بيان مشكل حديث صيام آخر شعبان
ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين أن النبي ﷺ قال لرجل: “هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا؟ قال: لا قال: فإذا أفطرت فصم يومين”، وفي رواية للبخاري أظنه يعني رمضان، وفي رواية لمسلم وعلقها البخاري: “هل صمت من سرر شعبان شيئا” وفي رواية: “فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين مكانه” وفي رواية: “يوما أو يومين” شك شعبة وروي: “من سرار الشهركيف اختلف العلماء في تفسير السرار؟
سَرار الشهر وسراره بكسر السين وفتحها، وقال الفراء: إن الفتح أفصح، وقد اختلف في تفسيره على أقوال: 1- والمشهور إنه آخر الشهر، وسمي آخر الشهر سرارا: لاسترار القمر فيه، وممن فسر السرار بآخر الشهر أبو عبيد وغيره من الأئمة، وكذلك بوب عليه البخاري صيام آخر الشهر. وقال الهروي: المعروف أن سر الشهر آخره.
تحرير محل الإشكال في تفسير السرار بآخر شعبان
يدل حديث عمران – السابق الذكر- على جواز صيام آخر شعبان وفق التفسير المترجح في معنى السرار، ومن هنا أشكل هذا المعنى على كثير من العلماء، لتعارضه لما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: “لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صوما فليصمه وخلاصة محل الإشكال: أن حديث عمران يحث على صيام آخر شعبان بينما ينهى حديث أبي هريرة عن الصيام.درء التعارض بين الحديثين والجواب عن الإشكال
لا ينسب العلماء الحديثين إلى الاختلاف الحقيقي، بل عملوا بكل واحد منهما في موضعه، إما بطريق التخصيص والتقييد أو تبيين الإجمال، كما يتضح ذلك من خلال نقل الإمام ابن رجب جوابهم عن الحديثين، واختصر جوابهم في أمرين: الأول: أن هذا الرجل الذي سأله النبي ﷺ، كان يعلم أن له عادة بصيامه، أو كان قد نذره فلذلك أمره بقضائه، وعلى هذا فيرجح حديث أبي هريرة على حديث عمران، فإن حديث أبي هريرة فيه نهي عام للأمة عموما فهو تشريع عام للأمة فيعمل به، وأما حديث عمران فهي قضية عين في حق رجل معين فيتعين حمله على صورة صيام لا ينهى عن التقدم به جمعا بين الحدثين. وهذا القول هو الذى عليه كثير من العلماء وأكثر شراح الحديث، وهو اختيار ابن رجب. الجواب الثانى: أن حديث عمران يدل على أنه يجوز صيام يوم الشك وآخر شعبان مطلقا، سواء وافق عادة أو لم يوافق، وإنما ينهى عنه إذا صامه بنية رمضان احتياطا. وحكى ابن عبد البر هذا القول عن أكثر علماء الأمصار. وقال الحافظ ابن رجب مرجحا للقول الأول:” أحسن ما حمل عليه -حديث عمران-: أن هذا الرجل الذي سأله النبي ﷺ كان قد علم منه ﷺ أنه كان يصوم شعبان أو أكثره موافقة لصيام النبي ﷺ، وكان قد أفطر فيه بعضه فسأله عن صيام آخره، فلما أخبره أنه لم يصم آخره أمره بأن يصوم بدله بعد يوم الفطر، لأن صيام أول شوال كصيام آخر شعبان، وكلاهما حريم لرمضان. وفي الجملة، فحديث أبي هريرة هو المعمول به في هذا الباب عند كثير من العلماء، وأنه يكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له به عادة ولا سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلا بآخره.ماهي أحوال صيام آخر شعبان ؟
صيام آخر شعبان له ثلاثة أحوال وهي: الأولى: أن يصوم بنية رمضان احتياطا، فهذا منهي عنه، وقد فعله بعض الصحابة وكأنهم لم يبلغهم النهي عنه. الثانية: أن يصام بنية الندب أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك فجوزه الجمهور. الحالة الثالثة: أن يصام بنية التطوع المطلق فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بالفطر
معاني كراهة صيام آخر شعبان
المعنى الأول- مردود-: أنه على وجه الإحتياط لرمضان فينهى عن التقدم قبله لئلا يزاد في صيام رمضان ما ليس منه، كما نهي عن صيام يوم العيد لهذا المعنى حذرا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم، فزادوا فيه بآرائهم وأهوائهم، ولهذا نهي عن صيام يوم الشك. قال عمار: من صامه فقد عصى أبا القاسم ﷺ.
الشوق إلى بلوغ رمضان
يقول الحافظ ابن رجب: بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه، من رحم في رمضان فهو المرحوم ومن حرم خيره فهو المحروم ومن لم يتزود لمعاده فيه فهو ملوم.أتى رمضان مزرعة العباد ... لتطهير القلوب من الفسادفأد حقوقه قولا وفعلا ... وزادك فاتخذه للمعادفمن زرع الحبوب وما سقاها ... تأوه نادما يوم الحصاديا من طالت غيبته عنا قد قربت أيام المصالحة يا من دامت خسارته قد أقبلت أيام التجارة الرابحة من لم يربح في هذا الشهر ففي أي وقت يربح من لم يقرب فيه من مولاه فهو على بعده لا يربح تنزيل PDF