إن من الآفات التي ظهرت في مجتمعاتنا، ولا سيما في مواقع التواصل الاجتماعي: ظاهرة الرياء الاجتماعي، ومداراة الناس على حساب الدين؛ مما قد يؤدي إلى النفاق، ونرى ذلك ظاهرًا بوضوح في اجتماعات الناس في المناسبات كالأعراس والعزائم، كما نراه في مواقع التواصل الاجتماعي، وكثير من قنوات مشاهير اليوتيوب، فنجد أحدهم يفتح قناة عن الغناء، والآخر يملأ قناته بصور غير لائقة، ويدَّعي أنه ينتقد أصحابها، والثالثة تعمل (موديل)، وتتخلى عن حجابها وهُويتها بعد أن تشتهر، ورابع يحلِق لحيته ويجالس السافرات لأجل أن يشتهر، وخامس لا يتوانى عن تصوير زوجته حتى يكسب أكبر عددٍ من المشاهدات، وغيرها من الأمثلة، وهكذا يتملصون من الدين شعيرةً شعيرة، حتى لا يبقى منه سوى أسمائهم العربية، ثم يقعون فريسة النفاق، ويختم الله على قلوبهم عقوبةً لهم بعد إصرارهم على معصيته، وتقديم رأي الناس على طاعته؛ قال تعالى:  {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة: 67].

وقد حذَّر الرسول من الرياء وسماه الشرك الأصغر، وذلك في قوله : «إن أخوفَ ما أخاف عليكم الشرك الأصغر -الرياء- يقول الله عز وجل: إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء» [1]، فليحذر هؤلاء من ذَهاب حسناتهم التي تعبوا فيها؛ قال تعالى: { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]، وهم مع ذلك يضيَّعون الصلاة والعبادات لإنتاج فيديوهاتهم التي تأخذ من أوقاتهم جلَّها؛ قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142].

والرياء يعارض الإخلاصَ لله تعالى الذي هو أساس العمل ورُكن من أركان التوحيد، وقد عرفه ابن القيم رحمه الله بقوله: “هو ما لا يعلمه مَلَكٌ فيكتبه، ولا عدو فيُفسده، ولا يُعجب به صاحبه فيُبطلُه”[2]، فلا شك أن ارتياد مواقع التواصل وقنوات اليوتيوب، قد صار بابًا كبيرًا لفتنة الرياء التي أصابت الكثير من روَّاده، وكم من فتاة مُحجَّبة فتحت قناة يوتيوب وبعد فترة من الزمن تخلَّت عن الحجاب، والقائمة تطول في ذكرهن ونذكر هنا – عرضًا – أن هناك كمًّا ليس بقليل من نجوم التمثيل قد قُمْنَ بنفس الفعل.

الرياء ومداراة الناس على حساب الدين من منظور مقاصد القرآن الكريم عند ابن عاشور: إن مداراة الناس ورياءهم تُدخِل الإنسان في باب الشرك الأصغر، وهذا يتناقض مع مقصد إصلاح الاعتقاد وتعليم العقد الصحيح. الرياء يودي إلى النفاق، وكلاهما صفة ذميمة تتناقض مع مقصد تهذيب الأخلاق. تقديم رضا الناس على رضا الله فيه سوءُ أدبٍ مع الله تعالى، وجهر بالمعاصي، وهذا يتناقض مع مقصد المواعظ والإنذار والتحذير والتبشير. تبرج النساء وظهور ما لا يرضي الله في هذه المقاطع التي ينتجها هؤلاء المرائين، يتناقض مع مقصد التشريع.

تضييع الساعات الطويلة في إنتاج محتوى هذه القنوات كثيرًا ما يؤدي إلى تضييع الصلاة عن وقتها، وهذا يتناقض مع مقصد التشريع، كما أن تضييع الوقت يؤثر سلبًا على طلب العلم والدراسة، وهذا يتناقض مع مقصد التعليم. النصائح والضوابط المقترحة: على أصحاب هذه القنوات اتقاء الله ومراقبته في كل كلمة تقال، وكل ما يعرض على قنواتهم، وليعلموا أن الله رقيب عليهم، وأنه يُمهل ولا يهمل، وليتذكروا بأنهم سيموتون يومًا وسيحاسبون بكل صغيرة وكبيرة؛ قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، وقال أيضًا: { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس: 61].

عليهم اختيار محتوى هادف ينفع الناس ويؤجرون على نشره، بدلًا من تضييع حقوق الله والتجرُّؤ على مبارزته بالمعاصي. عليهم الاحتراز من وضع الإعلانات المخلة. على النساء التستر وعدم ظهورهنَّ سافرات في هذه القنوات، وقد سُئل الشيخ ابن باز – رحمه الله – عن حكم تصوير النساء في الصحف والمجلات، فقال رحمه الله: “تصوير النساء في الصحف والمجلات أو في المؤلفات، أمرٌ منكر لا يجوز[3]، وعليه يمكن قياس قنوات اليوتيوب.


[1] أخرجه أحمد (٢٣٦٣٠) واللفظ له، والبيهقي في شعب الإيمان (٦٨٣١)، والبغوي في شرح السنة (٤١٣٥)، وصححه لألباني في صحيح الترغيب (٣٢).

[2] الفوائد، ابن القيم، ص ١٤٤.

[3] ابن باز، فتاوى نور على الدرب، التصوير، تصوير العروس والعريس في المنصة المعدة لهما، ص ٣١٣.