كيف أسهمت حياة علي بن أبي طالب، ابن عم النبي محمد وصهره، في تشكيل معالم التاريخ الإسلامي؟ ولد في بيئة تملؤها الحكمة والتقوى، واحتل مكانة عظيمة كأحد أوائل المؤمنين بالإسلام والمجاهدين في سبيل الله. لم يكن فقط قائداً شجاعاً، بل أيضاً عالماً حكيماً ألهم بأقواله وفضائله الكثيرين، وجعل منه كتاب “نهج البلاغة” مرجعاً للأجيال في الحكمة والأدب.

يُعتبرعلي بن أبي طالب رضي الله عنه من أبرز الشخصيات في التاريخ الإسلامي، فقد كان له دورٌ محوري في تأسيس ونشر الدعوة الإسلامية. هو ابن عم رسول الله محمد وصهره، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ورابع الخلفاء الراشدين. تميّز بشجاعته وعلمه وحكمته، وكان له تأثيرٌ كبير في مسيرة الإسلام الأولى.

اكتشفوا سيرة علي بن أبي طالب واستلهموا من حكمته وشجاعته في مواجهة المحن.

من هو علي بن أبي طالب؟

هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. يرجع نسبه إلى النبي إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. وهو ابن عم الرسول .

وُلد علي في مكة عام 600 م تقريباً (23 ق. هـ)، وترعرع في كنف النبي محمد بعد وفاة والده. يُعد علي بن أبي طالب أحد أبرز الصحابة وأول من أسلم من الصبيان، وكان من أقرب الناس للنبي، عُرف بشجاعته وعلمه وعدله، ويعد من أهم الشخصيات في التاريخ الإسلامي، كما أنه الخليفة الرابع من خلفاء الراشدين.

أمه: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. التي قيل أنها أول هاشمية تلد لهاشمي. أسلمت وهاجرت إلى المدينة المنورة، تُوفِّيت في حياة رسول الله ، فصلّى عليها، ونزل في قبرها، وأثنى عليها رحمها الله.

إخوته: من الذكور طالب، وعقيل، وجعفر. ومن الإناث هند المعروفة بأم هاني، وجمانة، وريطة المكنات بأم طالب وأسماء.

علي بن أبي طالب

علي بن أبي طالب كرم الله وجهه هو ابن عم الرسول محمد وصهره من آل بيته. رابع الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، وممن توفى ورسول الله راضٍ عنهم. ف هو ثاني أو ثالث الناس دخولا في الإسلام، وأول من أسلم من الصبيان.

اشتهر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالفصاحة والحكمة. فينسب له الكثير من الأشعار والأقوال المأثورة. كما يُعدّ رمزاً للشجاعة والقوّة ويتّصف بالعدل والزُهد. ويعتبر من أكبر علماء عصره علما وفقها إن لم يكن أكبرهم على الإطلاق رضي الله عنه.

مولده ونسبه

هو أصغر ولد أبيه أبي طالب بن عبد المطلب أحد سادات قريش والمسؤول عن السقاية فيها. يرجع نسبه إلى نبي الله إسماعيل بن إبراهيم.

أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، التي قيل أنها أول هاشمية تلد لهاشمي. ووالده قد كفلا رسول الله حين توفي والداه وجدّه عبد المطلب، فتربى ونشأ في بيتهما.

لا يُعرف يقينا متى وُلد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لكن بحسب بعض المصادر فإنه ولد بمكة يوم الجمعة الثالث عشر من رجب بعد ثلاثين عامًا من عام الفيل. هو أصغر أبناء أبيه أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم عم الرسول . أحد سادات قريش والمسؤول عن السقاية فيها. وكان قد كفل الرسول حين توفي والداه وجده وهو صغير فتربى ونشأ في بيته.

تقول بعض الروايات أن موضعاً بأحد جدران الكعبة يسمى المستجار قبل الركن اليماني قد انشق لفاطمة بنت أسد حين ضربها الطلق فدخلت الكعبة وولدت علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ذُكر في المستدرك للحاكم النيسابوري: “تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه في جوف الكعبة. والله تعالى أعلم.

حين كان علي رضي الله عنه ما بين الخامسة والسادسة من عمره مرت بمكة المكرمة سنين عسرة أثّرت على الأحوال الاقتصادية. كان لأبي طالب ثلاثة أبناء: علي وعقيل وجعفر، فذهب إليه الرسول محمد وعمه العباس بن عبد المطلب وعرضا عليه أن يأخذ كل منهما ولدا من أبنائه يربيه ويكفله تخفيفا للعبء الذي عليه. فأخذ العباس جعفر وأخذ الرسول عليا رضي الله عنهم، فتربى في بيته وكان ملازما له أينما ذهب.

أين تربى علي بن إبي طالب رضي الله عنه ؟

تكفّل النبي -عليه الصلاة والسلام- بعلي بعد أن أصابت قريش في إحدى السنوات أزمةٌ شديدةٌ تضرّر الناس بسببها، وكان أبو طالب كثير الأولاد، فأتاه النبي مع العباس، ليكفل كلٌّ منهما أحد أبنائه، فيُخفّفا عنه ضيقه؛ فكَفِلَ العباس جعفر، وكَفِلَ النبي علياً.

وتربى في بيت النبي وكان ملازماً له أينما ذهب، فكان يذهب معه إلى غار حراءللتعبد والصلاة، كما يُذكر أنه كان قبل الإسلام حنفيا لم يسجد لصنم قط طيلة حياته، ولهذا يقول المسلمون “كرم الله وجهه” بعد ذكر اسمه، وقيل لأنه لم ينظر لعورة أحد قط.

ألقابه

حظي علي بن أبي طالب بعدة ألقاب تعكس فضله ومكانته، منها:

  • أبو الحسن: نسبةً إلى ابنه الحسن.
  • أبو تراب: لقب أطلقه عليه النبي بمحبة.
  • أسد الله: لشجاعته في المعارك.
  • المرتضى: لرضا الله ورسوله عنه.

علمه

اشتهر علي بن أبي طالب بعلمه الغزير في الفقه والتفسير والحديث. كان مرجعًا للصحابة في المسائل الشرعية، ونُقل عنه العديد من الأحاديث والحِكم. قال عنه النبي : “أنا مدينة العلم وعلي بابها” (المستدرك على الصحيحين للحاكم).

كان أمير المؤمنين علي رضي الله عنه من علماء الصحابة الكبار ، وقد تميَّز رضي الله عنه بجده في التحصيل ، والتحري في قبول العلم ، والسؤال في طلبه، واستخدام وسائل ضبط العلوم في زمنه ، من كتابة ، وتعهد ، ولزوم النبي ، حيث يقول رضي الله عنه في جمعه للقران الكريم: اليت بيمين أن لا أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة حتى أجمع القران.

وقال: ما دخل نوم عيني ، ولا غمض رأسي على عهد رسول الله حتى علمت ذلك اليوم ما نزل به جبريل رضي الله عنه ، من حلال ، أو سنة ، أو كتاب ، أو أمر ، أو نهي ، وفيمن نزل.

وكان رضي الله عنه صاحب لسان سؤول ، وقلب عقول ، فقد قال: … إن ربي وهب لي قلباً عقولاً ، ولساناً سؤولاً. وعلّل رضي الله عنه كثرة علمه بطلبه إياه من رسول الله بالسؤال ، بقوله: كنت إذا سألت أعطيت ، وإذا سكت ابتديت.

وكان رضي الله عنه يحذِّر الناس من ترك العلم بسبب الحياء ، فقد قال: ولا يستحي أحدكم إذا لم يعلم أن يتعلم، ولا يستحي جاهل أن يسأل عما لا يعلم.

وكان أمير المؤمنين علي رضي الله عنه من بين القلة من المسلمين الذين كانوا يعرفون الكتابة في صدر الإسلام ، وفوق هذا فقد كان من كتاب الوحي لرسول الله ، وقد ساعدته هذه المهارة في القراءة والكتابة على التبحر في العلوم الشرعية ، وكان رضي الله عنه يرى أن تكون كتابة النصوص بخطٍّ بيِّن مع التفريج بين السطور ، والتقريب بين الحروف.

وكان رضي الله عنه يتعهد ما تعلمه بالعمل وتطبيقه ، وكان من أحرص الناس على تطبيق ما سمعه من رسول الله ولو كان ذلك في أصعب الظروف ، كما مرّ معنا في تعليم رسول الله له والسيدة فاطمة رضي الله عنهما الأذكار، فقد قال أمير المؤمنين: ما تركته منذ سمعته من النبي ، قيل له: ولا ليلة صفين ، قال: ولا ليلة صفين.

وكان يرى أن العالم لا يسمى عالماً إلا إذا كان عاملاً بعلمه ، لذا يقول مخاطباً حملة العلم: يا حملة العلم، اعملوا به؛ فإن العالم من عمل بما علم ووافق علمه عَمَلهُ. وقال رضي الله عنه: هتف العلم بالعمل فإن أجاب وإلا ارتحل.

وكان رضي الله عنه يحث على التزاور والمدارسة ، حيث يقول: تزاوروا وتدارسوا الحديث ، ولا تتركوه يدرس. وفي رواية: تزاوروا وتحدثوا ، فإن لم تفعلوا فإنه يدرس.

وكان أمير المؤمنين علي رضي الله عنه يحث على لزوم الشيخ ، والحرص على الأخذ منه ، ويقول: ولا تشبع من طول صحبته ، فإنما هو كالنخلة تنتظر متى يسقط عليك منها شيء.

وكان رضي الله عنه يرى الانتقاء في العلوم؛ فقد قال: العلم أكثر من أن يحفظ ، فخذوا من كل علم محاسنه.وقد وصل من العلم مرتبة جعلته يقول للناس وهو في العراق: سلوني ، فعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: ما كان أحد من الناس يقول: سلوني؛ غير علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وقد وثق الناس بعلمه سواء الصحابة أو التابعين ، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به. وعنه أيضاً قال: إذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا لا نعدوها. وعن سويد بن غفلة أنه جاءه رجل يسأله عن فريضة رجل ترك ابنته وامرأته ، قال: أنا أنبئك قضاء علي. قال: حسبي قضاء علي. قال: قضى علي لامرأته الثمن ، ولابنته النصف ، ثم رد البقية على ابنته.

وقد أثنى الناس عليه في علمه ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: أما إنه أعلم الناس بالسنة. وكان معاوية رضي الله عنه يكتب فيما ينزل به ليسأل له علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن ذلك ، فلما بلغه قتله ، قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب.

فضائله ومكانته

تميّز علي بن أبي طالب بفضائل كثيرة، منها الشجاعة والإيثار والزهد. كان مثالًا للقائد العادل، وعُرف بتواضعه وتقواه. شهد له الصحابة بالفضل، وأثنى عليه العلماء والمفكرون عبر العصور.

تحلّى الإمام علي بالعديد من الفضائل، فقد شهد له الصحابة بقوته في المعارك وحكمته في إدارة الأمور، وكان مثلاً يحتذى به في الإخلاص والتضحية. ومن فضائله المعروفة أنه حمل راية الإسلام في غزوة خيبر وانتصر على اليهود يومها، مما جعله من أبطال الإسلام. قال عنه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لولا علي لهلك عمر”، في إشارة إلى علمه وحكمته العميقة.

ماذا قال رسول الله عن علي رضي الله عنه؟

وردت عدة أحاديث نبوية عن رسول الله تمدح الإمام علياً، منها قوله: “علي مني وأنا منه”، وقوله في غزوة تبوك: “أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي. كما ورد عن رسول الله قوله: “من كنت مولاه فعلي مولاه”، في حديث الغدير الذي يُفسره العلماء على أنه تعبير عن حب النبي واحترامه العميق لعلي ومكانته العالية في الأمة.

زواجه من السيدة فاطمة الزهراء

تزوج الإمام علي من السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ابنة رسول الله ، وكان هذا الزواج نموذجاً مثالياً للعلاقات الزوجية في الإسلام. كان لعلي وفاطمة حب واحترام متبادل، ونتج عن هذا الزواج أبناء مباركون مثل الحسن والحسين رضي الله عنهما، اللذان يمثلان امتداداً لسلالة النبي محمد الشريفة.

منهجه في الرواية والحديث

اتبع الإمام علي منهجاً دقيقاً في نقل الأحاديث النبوية، وكان يُعرف بالتحرّي والدقة في الرواية. لم يكن يروي إلا عن يقين، وكان يشدد على أهمية التحفظ في نقل الأحاديث كي لا يقع فيها خطأ. ومن أقواله الشهيرة في هذا الصدد: “إذا حدّثتكم عن رسول الله فوالله لأن أخرّ من السماء أحبّ إلي من أن أكذب عليه”.

وكان رضي الله عنه يتلقى النص من رسول الله مباشرة ، ولكن عندما يبلغه الحديث من غيره فإنه شديد التحرّي في قبوله ، خشية أن ينسب لرسول الله قولاً لم يقله ، ومما يدل على هذا المنهج قوله : كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله حديثاً نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني ، وإذا حدثني أحد من أصحابه استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته ، قال: وحدثني أبو بكر – وصدق أبو بكر – رضي الله عنه: أنه قال: سمعت رسول الله يقول: ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور ، ثم يقوم فيصلي ركعتين ، ثم يستغفر الله؛ إلا غفر الله لـه ، ثم قـرأ هـذه الايـة ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ ﴾ [آل عمران: 135] إلى آخر الآية.

نعم ، علي بن أبي طالب رضي الله عنه يستحلف أصحاب رسول الله وهم الثقاة العدول ، ما هـذا إلا دليل على شدة تحرِّيـه في تلقي الحديث الذي يتلقاه من غير رسول الله .

جهوده في خدمة السنة النبوية

أولى الإمام علي اهتماماً كبيراً بالسنة النبوية، إذ قام بتعليم المسلمين الأحاديث وشرح معانيها، وكان يلقي الخطب والمواعظ التي توضح العقيدة الإسلامية وتطبيق الشريعة. كما ساهم في تأسيس نظام القضاء الإسلامي بتوجيه من النبي ، ما جعله مرجعاً أساسياً للفقهاء والقضاة لاحقاً.

إسلامه رضي الله عنه

أسلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو صغير، بعد أن عرض النبي محمد الإسلام على أقاربه من بني هاشم. تنفيذاً لما جاء في القرآن الكريم. ورد في بعض المصادر أن محمداً قد جمع أهله وأقاربه على وليمة، وعرض عليهم الإسلام، وقال أن من يؤمن به سيكون وليه ووصيه وخليفته من بعده، فلم يجبه أحد إلا علياً رضي الله عنه. سمي هذا الحديث حديث يوم الدار أو إنذار يوم الدار والله تعالى أعلم.

و في رواية عن أنس بن مالك: “بعث النبي يوم الاثنين، وأسلم علي يوم الثلاثاء”، والله تعالى أعلم.

في جميع الأحوال والمتفق عليه أنَّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أول من أسلم من الصبيان ومن السابقين إلى الإسلام. ذهب البعض مثل ابن اسحاق إلى أنه أول الذكور إسلاما، وإن اعتبر آخرون مثل الطبري أن أبا بكر هو أول الرجال إسلاماً مستندين إلى روايات تقول أن عليا لم يكن راشدا حين أسلم، فالروايات تشير إلى أن عمره حين أسلم يتراوح بين تسعة أعوام و ثمانية عشر عام، وفي رواية أوردها الذهبي في تاريخه: “أول رجلين أسلما أبو بكر وعلي وإن أبا بكر أول من أظهر الإسلام وكان علي يكتم الإسلام فرقا من أبيه.

كما كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول من صلى مع النبي محمد وزوجته أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها بعد الإسلام.

هجرته إلى المدينة وفداؤه للنبي

في اليوم الذي عزم فيه الرسول على الهجرة إلى يثرب، اجتمع سادات قريش في دار الندوة واتفقوا على قتله. فجمعوا من كل قبيلة شاب قوي وأمروهم بانتظاره أمام باب بيته ليضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل. جاء المَلَك جبريل عليه السلام إلى النبي محمد وحذره من تآمر القريشيين لقتله. فطلب النبي محمد من علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أن يبيت في فراشه بدلا منه ويتغطى ببرده الأخضر ليظن الناس أن النائم هو محمد وبهذا غطي على هجرة النبي وأحبط مؤامرة أهل قريش.

يعتبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول فدائي في الإسلام بموقفه في تلك الليلة. كان محمداً قد أمره أن يؤدي الأمانات إلى أهلها ففعل، حيث كان أهل قريش يضعون أماناتهم عند النبي محمد لأمانته وحُسن خُلقه.

بقي علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مكة المكرمة ثلاثة أيام حتى وصلته رسالة النبي محمد عبر رسوله أبي واقد الليثي رضي الله عنه يأمره فيها بالهجرة للمدينة المنورة. خرج علي بن أبي طالب للهجرة إلى المدينة المنورة وهو في الثانية والعشرين من عمره، وحسب رواية ابن الأثير في أسد الغابة فقد خرج علي رضي الله عنه وحيداً يمشي الليل ويكمن النهار.

علي بن أبي طالب في حياة النبي

بعد أن وصل علي بن أبي طالب رضي الله عنه المدينة المنورة واستقر فيها، تزوج من فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها بنت النبي محمد في شهر صفر من السنة الثانية من الهجرة ولم يتزوج بأخرى في حياتها.

أنجب علي من فاطمة الزهراء رضي الله عنهما الحسن والحسين رضي الله عنهما في السنتين الثالثة والرابعة من الهجرة على التوالي. كما أنجب زينب وأم كلثوم رضي الله عنهما. كان عليا رضي الله عنه موضع ثقة الرسول محمد ، فكان أحد كتاب الوحي الذين يدونون القرآن الكريم في حياة النبي محمد .

الإمام علي بن أبي طالب

كما كان أحد سفرائه الذين يحملون الرسائل ويدعون القبائل للإسلام. واستشاره الرسول محمد في الكثير من الأمور مثلما استشاره في ما يعرف بحادثة الإفك. شهد بيعة الرضوان وأمره النبي محمد حينها بتدوين وثيقة صلح الحديبية وأشهده عليه.

كما ساهم في فض النزاعات وتسوية الصراعات بين بعض القبائل. وشهد رضي الله عنه جميع المعارك مع الرسول محمد إلا غزوة تبوك، التي خلفه فيها على المدينة وعلى عياله بعده وقال له : “أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي”. وسلم له الراية في الكثير من المعارك.

براعته وشجاعته وقوته في القتال

عُرِفَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه ببراعته وقوته في القتال، وقد تجلى هذا في غزوات الرسول .

في غزوة بدر، هزم علي كرم الله وجهه الوليد بن عتبة، وقتل ما يزيد عن عشرين من المشركين.

في غزوة أحد قتل طلحة بن عبد العزى حامل لواء قريش في المعركة.

أرسله محمد إلى فدك فأخذها في سنة ٦ هـ.

اقتحم حصن خيبر متخذا الباب درعا له لشدة قوته في القتال.

ثبت مع النبي محمد في غزوة حنين.

كان لعلي رضي الله عنه سيف شهير أعطاه له الرسول محمد في غزوة أحد عرف باسم ذو الفقار.

إدارته للدولة الإسلامية زمن الخلافة

استلم علي الخلافة خلفا لعثمان رضي الله عنهما في وقت كانت الدولة الإسلامية تمتد من المرتفعات الإيرانية شرقا إلى مصر غربا بالإضافة لشبه الجزيرة العربية بالكامل وبعض المناطق غير المستقرة على الأطراف. منذ اللحظة الأولى في خلافته أعلن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه سيطبق مبادئ الإسلام وترسيخ العدل والمساواة بين الجميع بلا تفضيل أو تمييز.

على الرغم من أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يقم بأي فتوحات طوال فترة حكمه إلا أنها اتصفت بالكثير من المنجزات المدنية والحضارية منها تنظيم الشرطة وإنشاء مراكز متخصصة لخدمة العامة كدار المظالم ومربد الضوال وبناء السجون. وكان يدير حكمه انطلاقا من دار الإمارة. كما ازدهرت الكوفة في عهده وبنيت بها مدارس الفقه والنحو وقد أمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه أبا الأسود الدؤلي بتشكيل حروف القرآن لأول مرة. ويعتقد بعض الباحثين أنه أول من سك الدرهم الإسلامي الخالص، مخالفين بهذا المصادر التاريخية الأخرى التي تقول أن عبد الملك بن مروان هو أول من ضرب الدراهم الإسلامية الخالصة والله تعالى أعلى وأعلم.

اخلاقه وصفاته رضي الله عنه

كان علي بن ابي طالب ذا مكانةٍ عالية من المعرفة والحِكمة، قال فيه عبد الله بن عبّاس “كنّا إذا أتانا الثَّبْت عن علي -رضي الله عنه- لم نَعْدل به”، وقال ابن شُبرُمة: “إذا ثبت لنا الحديث عن علي -رضي الله عنه- أخذناه وتركنا ما سواه”.

من أكثر الصحابة معرفةً بأمور القضاء، فقد ثبت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: “أرحمُ أمَّتي بأمَّتي أبو بَكرٍ، وأشدُّهم في دينِ اللَّهُ عمرُ، وأصدقُهم حياءً عثمانُ، وأقضاهم عليُّ بنُ أبي طالبٍ.

كما عُرِف عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- بكرمه، وسخائه، فكان يرى أنّ قضاء حاجة الآخرين أحبّ إلى قلبه ممّا في الأرض من ذهب وفضة، وقد بلغت الأوقاف التي أوقفها أربعين ألف ديناراً.

صبر عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- في حياته كثيراً، وذلك منذ صِغره حين أسلم مع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في المرحلة السرّية من الدعوة، وفيما تعرّض له في الغزوات والسرايا، والفِتن التي واجهها أثناء خلافته، وكان يحثّ الصحابة على الصبر.

وعُرِف عليّ بشجاعته، ومن المواقف الشاهدة على ذلك توشّحه رداء النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ونومه في فراشه طوال الليل، حماية له من القوم الذين يتربّصون به لقتله، وذلك عند هجرته -عليه السلام-، وتعرُّضه للحبس والضرب من قِبلهم، بسبب فِعله.

وامتثل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- لعبادة الله -تعالى- الشاملة في كلّ جوانب حياته، فكان من أصحاب التهجُّد في الليل، يحثّ غيره على مخافة الله، واستشعار مراقبته لهم، والتوجّه إليه خوفا من عقابه، ورجاء لرحمته، مبيّنا لهم أنّ النفع والضرّ بيده وحده، وأنّه المُنعِم الوحيد عليهم، ومالك كلّ شيءٍ.

من حكم وأقوال الإمام علي بن أبي طالب

حكم وأقوال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- لا تعد ولا تحصى، لكننا سنذكر بعضا منها وهي كالتالي:

  • العلم خير من المال، لأن المال تحرسه والعلم يحرسك، والمال تُفْنيه النَّفقة والعلم يزكو على الإِنفاق، والعلم حاكِم والمال محكوم عليه، مات خازنوا المال وهم أحياء، والعلماء بَاقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة.
  • أعداؤك ثلاثة: عدوك، وصديق عدوك، وعدو صديقك .
  • من ينصّب نفسـه للنـاس إمامـا، فليبـدأ بتعليـم نفسـه قبل تعليم غيــره. وليكـن تأديبـه بسـيرته قبل تأديبـه بلسـانه
  • إِذا أَقبلتِ الدنيا على أحد أَعارته محاسن غيره، وإِذا أَدبرت عنه سلبته محاسن نفسه.
  • الايثار شيمة الابرار
  • منْ صارع الحق صرعه.
  • ليس بلد بأَحق بك من بلد، خير البلاد ما حملك
  • من كرُمت عليه نفسه هانت عليه شهوته
  • لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
  • مثل الدنيا كمثل الحيَّة: ليّن مسّها، والسمّ النّاقع في جوفها، يهوِي إليها الغرّ الجاهل، ويحذرها ذو اللّبّ العاقل!
  • إن الحق لا يعرف بالرجال , اعرف الحق . . . تعرف أهله .
  • استغنِ عمن شئت تكن نظيره، وأحتج إلى من شئت تكن أسيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره .
  • الصبر صبران: صبر على ما تَكره، وصبر عما تحب
  • خير المال ما أغناك وخير منه ما كفاك. خير أصحابك من واسآك وخير منه من كفاك شـره.
  • من أيقن أحسن، من تعلم علم، من اعتزل سلم، من عقل فهم، من عرف كفّ، من عقِل عفّ، من اختبر اعتزل، من أحسن ظنه أهمل، من ساء ظنه تأمل، من عمل بالحق غنم، من ركب الباطل ندم، من ملكهُ هواه ضل، من ملكهُ الطمع ذل، من تفهم فهم، من تحلّم حلم، من عجل ذل، من قل ذل…

من أشعاره

يقول في ذهاب الوفاء بين الناس:

ذهبَ الوفاءُ ذهابَ أمس الذاهب      فالنـاس بـيـنَ مـُخـاتـل ومـواربِ

يُفشـون بينهمُ الـمـودةَ والـصـّفا           وقـلـوبُـهم محـشـوّةٌ بـالـعـقـاربِ

وقال في الغنى والفقر:

النفس تبكي على الدنيا وقد علمت     أن السعادة فيها ترك ما فيهيا

لا دارَ للمرء بعد الموتِ يسكنها                   إلّا التي كان قبل الموتِ بانيها

فإن بناها بخير طاب مسكنه             وإن بناها بشرٍ خاب بانيها

أموالنا لذوي الميراث نجمعها            ودورنا لخراب الدهر نبنيها

أين الملوك التي كانت مسلطِنة          حتى سقاها بكأس الموت ساقيها

فكم مدائن في الآفاق قد بنيت            أمست خرابًا وأفنى الموت أهليها

لا تركنن إلى الدنيا وما فيها                 فالموتُ لا شكّ يفنينا ويفنيها

وقال عن الصبر

ألاَ فَاصْبِرْ على الحَدَثِ الجَلِيْلِ            وَدَاوِ جِوَاكَ بالصَّبْرِ الجَميلِ

وَلاَ تَجْزَعْ وإِنْ أَعْسَرْتَ يوما                فقد أيسرت في الزمن الطويل

وقال في الفرق بين العلّم والمال

ليس اليتيم الذي قد مات والدُهُ        إنّ اليتيم يتيمُ العلم والأدبِ

الفتن في فترة خلافته

تولّى الإمام علي الخلافة في ظروف صعبة حيث شهدت الأمة الإسلامية فتن وصراعات أشهرها معركة الجمل وصفين. بالرغم من اجتهاد الإمام علي في حقن دماء المسلمين، إلا أن الاختلافات السياسية والأطماع تسببت في انقسامات داخلية كبيرة. إلا أن علياً ظل صامداً أمام هذه الفتن، محاولاً المحافظة على وحدة الأمة واستقرارها.

استشهاده

كان علي كرم الله وجهه يؤم المسلمين في صلاة الفجر في مسجد الكوفة، وفي أثناء الصلاة ضربه عبد الرحمن بن ملجم بسيف مسموم على رأسه، فقال علي رضي الله عنه جملته الشهيرة: “فزت ورب الكعبة. وتقول بعض الروايات أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كان في الطريق إلى المسجد حين اغتاله ابن ملجم، ثم حمل على الأكتاف إلى بيته وقال: “أبصروا ضاربي أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، النفس بالنفس، إن هلكت، فاقتلوه كما قتلني وإن بقيت رأيت فيه رأيي” ونهى عن تكبيله بالأصفاد وتعذيبه.

وجيء له بالأطباء الذين عجزوا عن معالجته فلما علم علي أنه ميت قام بكتابة وصيته كما ورد في مقاتل الطالبيين. ظل السم يسري بجسده إلى أن توفاه الله بعدها بثلاثة أيام تحديدا ليلة ٢١ رمضان سنة ٤٠ هـ عن عمر يناهز ٦٤ سنة حسب بعض الأقوال.

خلاصة

يظل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه شخصيةً محورية في التاريخ الإسلامي، ونموذجًا يُحتذى به في الشجاعة والعلم والتقوى. تُشكّل سيرته مصدر إلهامٍ للمسلمين، وتذكيرًا بقيم الإسلام النبيلة التي دعا إليها النبي محمد . علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان شخصية استثنائية أثرت في التاريخ الإسلامي من خلال علمه وشجاعته ومكانته بين الصحابة وعلاقته المتينة برسول الله . منحه الله مزايا وصفات جعلته قدوة للأجيال اللاحقة، فكان رمزاً للثبات على الحق، وعلم الأمة الإسلامية الكثير من معاني التضحية والإخلاص. لهذا، يبقى الإمام علي قدوة عطرة وصفحة مشرقة من تاريخ الأمة.