طلحة بن عبيد الله، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وواحد من صحابة رسول الله ﷺ، الذين نزلت فيهم آيات من القرآن الكريم، ويكفيه وصف رسول الله (ﷺ) له بقوله “من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على رجليه فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله” كما سماه النبي يوم أحد “طلحة الخير” وفي غزوة ذي العشيرة “طلحة الفياض” ويوم خيبر “طلحة الجود”.
طلحة بن عبيد الله ليس فقط أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله ﷺ بالجنة، بل هو أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر رضي الله عنه، وأحد الستة أهل الشورى الذين تُوُفِّي رسول الله ﷺ وهو راض عنهم، وأحد الذين كانوا مع رسول الله ﷺ على الجبل فتحرَّك بهم.
كان طلحة بن عبيد الله من سادة ووجهاء قريش، وكان تاجرا وثريا، ويطلق عليه أسد قريش لقوته. نزل في طلحة بن عبد الله قول الله تعالى: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً* لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً)، (سورة الأحزاب: الآيات 23 – 24)، تلا رسول الله ﷺ هذه الآية، ثم أشار إلى طلحة في غزوة أحد قائلاً: “من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض، وقد قضى نحبه، فلينظر إلى طلحة”.
من هو طلحة بن عبيد الله؟
أمه – رضي الله عنه – هي الصَّعْبَةُ ابْنَةُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيِّ، امرأة من أهل اليمن وهي أخت العلاء بن الحضرمي، أسلمت ولها صحبة وظفرت بشرف الهجرة.
وُلِد طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه في مكة، قبل البعثة بخمسة عشر عامًا، في بيئة قرشيَّة، وعمل كمعظم أهل قريش بالتجارة، حيث كان يذهب إلى الشام لشراء البضائع من هناك، ليتَّجر فيها عند عودته لمكة، التي تعتبر مقصدًا للعرب قبل الإسلام لوجود الكعبة فيها.
كيف أسلم طلحة بن عبيد الله؟
وقد لاقى طلحة بن عبيد الله ما لاقاه المسلمون في بداية الدّعوة من الأذى، فقد كان أخوه عثمان وقيل نوفل بن خويلد يربطه مع أبي بكر في حبل واحد، ليمنعانهما من أداء الصّلاة، فكان طلحة قريناً لأبي بكر.
وفي قصة إسلام طلحة دليل من دلائل نبوة نبينا ﷺ، وشاهد على معرفة اليهود بعلاماته وأماراته ﷺ، فمن المعلوم أن اليهود أقاموا بالجزيرة العربية قبل بعثة النبي ﷺ، وكانوا يفخرون على جيرانهم من العرب بأنهم من أهل الكتاب، وأنهم يعتنقون دينا سماويا مُنزلا من عند الله، وقد اقترب ظهور نبي آخر الزمان الذي بشرت به التوراة، وذكرت أوصافه، ومع أن البشارات والعلامات التي يعرفونها قد تجمعت في النبي محمد ﷺ، فإنهم كتموا ما عندهم من آيات وبينات، ولم يؤمنوا به حقدا وحسدا واستكبارا، لأنهم كانوا يتطلعون أن يكون هذا النبي من بينهم.
7 مواقف تدل على كرم طلحة بن عبيد الله
أول الصفوف، شجاعا ومقداما. لكنه كان أيضا معروفا بالجود والكرم. فقد عُرف الّصحابي طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- بالكرم والسّخاء الشّديد، فهو يُعدّ من أغنياء الصّحابة، وكان يعمل بالتّجارة منذ شبابه، ومن شدّة سخائه سمّاه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بعدّة أسماء منها: طلحة الفيّاض، وطلحة الخير، وطلحة الجود، وقد سجّل مواقفا كثيرة تدل على عطائه وسخائه، منها:
1- اشترى بئرا لسقي المسلمين منه، وذبح جزوراً لإطعامهم.
2- أنفق مالا كثيرا في تجهيز غزوة العسرة.
3- افتدى عشرة من أسرى بدر بماله.
4- باع أرضا له بسبعمئة ألف، فلم يهنأ له النّوم ليلا والمال عنده، فما لبث أن طلع عليه الصّبح حتّى وزّعه.
5- تصدّق بمئة ألف درهم، ثمّ لم يجد ما يلبس إلا شيئا قديما.
6- كان يُرسل إلى عائشة -رضي الله عنها- كلّ عام عشرة آلاف درهم، لتوزّعها على فقراء المسلمين.
7- كان لا يترك غارما من قومه بني تيم إلّا وسدّد عنه وقضى دينه، فقد سدّد عن عبيد بن معمر ثمانين ألف درهم، ودفع عن رجل من تيم ثلاثين ألفا.
جار النبي في الجنة
بشر الرسول ﷺ، طلحة بالجنة في مواقف كثيرة، قال: “طلحة والزبير جاراي في الجنة”، وقال: “من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على رجليه فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله”.
وفي غزوة أُحد، رأى طلحة، رسول الله ﷺ والدم يسيل من وجنتيه، فجن جنونه وقفز أمامه يضرب المشركين بيمينه ويساره، وسند الرسول وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه، وقال أبو بكر رضي الله عنه، عندما يذكر غزوة أُحد: ذلك كله كان يوم طلحة، كنت أول من جاء إلى النبي فقال لي الرسول ولأبي عبيدة بن الجراح: “دونكم أخاكم، ونظرنا، وإذا به بضع وسبعون بين طعنة وضربة ورمية، وإذا أصبعه مقطوعة، فأصلحنا من شأنه.
ماهي فضائل طلحة بن عبيد الله؟
– ما رواه البخاري بإسناده إلى قيس بن أبي حازم قال: “رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي ﷺ يوم أحد”. هذا الحديث اشتمل على منقبة عظيمة خص بها طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- وهي أنه وقى رسول الله ﷺ بيده يوم أحد لما أراد بعض المشركين أن يضربه فاتقى طلحة الضربة بيده حتى أصابها شلل.
– وروى أيضاً بإسناده إلى أبي عثمان النهدي قال: لم يبق مع النبي ﷺ في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن رسول الله ﷺ غير طلحة وسعد عن حديثهما. وهذا الحديث أيضا تضمن منقبة ظاهرة لطلحة بن عبيد الله من حيث إنه بقي مع رسول الله ﷺ عندما تفرق الناس عنه يوم أحد.
– وروى أبو عيسى الترمذي بإسناده إلى الزبير -رضي الله عنه- قال: كان على رسول الله ﷺ يوم أحد درعان فنهض إلى الصخرة فلم يستطع فأقعد تحته طلحة، فصعد النبي ﷺ حتى استوى على الصخرة قال: فسمعت النبي ﷺ يقول: “أوجب طلحة”، أي: وجبت له الجنة بسبب عمله هذا أو بما فعل في ذلك اليوم فإنه خاطر بنفسه يوم أحد وفدى بها رسول الله ﷺ.
– روى أبو نعيم بإسناده إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك كله يوم طلحة. وهذا مدح وثناء عظيم وشهادة صادقة من صدّيق هذه الأمة.
– ومن مناقبه -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ أخبر أن طلحة ممن قضى نحبه ووفى لله بما نذره على نفسه من القتال في سبيله ونصرة دينه. فقد روى الترمذي بإسناده إلى موسى بن طلحة قال: دخلت على معاوية فقال: ألا أبشرك؟ سمعت رسول الله ﷺ يقول: “طلحة ممن قضى نحبه”.
– ومن مناقبه -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ أخبر أنه يموت شهيداً. فقد روى مسلم في (صحيحه) بسنده إلى أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ كان على جبل حراء فقال رسول الله ﷺ “اسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد” وعليه النبي ﷺ وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم.
– ومن مناقبه الرفيعة أن رسول الله ﷺ توفي وهو عنه راض. قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: (باب ذكر مناقب طلحة بن عبيد الله، وقال عمر: توفي النبي ﷺ وهو عنه راض).
ومما يدل على عظم مكانته وعلو منزلته أن النبي ﷺ شهد له بالجنة ضمن جماعة من فضلاء الصحابة.
كيف استشهد طلحة بن عبيد الله؟
وحين كان عليٌّ رضي الله عنه يستعرض شهداء المعركة، راح يصلي عليهم جميعًا، الذين كانوا معه، والذين كانوا ضدَّه، ولما فرغ من دفن طلحة رضي الله عنه، والزبير رضي الله عنه، وقف يودعهما بكلمات جليلة، اختتمها قائلًا: “إني لأرجو أن أكون أنا، وطلحة والزبير وعثمان من الذين قال الله فيهم: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الحجر:47]، ثم ضمَّ قبريهما بنظراته الحانية الصافية وقال: “سمعت أذناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ جَارَايَ فِي الجَنَّةِ»[19]. فرضي الله عنهم أجمعين.