بعض شبابنا حينما يسمع أن هذا الكتاب أو ذاك فيه إسرائيليات يشمئز من الكتاب، ويظن أنه مدسوس، والحقيقة أن الإسرائيليات هي تراث ضخم وتاريخ طويل لأمة سبقتنا في حمل الأمانة، ولم تكن تلك الأمة على حال واحدة، فلقد كان فيهم الأنبياء والصالحون، وكان فيهم الأشرار والطالحون، والمنهج الذي اختاره علماؤنا المحققون أن يقسموا الإسرائيليات إلى ثلاثة أقسام:
1- ما جاء منها موافقا لرسالتنا الإسلامية الخاتمة، ومنسجما مع مبادئها في التوحيد والعدل والأخلاق..الخ فهذا نقبله دون تردد.
2- ما جاء مخالفا لرسالتنا الإسلامية، فهذا نرفضه ونعده من المحرّف، أو من المنسوخ بشريعتنا، حيث لا ينكر تغيّر الأحكام من رسالة إلى رسالة بحسب تطور الحياة البشرية ومتطلباتها.
3- ما لم يكن موافقا ولا مخالفا، كبعض الأخبار التي لم ترد في ديننا، فهذا نتوقف فيه فلا نصدق ولا نكذب.
وفق هذه المنهجية المنصفة والمنضبطة نستطيع أن نفهم الحديث الصحيح (بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) ويبدو أن هذا الحديث الشريف جاء بعد أن ترسخ الإسلام بمبادئه وعقيدته وشريعته، ومن هنا توسع بعض علمائنا في الاستشهاد والاعتبار بتلك الأخبار.
وأنقل هنا نموذجين ممّا مرّ بي وأنا أقرأ في مصادرهم المعتمدة عندهم :
أ- (بدء الحكمة مخافة الرب) أمثال/ 9 ص 703، وهي تقابل عندنا الأثر المشهور(رأس الحكمة مخافة الله)، وقد ذكر بعض محققينا أن هذا مما أخذ عن علماء الكتاب الذين أسلموا.
ب- قول سيدنا أيوب -عليه السلام- حينما أبلغوه بهلاك أولاده وذهاب أمواله : (عريانا خرجت من بطن أمي، وعريانا أعود إلى هناك، الرب أعطى والرب أخذ) أيوب/1 ص594. ولا شك أن هذا درس إيماني وتربوي عظيم، وهو موافق لمبادئ ديننا.
وأهم من هذا البشارات الواضحة بنبوة سيدنا محمد -ﷺ- والموجودة لحد الآن في كتبهم، والتي ربما يتاح لنا أن نتناولها قريبا.
أقول هذا لأني رأيت بعض الشباب ينخدع بالمقولات التي تدعو لنسف التراث الإسلامي بذريعة أنه مخترق بالإسرائيليات، وقد نصحت بعض الشباب في إحدى الدورات بتفسير الطاهر بن عاشور -رحمه الله- فرد أحدهم: هذا كتاب مليء بالإسرائيليات، وكأن علماءنا ومحققينا ما كانوا يعرفون معنى الإسرائيليات وكيفية التعامل معها.