شهدت العاصمة القطرية الدوحة حدثًا علميًّا مهمًّا، وهو صدور القسم الأول من (موسوعة الاستغراب) في أربعة أجزاء؛ وذلك بهدف تقديم مرجعية شاملة عن الحضارة الغربية، لرسم صورة موضوعية صحيحة وشاملة عن الغرب دون مركزية.
وفي هذا الحوار يتوقف “إسلام أون لاين” مع الأستاذ الدكتور عز الدين معميش رئيس تحرير موسوعة الاستغراب؛ ليتعرف على ظروف نشأة أول موسوعة في العالم الإسلامي ترصد الغرب، والجهات الداعمة لها، والجدول الزمني لإصدار بقية الأقسام.. وأهمية هذا الإنجاز، والهدف الأساسي له.
والدكتور معميش أكاديمي جزائري، أستاذ العقيدة والأديان والفكر الغربي في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة قطر، ورئيس كرسي الإيسيسكو لحوار الحضارات. وقد أشرف وناقش عشرات الرسائل والأطروحات الجامعية، ونال عضوية رئاسة عدد من المجلات المحلية والدولية، وعضوية خبير في عدد من الموسوعات الإسلامية. ومن أهم مؤلفاته وبحوثه: الحداثة والنص الديني: التفكيكية نموذجًا. المدارس الاستشراقية الجديدة. تحليل النص الديني في مناهج النقد الجديد: رؤية نقدية. فكر الاستغراب في التداول المعرفي المعاصر. الاستشراق والاستغراب: أوجه الاتفاق والافتراق. الأبعاد الجمالية في التراث الإسلامي من منظور المستشرقين.. فإلى الحوار:
نود أن نتعرف على ظروف ميلاد “موسوعة الاستغراب”؟
فكرة إنشاء موسوعة متخصصة لدراسة الحضارة الغربية دراسة نقدية شاملة من منظور الذات المسلمة القارئة الأصيلة؛ نبعت من الاهتمام الاستثنائي الذي برز في الحقبة المعاصرة (خاصة في العقدين الأخيرين)، بموضوع حوار الحضارات والتعايش بين الأديان والثقافات، والسعي الحثيث نحو إيجاد وسائل وآليات لمواجهة خطاب الكراهية والاستئصال والاستعمار، وفي سياق الدور الكبير التي تضطلع به دولة قطر على المستوى الدولي في ملفات عدة، منها ملف تحالف الحضارات والدعوة إلى تعايش الأديان وتفاهمها وتكامل الثقافات؛ وتنفيذًا لخطة دولة قطر في هذا الموضوع (2013- 2030).
وتجاوبًا مع هذه الرؤية فقد سعت جامعة قطر للقيام بدورها في تأصيل مشروع الحوار الحضاري فكرًا وتعميقه تعليمًا وبحثًا وممارسة، وقد جاء تأسيس كرسي الإيسيسكو لتحالف الحضارات في منتصف 2016 في هذا السياق، وهو كرسي أكاديمي بحثي دولي، بالتعاون بين جامعة قطر ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة-إيسيسكو، ومن أهم مشاريعه تبني جائزة قطر العالمية لحوار الحضارات بالتعاون مع اللجنة القطرية لتحالف الحضارات، ومشروع “موسوعة الاستغراب”؛ الذي يجسد التأصيل العلمي والفكري للعلاقة مع الآخر، والاستقبال السنوي لوفد الزمالة الدولي للقادة الطلاب الشباب في تحالف الحضارات، ومشاركته في تأسيس برنامج ماجستير الأديان وحوار الحضارات سنة 2018م، من خلال عضوية أستاذ الكرسي في اللجنة التأسيسية.
والتقت رؤية جامعة قطر ورغبتها مع رؤية منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة-إيسيسكو- التي تعنى بالحوار الحضاري أيما عناية، وتبذل جهودًا كبيرة منذ عقود طويلة لتحقيق حوار متكافئ يسهم في تجفيف منابع الكراهية ويدفع كل أشكال التطرف، وهي الرؤية نفسها التي تتبناها اللجنة القطرية لتحالف الحضارات ، التي تأسست من أجل تطبيق الرؤية الوطنية في دولة قطر في موضوع حوار وتحالف الحضارات.
وقد جاءت “موسوعة الاستغراب” من أجل تحقيق أهداف علمية، حيث تبتعد عن الدعاية العاطفية والنمطية والتحيّز في هذا السياق العالمي الذي يطبعه الصراع والتأزم الحضاري في مجالات كثيرة، خاصة مع كبرى الحضارات المعاصرة، وهي الحضارة الغربية، التي كرّست في الغالب مفاهيم الهيمنة والبقاء للأقوى والأصلح، باعتبارها مبادئ في إدارة العلاقات الدولية والحضارية؛ فقد حدّد الغرب بنفسه حدود المعرفة والإدراك، ولا يمكن لمن تواجد في تلك الحدود تصوّر ما وراءها، ولم تكن هذه الأحكام السابقة لتُولَد من دون خلفية تاريخية بعيدة، استحكم فيها العاملان القومي والعرقي؛ وتمازجا مع العوامل الدينية والاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، فخرجت أسطورة “الغرب” المتعالي والنموذج.
ما الجهات الداعمة لهذا العمل الكبير؟
يقوم بإنجاز وتنفيذ هذا العمل الاستراتيجي الكبير كرسي الإيسيسكو لحوار الحضارات في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، بتعاون ودعم لوجستي من اللجنة القطرية لتحالف الحضارات بوزارة الخارجية القطرية ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة-إيسيسكو- عبر اتحاد جامعات العالم الإسلامي المنضوي تحتها، ونشر وتوزيع دار نشر جامعة قطر.
وقد جاء هذا التعاون بناء على قناعة تامة من الجهات كلها بأهمية هذا المشروع، بعد لقاءات واجتماعات ومناقشات كثيرة، تُوِّجت بإبرام اتفاقية تنفيذه ودعمه.
ترجمة وإتاحة القسم الأول
هل هناك جدول زمني لإصدار بقية الأقسام؟
لقد خطّطنا أن تكون موسوعة الاستغراب في خمسة أقسام، كل قسم يتكون من أربعة أجزاء، وتختلف الأقسام من حيث حجم الصفحات بحسب أهمية المداخل والمواد وأهمية القسم؛ فكان القسم الأول مدخلاً مفاهيميًّا عامًّا، حيث يجرّد الكليات من جزئياتها، ويتتبع نشأتها وتاريخ ظهورها وتأثيرها في تشكيل الثقافة الغربية والعقل الغربي، لذلك أهملنا الكثير من المداخل أو المواد رغم شهرتها وتأثيرها اللاحق، ويصدق هذا المعيار على المصطلحات والبلدان والأعلام.. لأن المقصد هو الكشف عن حقيقة الاسم وتتبع ارتباطه بالمسمى وأثره في المنظومة الغربية بكل تجلياتها، وخير مثال على ذلك، اسم “جورج”، حيث شرحنا معناه ثم ظهوره وارتباطه بمسماه وعلاقة بعض المصطلحات به، مثل “الجورجية” و”جورجيا”.. وغيرهما. والأمر نفسه مع مصطلح “البابا” وعلاقته بالبابوية والبابوفية وجملة مصطلحات وألقاب مرتبطة به.
ونخطط بعد إصدار القسم الأول، أن يتم إنهاء القسمين الثاني والثالث وجزئين من القسم الرابع بمجموع عشرة أجزاء، في مدة قصيرة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات، نظرًا لتراكم الخبرة وإتقان بناء أدوات العمل الموسوعي وتوفُّر شبكة الباحثين من خلال قاعدة البيانات التي أسسناها، حيث عرفنا المتميِّز من غيره في قائمة الباحثين، وتخصصاتهم واهتماماتهم الدقيقة، مع وجود التمويل الكافي بعد أن لم يكن في بدايات القسم الأول.
وسنقوم قريبًا بحول الله بترجمة القسم الأول في أربعة أجزاء إلى اللغة الإنجليزية، ورقمنة المداخل وإتاحتها إلكترونيًا عبر منصة خاصة بصيغة (HTML5) ويكون صالحًا لمختلف تطبيقات الهواتف المحمولة في (IOS) و (Android)، ويتم حجز مكان لها على شبكة الأنترنت، مع توفير إمكانية البحث المتنوعة بالمفردة أو المصطلح، مع ربط المصطلحات بنظائرها في دوائر المعارف التي لها موقع على الشبكة العنكبوتية، وإتاحة المقارنة بين معالجة موسوعة الاستغراب للمداخل ومعالجة نظائرها من الموسوعات العالمية الأخرى، كما يقوم الموقع بتوفير ألبوم للصور والخرائط، بحيث يمكِّن أيَّ باحث من البحث في مداخل الموسوعة بالصورة والصوت والمفردة، وقد جاءنا في هذا الشأن عرض متكامل من شركة رائدة في مجال البرمجيات المتقدمة.
ثلاث ورش ومؤتمر دولي
وكيف سار العمل التحريري في الموسوعة؟
ابتدأنا هذا العمل الكبير بالتأسيس للعمل الموسوعي وبناء أدواته وتعميق المفاهيم المفتاحية في مجال الدراسات الاستغرابية، لأنها تتداخل وتتشابك مع تخصصات ومجالات أخرى، وعقدنا لذلك ثلاث ورشات ومؤتمرًا دوليًا متميزًا.
كانت الورشة الأولى في الرباط بعنوان ” قواعد تأسيسية لإنجاز موسوعة الاستغراب: مدخل في فهم الآخر” في مارس 2017، ثم ورشة دولية أخرى في إسطنبول بالجمهورية التركية في مايو 2017، في موضوع “بناء أدوات العمل الموسوعي” بالتعاون بين منظمة الإيسيسكو وموسوعة الإسلام ومشاركة كرسي الإيسيكو لحوار الحضارات والموسوعة التركية، ثم ورشة ثالثة من أجل حصر مداخل القسم الأول في الدوحة في أكتوبر 2017.
وأما المؤتمر الدولي فكان في موضوع “فكر الاستغراب في التداول المعرفي المعاصر”، لتعميق مباحث هذا المجال المعرفي وموضوعاته ومباحثه.
وقد تم إنجاز دليل إرشادي شامل، يفصّل هيكلة الموسوعة وخطة عملها وعمل لجانها وشروط الكتابة والتحرير وحجم المداخل والبيانات الإضافية.. وغيرها. ومن المهم التفصيل في هذه اللجان لأنها تُمثل المنهج المناسب لبناء أدوات إنجاز الموسوعات، ويسعدنا أن نفيد بها كل من يخطط لإنجاز موسوعة أكاديمية متكاملة ومحكمة تتجاوز الموسوعات الكلاسيكية، وتتجاوز أيضًا البناء المعجمي الذي يعتمد على المكوِّن الصنفي، الممثِّل للقواعد التي تصف الروابط النحوية بين عناصر البنية العميقة التي تظهر في شكل رموز فئوية؛ فالتحرير الموسوعي يختلف عن التحرير المعجمي، الذي يركِّز على تتبع المعنى وتطوّره الدّلالي ضمن النسق اللغوي، وقد يُصبح قاموسًا إن تعدد المعنى، وهذا ما نجده في المعاجم القديمة والمعاصرة التي تعتمد على بنية اللفظ دون الدخول في سياقاته الاجتماعية والسياسية والحضارية، أما التحرير الموسوعي، فإنه يستغرق المعنى والسياق ويتضمن المفاهيم وغيرها، كالأعلام والتعريف بالبلدان، وكل ذلك ضمن الأفق والنسق المتفق عليه للموسوعة، فلو كانت موسوعة جغرافية، فالأكيد أن تُجتبى المعاني والدلالات والمفاهيم الأقرب إلى هذا الحقل، والتي تركت أثرًا ثقافيًّا وفكريًّا مهمًّا، حتى وإن كانت المفردات في أصل وضعها تنتمي إلى حقول أخرى.
خمس لجان
وقد تأسست الموسوعة في هيكلتها العامة على عدة لجان؛ هي:
أ/لجنة المحتوى: تتولى مهمة بناء الموضوعات/ وتصنيفها، وبناء المداخل والمواد وتصنيفها، والتوطين والتوسيم (توطين المداخل في مجالها المناسب، حتى لا تنجرف عن الحقل المعرفي الذي ظهرت فيه موسوعة الاستغراب)، وبناء المعايير (معايير كتابة المداخل والمواد).
ب/ لجنة الاستكتاب: تتولى مهام حصر المستكتبين المؤهلين، ووضع المعايير والضوابط التي تُصاغ بها النصوص (المداخل والمواد) مع مراعاة التخصص، ووضع معايير وضوابط اختيار الكتّاب، والتواصل والمتابعة والإشراف العام على الاستكتاب، ووضع قاعدة بيانات للكتاب المؤهلين في جميع التخصصات، ومتابعة عملية كتابة النص؛ من مداخل ومواد، وتنسيق وتحرير المداخل والمواد، والإشراف على إسنادها إلى الكتاّب ومتابعتهم والتواصل معهم والإشراف على سير عملهم.
جـ/ لجنة التحرير والمراجعة والاعتماد: وتتولى مهمة وضع معايير وشروط تقويم وتحكيم المادة الموسوعية وتحكيمها، وإعداد استمارة خاصة لتحكيم المداخل والمواد، ومراجعة وتدقيق مواد الموسوعة وفقًا لضوابط ورؤية وشروط مؤسسة الموسوعة، وتحرير مداخل الموسوعة تحريرًا دقيقًا وفق معايير البناء الموسوعي، والتأكد من الأمانة العلمية والتوثيق، وإعداد قاعدة بيانات بالمحكين، وإسناد التحكيم إلى المحكمين المؤهلين، وتطوير مصداقية الموسوعة في الصياغة والتحرير والتوثيق والتحكيم، والاعتماد النهائي للعمل بالتنسيق مع مختلف هيئات الموسوعة وإنجاز تقرير موثق في ذلك.
د/ لجنة التصميم والتقنية: تتولى مهمة إعداد المتطلبات الحاسوبية لإنجاز الموسوعة، ووضع معايير التصميم الأمثل للموسوعة، وإعداد تصميم هيكلي للموسوعة (الموضوعات + المداخل والمواد + التوثيقات + وسائل الإيضاح من خرائط ورسوم بيانية وصور وجداول ومعالم ومسالك وطرق الرحلات ورموز وشعارات..)، وتنسيق محتويات الموسوعة وفقًا للهيكلة العامة، للوصول إلى نمط موحد ومميز بين جميع المحتويات.
ه/ لجنة الإعلام والعلاقات العامة: تتولى مهمة المواكبة الإعلامية لمراحل إنجاز الموسوعة، والقيام بأعمال العلاقات العامة والتواصل مع الجهات المتعاونة وجهات التنفيذ في خصوص التصميم والنشر.
مَن أبرز المشاركين؟ وهل حرصتم على تنوعهم جغرافيًّا؟
استكتبنا في بدايات إنجاز القسم الأول حوالي 150 باحثًا، لكن البعض منهم انسحب لدواعٍ خاصة، والبعض الآخر لعدم قدرته على مجاراة نسق البحث الموسوعي، لأن الكثير من الباحثين لا يفرّق بين البحوث العادية المحكّمة التي تُنشر في المجلات الدورية وبين المعاجم والموسوعات التي تتطلب دقة متناهية واستخلاصًا مركزًا تركيزًا عاليا لزبدة المفاهيم والمصطلحات.
وبقي معنا 87 باحثًا أنجزوا ما كُلِّفوا به، ووفقوا في الالتزام بالمعايير الدقيقة التي تم وضعها في الدليل الإجرائي لكتابة المداخل، وقد عرض إنجازهم على ثلاث هيئات للتحكيم، دولية ومحلية، واستصحبت هيئة التحرير كل مراحل الكتابة وأعادت صياغة عشرات المداخل ليكون القسم الأول كله بروح واحدة وأسلوب متجانس. وعرفت قائمة الباحثين مشاركة علماء وقامات معروفة على المستوى الدولي في تخصصات الأديان والمجتمعات الدينية والعقائد والفكر والفلسفة واللسانيات وعلم الاجتماع والأنتروبولوجيا والتاريخ… وتوزّعت جغرافيتهم على القارات الأربع (آسيا وأوروبا وإفريقيا وأمريكا الشمالية).
هل استكتبتم باحثين غربيين؟
لم نستكتب باحثين غربيين في القسم الأول، لأننا أردنا أن يكون “الاستغراب” دراسةً للغرب من أبناء العالم الإسلامي أينما وجدوا (في الشرق والغرب) المتخصصين في مجال من مجالات الحضارة الغربية؛ فمشاركة الباحثين الغربيين قد تفيدنا في قراءة نقدية عكسية لهذا القسم، حين نقوم بترجمته إلى اللغة الإنجليزية، وهو ما سنباشره بحول الله تعالى قريبًا.
كما أننا لم نستكتب أيضًا باحثين شرقيين من المدارس الاستغرابية المشهورة، كالمدرسة اليابانية والهندية والصينية، أو من أوروبا الشرقية، مثل المدرسة الاستغرابية الروسية؛ لأن الرؤية والأهداف مختلفة، مع أننا استفدنا من الدراسات الكثيرة التي قدمتها هذه المدارس.
ما هي الأقسام العامة للموسوعة؟
تنقسم الموسوعة إلى خمسة أقسام؛
القسم الأول، الذي أُنجز: مدخل مفاهيمي عام، وقد اتفقت لجان الموسوعة وخبراؤها على أن يخصص للمفردات والمواد الكلية باعتبارها إطارًا نظريًّا عامًّا، أما جملة المداخل والمواد الفرعية وهي بالآلاف، فهي للأقسام الأربعة المتخصصة، ومن المحال أن يتم استيعاب جميع مفردات الحضارة الغربية في تجلياتها المختلفة في قسم واحد عام، وإنما يتم الاكتفاء بالمفردة الكلية وبعض المفردات المرتبطة بها ارتباطًا وثيقًا ولها بعض الشمول الذي يميّز المفردة الكلية.
فمثلاً؛ مصطلح “البابا” مصطلح كلي، سنأخذ مفهومه وتطوره، وقيمته في سياق الفكر الغربي فقط، ثم نفصّل في مفهومه وسياقاته وأثره في القسم المتخصص، وهو الأديان والمجتمعات الدينية، حيث يتم الحديث عن كل المفردات المتولدة عن المدخل الكلي، كالبابوفية والعصمة والبابوات؛ مثلاً، بمختلف اتجاهاتهم ومدارسهم، مع استثناء الحديث عن بعض البابوات أو المصطلحات التي أحدثت تأثيرًا مهمًّا في تاريخ الغرب، حتى وإن لم تعتبر مداخل كلية في بنائها المفهومي، وذاك استثناء لغرض المعرفة المحيطة والإدراك المطابق، على أن يتجاوز البناء المعجمي أو الحدّي الصارم والجامد إلى التعبير عن سيرورة المفهوم التاريخية (إذا كان المدخل من غير الأعلام والبلدان)، ولا يعني ذلك أن يكون المدخل فضفاضًا قد يتضمن جملة مفاهيم، وإنما القصد أن يكون معبِّرًا عن علاقاته المتعددة مع حركة تطور الغرب.
وسيتناول القسم الثاني: الأديان العامة في الغرب ومصطلحاتها العقدية والمذاهب والحركات الدينية والفكرية والسياسية المرتبطة بها.
والقسم الثالث: يتناول العالم الغربي في جوانب التاريخ والجغرافيا والأعراق والخصوصيات الثقافية.
والقسم الرابع: يتناول الأعلام والأماكن والآثار التي لها صلة بالفكر الغربي المعاصر.
والقسم الخامس: يتناول مظاهر الحضارة الإسلامية والآثار الإسلامية في الغرب والتعريف بالمجتمعات الدينية غير الغربية أو المكوّنات الثقافية والدينية غير الغربية.
الموسوعات مراجع ثقافية
ما أهمية الموسوعة؟ وما الهدف الأساسي لها؟
للموسوعات أهمية كبيرة على المستويات الحضارية والثقافية والسياسية والمعرفية، كما أن لها أهدافًا كثيرة على المستويين العام والخاص، ويمكن توضيحها أفضل، لو عرّجنا قليلاً على التعريف بمصطلح موسوعة وتاريخ ظهور أول كتاب منها، فالمصطلح “موسوعة”، يرجع في أصله إلى المفردة اللاتينية “encyclopedia” المأخوذة من الكلمة اليونانية ” enkykliospaedia” التي تعني في معناها الواسع: التعليم العام، وفي المعنى الخاص: قٌسِّمت المفردة إلى قسمين: القسم الأول: “enkyklios” ويعني: المحوري والمتكرر، والمطلوب بانتظام، والعام، والقسم الثاني:” paedia”: ويعني: التعليم، التربية، المعرفة.
ولذلك الموسوعة تعد عملاً مرجعيًا عامًّا تقدم ملخصات لأمهات وكليات المعرفة، ويتم تقسيمها على حسب حروف المعجم، أو حسب الموضوع، وتكون أطول وأكبر من المعجم أو القاموس؛ لأنها تقدم تفاصيل عن المدخل أو المفردة المراد تدوينها، وتركّز على المعلومات المرتبطة بالواقع مع تجلية المفاهيم في أصلها النظري. وقد ظهرت الموسوعات منذ ألفي عام؛ حيث انشقت عن المعاجم، وتطورت عبر الزمن من حيث الشكل والحجم والمعرفة، حتى أصبحت مصادر ذات قيمة للباحثين والنخب المثقفة باختلاف تخصصاتهم ومجالات عملهم، وأصبحت ذاكرة للأمم والمجتمعات وسر وحدتها الثقافية والفكر.
والدوافع التي تكون من وراء إنجاز الموسوعات عمومًا؛ هي أن الموسوعات أضحت أهم أنواع المراجع الثقافية والفكرية للأمم والشعوب، وترتبط دوائر المعارف ببداية النهضة الشاملة للأمم، التي مثّلت الريادة والتقدم في الحضارة الإنسانية. كما أنها من الظواهر الدالة على العلاقة بين ارتقاء المستوى العقلي للإنسان، وارتقاء مستواه المادي والحضاري .ووجود موسوعة معارف عامة منتمية إلى أمة بعينها؛ يُسهم في تكوين وحدة ثقافية، وتعميم المنظور المشترك لفكر الأمة وثقافتها، ليكون حصنًا منيعًا ضد مظاهر الغزو الفكري وأشكال التغرّب والتغريب.
ومن أهم الأهداف الخاصة التي سطرناها، محاولة إبراز خصوصيات الحضارة الغربية؛ من حيث اتفاقها أو اختلافها مع الحضارة الإسلامية والحضارات الأخرى، والتعريف بأعلامها ومصطلحاتها وقضاياها ومعالمها من خلال عمل موسوعي موضوعي موثق بعيدًا عن التضخيم. وتقديم مرجعية شاملة عن نواحي الحضارة الغربية من منظور إسلامي تساعد على تقديم الصورة الموضوعية الصحيحة والشاملة دون مركزية. وتمكين العلماء والباحثين والمهتمين من أداة علمية رصينة متكاملة، ومستوعبة لكل جوانب الحضارة الغربية، تغني عن غيرها، ولا يغني عنها غيرها. وتعزيز الحوار والتعايش والتفاهم وفقا لمنظور عميق وبأساليب علمية موضوعية.