نظم مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، عضو كلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة في قطر قبل أيام محاضرة مفتوحة تحت عنوان: “سؤال الأخلاق في الزمن الحاضر: التحديات والآفاق”. وقد شارك في المحاضرة كل من: الدكتور طارق رمضان مدير مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق في قطر، والدكتور جمال نصّار مدير المركز الحضاري للدارسات المستقبلية بالقاهرة، والدكتور جيريمي كونز أستاذ الفلسفة بجامعة جورج تاون في قطر.
بين الأخـلاق والأخـلاقيات
افتتحَ المحاضرة الدكتور طارق رمضان، وبدأ حديثه عن الموضوع بثلاث نقاط رئيسية، الأولى: إشكالية التعريف، حيث قال إن هناك مشكلة في التعريفات والمصطلحات، لأن اللغة العربية لا توجد فيها كلمة محددة فيما يتعلق بتعريف الأخلاق ـ حسب قوله ـ.
ثم قال إن هناك مشكلة أخرى تتمثل في طريقة التفريق بين الأخلاق والأخلاقيات، وبين الأخلاقيات التي تنبثق من القيم الدينية والأخلاقيات التي تنبثق من القيم الفلسفية، وهذا يُحيلُنا إلى إشكالية تحديد المصدر التي تمثل إشكالا كبيرا هي الأخرى.
أما النقطة الثانية التي تطرق لها المحاضر فترتبط بموضوع الخير والشر الذي أخذ حظا وافرا من جدل الفلاسفة والكلاميين، وفي هذا السياق قال طارق رمضان إن علينا أن نسأل أنفسنا من وجهة نظر عملية: لماذا نحن نتحدث عما هو خير وشر؟..هل لأننا نحاول التعرف على السلوك الحسن أم أن هناك شيئا في طريقة التعامل مع الأخلاق؟.
ثم أشار إلى أن التقاليد الصوفية تقول إن هدف الإنسان هو التقرب إلى الله من خلال إصلاح نفسه، فالأمر هنا متعلق بالمسؤولية الذاتية في الإنسان والعالم المحيط به، وانطلاقا من هذا يمكن القول إن الأخلاقيات ليست مرتبطة بما هو خير أو شر فقط، بل لها أُثرٌ نفسيٌّ ذاتيٌّ في الإنسان، ثم إن الأمر هنا يتعلق بالتكليف والتوحيد أيضا، فالحقيقة تقول إن الإنسان لا يستطيع أن يفهم معنى التوحيد إذا لم يفهم المسؤولية الأخلاقية التي يجب عليه تمثلها ونشرها بين الناس.
أما النقطة الثالثة فتتعلق بمحاولة فهم الأبعاد المرتبطة بالأخلاق، والتي من أهمها الاحترام والإشادة عندما يتعلق الأمر بالمبادئ والأخلاقيات والقيم، والاحترام هنا يعني الإقرار بأن هناك خالقا يجب احترامه وتقديره، فاحترام الخالق يؤدي إلى احترام الخلق، واحترام الخلق يؤدي إلى احترام الطبيعة والقوانين. ثم أكد أن الأخلاق ليس لها علاقة بالعلم – وهو أمر إيجابي من وجهة نظره- فالأخلاق عبارة عن أمر ينبثق من الميتافيزيقيا قبل فلسفة الحياة، لأن الأخلاق مرتبطة بالمبدأ الأول وهو التوحيد.
الأخلاقُ تعصمنا من الانهيار
من جانبه قال جمال نصّار مدير المركز الحضاري للدارسات المستقبلية بالقاهرة إن المسلمين يعيشون حالة انفصامٍ واضحة، فالمتأمل إلى الواقع يكتشف أن الأخلاق لم يعد لها مجال في الحياة، وفي هذا السياق استشهد جمال نصَّار بالمقولة المشهورة : “في بلاد المسلمين إسلامٌ بلا مسلمين، وفي بلاد الغرب مسلمون بلا إسلام”.
وقال جمال نصّار إن بُعْدَ المسلمين عن الأخلاق هو الذي أدى إلى انهيارهم في مجالات الحياة المختلفة، ففي المجال الإعلامي يُسيطر الجانبُ التضليليُّ والمشاهد الخادشة للحياء، وفي المجال التربوي التعليمي تقوم المؤسساتُ التربويةُ بتوزيع شهادات فارغة من المحتوى الأخلاقي، أما المجال الفكري فيشهد حالة من القرصنة للفكر، بالإضافة إلي سياسة تجهيلٍ وترويجٍ للنماذج الفكرية الفاسدة.
وتأكيدا على أهمية الأخلاق قال جمال نصّار إن خيرية الإنسان لا تقاس بصلاته وصيامه فقط، بل لا بد من النظر في أخلاقه وشيمه، لأن الدين هو الأخلاق. وفي الأخير أشار إلى أهم أسباب الأزمة الأخلاقية التي يعيشها العالم اليوم، من وجهة نظره، ولخصها في ثلاثة أسباب هي: التلوث الفكري، والتلوث العقدي، والتلوث القيمي.
الأخلاقيات من منظور علماني
أما جيريمي كونز أستاذ الفلسفة بجامعة جورج تاون في قطر، فركَّز في مداخلته على موضوع الأخلاقيات من منظور علماني بحت، وقال إن هناك تحسُّنا في المستوى الأخلاقي في دول العالم، لكن في المقابل هناك تحديات أخلاقية كبيرة تواجه العالم، ينبغي أن يتم التصدي لها من طرف الإسلام والعلمانية معا، لأن العلمانية – حسب قوله- تشترك مع الإسلام في بعض القيم التي يمكن أن تسمح لها بالتصالح والتعاون مع الإسلام في النقاط المشتركة، وعلى الأرضية المشتركة، من أجل مواجهة التحديات في مجال الأخلاق والأخلاقيات، وإيقاف الحرب المضرَّة التي تدور رحاها بين الإسلام والعلمانية.
واستعرض جيريمي كونز في حديثه بعض النماذج الأخلاقية التاريخية من وجهة نظره، وقال إن إحدى المحاكمات التي تمت بعد الحرب العالمية الثانية أشارت إلى أن العسكري لا ينبغي أن يُطيعَ الأوامرَ التي قد تقود إلى قتل البشر، وفي هذا السياق تحدث عن السلطة ودورها في مجال الأخلاق، وقال إن السلطة يمكن أن تكون مصدرا لتحسين ظروف الناس وعلاقاتهم الحسنة، ولا ينبغي أن تكون منبعا للشر والعداوة.
وقال جيريمي كونز إن هناك مصدرا آخر للخير يتمثل في توزيع الثروة والفرص، ثم أكد أن البشرية أصبحت في وضع أفضل رغم وجود فقر وحرمان، ولكن هنالك كثير من التحسن على مدى المائة والمائة وخمسون عاما، وخصوصا بعد انطلاق الثورة الصناعية، ففي عام 1820 كانت نسبة 75% من الناس تعيش بدخلٍ أقل من واحد دولار في اليوم الواحد، لكن اليوم 15% من الناس فقط هم الذين يواجهون هذا الأمر.