صدر مؤخرا كتاب للباحث المصري الدكتور خليل محمود اليماني بعنوان: “علوم القرآن ، نقد العلمية ومقاربة في البناء”، وهو مشروع نقدي لعلوم القرآن واقتراح تأسيس منهجي جديد لها، ويمثل حصاد نظر مطول في فكرة العلم وأوضاع العلوم ومآزقها وكيفيات تجديدها.
يأمل الباحث خليل محمود اليماني أن يكون كتابه “علوم القرآن ، نقد العلمية ومقاربة في البناء” رؤية لتجديد علوم القرآن بشكل معياري وإعادة بناء هذه العلوم بشكل منهجي منضبط يجاوز إشكالاتها المنهجية القائمة، وكذا جميع علوم التراث والعلوم عامة.
من هو الباحث خليل محمود اليماني؟
الدكتور خليل محمود اليماني باحث مصري في الدراسات القرآنية، حاصل على الدكتوراه من جامعة الأزهر، قام بإدارة بعض المشروعات العلمية وبعض المؤسسات البحثية، ولديه العديد من الدراسات والبحوث العلمية المنشورة منها:
- تأسيس علم التفسير، أسبابه وأهميته، مع طرح مقاربة تأسيسيَّة، ويحاجِج هذا البحث عن أهمية حضور علم يعتني بهذا التفسير المنتج، ويجتهد في تسليط الضوء على هذا العلم وبيان وجه الحاجة إلى ضرورة إقامته، وكذا يقترح رؤية لكيفية تأسيسه، ووضع تصوّر لمبادئه ومحاوره، وأيضًا يقترح نواة لمقرّر تعليمي له.
- قراءة في المنجز وآفاق الاشتغال، مع طرح فرضية للنَّظْم القرآني. وهذا البحث يسعى في كشف أسباب عدم وجود نظرية متكاملة تفسِّر طريقة نظم القرآن، ويسلط الضوء على كيفيات تثوير الدّرس لاستكشاف النظم، كما يطرح فرضية تحليلية للنظم القرآني.
- تحقيب التفسير، قراءة في التحقيب المعاصر مع طرح تحقيب معياري للتفسير
- التأليف المعاصر في قواعد التفسير، دراسة علمية اعتنت برصد أبرز المؤلفات المعاصرة في قواعد التفسير ودراستها وتحليلها. دراسة أنتجها مركز تفسير للدراسات القرآنية. وقد أعدها ثلاثة من الباحثين: خليل محمود اليماني،محمد صالح محمد سليمان، محمود حمد السيد.
- معايير الكتابة والتأليف في تفسير القرآن الكريم للأطفال، ويقدم هذا الكتاب وثيقة معايير علمية لإنتاج محتوى علمي في تفاسير القرآن الكريم للأطفال. وقد شارك الاستاذ خليل محمود اليماني في إدارة هذا المشروع رفقة د.عبد الحكم سعد محمد خليفة، و ناصر حسن عبد الرازق بسيوني.
- الاتجاه التنقيحي في الدرس الاستشراقي المعاصر للقرآن الكريم. وهو كتاب يضمّ ترجمة لعدد من الدراسات والمقالات الغربيّة التي تتناول هذا الاتجاه ومنهجيّاته وركائزه وأثره من منظورات مختلفة.
علوم التراث معطوبة منهجيا
يقول المؤلف خليل اليماني عن كتابه “علوم القرآن ، نقد العلمية ومقاربة في البناء”، أنه انتهى فيه لنظر منهجي في فكرة العلم من حيث هو جعله يقرر في آخر الدراسة أن علوم التراث معطوبة منهجيا وتحتاج كلها بلا استثناء لإعادة بناء جذري وفق المسار الذي حررته الدراسة لكيفيات بناء علوم القرآن.
ويعترف الباحث بمدى حساسية مثل هذا الطرح وإشكالاته وصعوبة تقبله وما قد يقال فيه، لكنه يقول أن هذا ما تحرر بعد نظر ونقاش منهجي مطول، علنا نعرج على بيان أطرافه لاحقا بإذن الله تعالى.
ويأتي كتاب “علوم القرآن ، نقد العلمية ومقاربة في البناء” ضمن الإصدارات التي أنتجها “مركز نماء للبحوث و الدراسات” ضمن قسم دراسات شرعية، عبارة عن مشروع نقدي لعلوم القرآن، واقتراح تأسيس جديد لها، وذلك في ضوء استشكال منهجي جذري للواقع القائم لعلوم القرآن.
نقاشا منهجي لفكرة العلم
يحمل المشروع نقاشا منهجيا لفكرة العلم من حيث هو، والمعقد الجذري فيه، والشرط المنهجي لما يصحّ وصفه بالعِلْمية من أُطر البحث وما لا يصحّ، وكيفيات تصنيف العلوم، والرؤية التي خلص إليها هذا المشروع لإعادة بناء علوم القرآن يُصدّرها كذلك باعتبارها صالحة منهجيًّا لبيان واستكشاف الخلل المنهجي في بناء علوم التراث قاطبة وإعادة بناء هذه العلوم، وكذلك العلوم بعامّة أيا كانت طبيعة هذه العلوم.
في الساحة القرآنية هناك العلوم القرآنية وعلْم علوم القرآن، وفي كتاب “علوم القرآن ، نقد العلمية ومقاربة في البناء” دراستان مترابطتان في النظر لعلوم القرآن:
الدراسة الأولى: تتعلق بتقويم منهجي موسّع لعِلْم علوم القرآن وبيان وجوه الخلل المنهجي الحاصل فيه وكيفيات التعامل معه. ويقول الباحث أنه قام بنقاش منهجي لعلم علوم القرآن ومدى استحقاق هذا العلم للعلمية من عدمه، وانتهى لتقرير فساد هذا العلم من حيث هو، وفي ضوء ذلك بحث التشكل التاريخي لهذا العلم وانتهى به الأمر لقول مباين للتصور القائم في جميع كتابات علوم القرآن، وأخيرا طرح بعض النظرات الخاصة بكيفيات التعامل مع هذه العلم في ضوء إشكالاته.
الدراسة الثانية: وهي حول تقويم المنجَز في البناء المنهجي الحاصل للعلوم القرآنية ككلّ، واقتراح رؤية جديد لبناء هذه العلوم. وقد ناقش فيها الباحث البناء المنهجي الحاصل لعلوم القرآن ككل في القديم والحديث وبين غلطه، ثم اقترح نسقا جديدا لبناء علوم القرآن فصل في كيفياته وخطواته بصورة نظرية وتطبيقية.
نقاش نقدي لواقع علوم القرآن
ومرة أخرى، يعترف الباحثا أن عقد مثل هذه النقاشات لم يكن سهلا ولا ميسورا، كونه احتاج لتأمل فكرة العلم من حيث هو وضبط المعقد الأكثر جذرية فيه الذي يصح لنا منهجيا بنقاشه نقاش العلم نفسه، وكذلك تحرير الشرط المنهجي لوصف العلْمية الذي متى تخلف امتنع إطلاق هذا الوصف إلا على سبيل التسامح لا غير.
وكذلك احتاج النقاش للتأمل في كيفية بناء العلم وكيف يتشكل وكذا كيفية تصنيف العلوم، وأيضا كيفية حل إشكال واقع العلوم القرآنية الحالي بصورة منهجية صحيحة، وغير ذلك مما قام الكتاب بتأسيسه حتى يتمكن من معالجة الإشكالات التي تصدى لبحثها.
لقد قام الكتاب -في ضوء المعايير المنهجية التي نصبها- بعقد حالة نقاش نقدي مطول جدا لواقع علوم القرآن وكتاباتها المركزية في القديم والحديث وساجل عديدا من الأطروحات والتصورات، والرؤية المنهجية التي خرج بها حول بناء العلوم القرآنية رآها ضابطة لهذه العلوم على نحو محرر، وكذلك كاشفة عن خلل منهجي عميق في بناءات علوم التراث، وعليه رأى إمكان تعميم هذه الرؤية البنائية لتشمل علوم التراث والعلوم بعامة.
علومنا ليست بخير
يقول الباحث خليل اليماني إن علومنا ليست بخير وحالة الهمود التي ضربتها ومعها العقل الإسلامي ترجع أولا وبالأصالة لإشكالات ومآزق منهجية كامنة فيها، لذا فإنها بحاجة لحالة نقاش منهجي معمق فلا سبيل لتجديدها إلا بهذه الطريقة التي تخضع فيها العلوم من حيث هي للنقاش. وهذا الكتاب – يضيف الباحث- هو “تتويج لاشتغال ونظر مطول في العلوم -لاسيما القرآنية- ومشروع وطنت النفس عليه منذ أمد لقناعتي به”.
ويرى الباحث أن كتاب”علوم القرآن ، نقد العلمية ومقاربة في البناء” يقدم طرحا منهجيا محررا لفكرة العلم وناقش العلوم قيده وساجل الكتابات الخاصة بها، طارفها وتليدها وفق مسار منهجي منضبط، ما يعني أننا لسنا بصدد قراءة حداثية للتراث ومعارفه كتلك القراءات التي نعلم جميعا إشكالاتها، ولكننا أمام عمل تعنى خوض لجج التراث ومعارفه ونقاش هذه التركة جديدها وقديمها على نحو جاد.
موضوع جدلي وأحكامه “خطيرة”
يؤكد خليل اليماني أن موضوع الكتاب موضوع جدلي والأحكام التي قررها الكتاب بشأن العلوم، هو يعلم جيدا “خطورتها وصعوبة تقبلها والتهم الحاضرة لصاحبها من الرمي بعدم العلم والجراءة على تسفيه التراث ورجاله…إلخ”، لكنه يضيف قائلا “لكن الكتاب لم تأت أحكامه جزافا ويدرك خطورة ما أقدم عليه، وقد اجتهد في تقديم حجاجه وتقرير دلائله وحشد مستنداته…ما جعلني أرجو معه من الله تعالى أن يكون مشروعا حقيقيا لإعادة بناء علومنا ومعارفنا بحيث تتابع هذه العلوم مسيرتها وفق نهج أرشد، ويعود معها العقل الإسلامي لإنتاج المعرفة من جديد في مختلف الميادين… فإن أصبنا فمن الله التوفيق وله وحده الحمد والمنة والفضل، وإن كان غير ذلك فلنا شرف المحاولة التي نحسب أنها ستكون مفيدة على كل حال في إثراء النقاش وتعلية الجدل حول موضوع مهم وإشكالات معرفية لها ضرورتها ومن اللازم مباحثتها”.