم التي تجعل من العمل الإبداعي متميزًا، بغض النظر عن عدد المرات التي يتم فيها نقله أو إعادة تفسيره.

وفي مراجعة نقدية على يومية (Corriere della Sera) الإيطالية وصفت ” فن الترجمة ” بأنها رحلة فكرية بين مفاهيم النص النقي والترجمة الصحيحة، حيث يأخذ مانغويل القارئ في مسارات تتناول العلاقة المعقدة بين النصوص الأصلية ونصوصها المترجمة. واعتبرت الكتاب تحفة فكرية تستحق القراءة البطيئة والعميقة، لما يحمله من أفكار فلسفية وتأملات تستدعي التمعّن في علاقة اللغات بعضها ببعض، وكيف يمكن للترجمة أن تكون أكثر من مجرد نقل حرفي.

خاتمة

النسخة العربية من كتاب “فن الترجمة” يستكشف المفاهيم العميقة المرتبطة بالترجمة، بوصفها أكثر من مجرد عملية تقنية، بل فعل إبداعي وفلسفي يعيد تشكيل النصوص، ويعيد تفسيرها في ضوء سياقات وثقافات جديدة. يُنصح بهذا الكتاب لكل من يهتم بالترجمة والأدب، وللمهتمين بفهم العلاقة المتشابكة بين اللغات والثقافات.