في استطلاع للرأي بإحدى الدول العربية تم اكتشاف أن 82% من السيدات العاملات يعتقدون أن على المرأة مشاركة زوجها براتبها في مصروف البيت، وأكدت 80% رغبتهن في الاستمرار في العمل لمساعدة الأزواج، وأشارت 72% من السيدات العاملات أنه لا يمكنهن الاستغناء عن العمل، كما كشف التقرير عن أن 73% من السيدات العاملات يشجعن بناتهن على العمل مثلهن بينما رفضت 17% ذلك، في الوقت الذي فضلت 16% فقط من النساء العاملات ترك عملهن والبقاء بالمنزل. وعلى هذا الأساس كيف يمكننا أن نتصور مواصفات فتاة الأحلام بالنسبة للشباب المقدم على الزواج.

جاءت نتائج هذا التقرير لتؤكد أن غالبية السيدات أصبحن على قناعة بأن الخروج للعمل لم يعد مظهرًا اجتماعيًّا أو لمجرد إثبات الذات، بل هو شرط أساسي لبداية أو استمرار حياة زوجية سعيدة، فبعد أن كانت رغبة المرأة في العمل في الماضي يقابلها رفض شديد من الزوج، وتنتج عنه مشكلات أسرية عديدة، أصبح الخُطّاب اليوم، على جميع مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية، مع غلاء الأسعار يشترطون في زوجة المستقبل أن تكون امرأة عاملة، وكلما زاد راتبها رجحت كفتها على الأخريات، وإذا اعترضت الفتاة فهذا يعني فشل الزيجة قبل أن تبدأ متعللين في ذلك بأن الحالة الاقتصادية تضطرهم للنظر لإمكانيات المرأة المادية وقبل أي شيء.

دعوة للمشاركة

“محمد” يريد زوجة تشاركه في مصروف البيت، وجعل هذا شرطا أساسيا لارتباطه بأية فتاة يتقدم لخطبتها، ولا يجد أي حرج في الإفصاح عن هذا الشرط -وليس الطلب- في أول لقاء يجمع بينهما، متعللا بأن ذلك نوع من الصراحة والوضوح.

“كريم” قال لخطيبته “سعاد”: بما أن الزواج مشاركة فعندما يرزقنا الله بأطفال سأتكفل بنفقات الطفل الأول وأنت تتحملين مصروفات الثاني.

“مي” 32 سنة مديرة حسابات في إحدى شركات معدات البترول، تقول: أخبرتني صديقة لي عن زميل خطيبها الذي يبحث عن عروس مناسبة، وافقت على مقابلته برغم أنه يكبرني بعشر سنوات، لكني فوجئت به بدلا من أن يسألني عن طموحاتي والصفات التي أتمناها في شريك حياتي أو حتى عن سبب تأخري في الزواج، وجدته يثني على عدم ارتباطي في سن صغيرة لأن الزواج كان سيؤخرني عن تحقيق النجاح في العمل، وبالتالي سيؤثر على مرتبي المجزي الذي قد لا يحصل عليه شباب في نفس سني، ووجدته يسألني: “طبعا مرتبك سوف يزداد لو طلبت نقلك بعد إضافة البدل”، وبمنتهى الهدوء أجبته أن شركتنا ليس لها فرع آخر، فإذا به وكما توقعت يسارع بإنهاء المقابلة!!

أما “منى” فتنفق من راتبها الشهري على احتياجاتها الخاصة، ولا ترى في ذلك أدنى مشكلة ما دام الزوج يسعى لإرضائها ويكفي بيته في الأساسيات، فلماذا ترهقه بمرتب الخادمة وحساب مراكز التجميل في بداية حياتهما؟

السيدة “إخلاص” بعد 4 سنوات من الزواج وجدت نفسها بحاجة للعودة لعملها القديم بسبب ارتفاع نفقات المعيشة، خاصة بعد إنجاب طفلها الثاني وعدم قدرة زوجها على الوفاء بكل متطلبات المنزل على الرغم من أنه لم يطلب منها الخروج للعمل لكن.

وحفاظا على ثروة العائلة من الانتقال للغرباء تزوج “فارس” من ابنة عمه، لكنه بعد سنة من الزفاف انفصل عنها، معترفا بخطئه الجسيم في النظر للمادة وحدها بعين الاعتبار وتناسى المشاعر والتوافق الفكري بين الزوجين.

العقد شريعة المتعاقدين

يقول الشيخ محمود (الأزهر الشريف): نظرا لسوء الأحوال الاقتصادية التي تمر بها كل المجتمعات فلا ضرر من اشتراط الخطيب عمل الفتاة التي يتقدم لخطبتها، وما دام حدث بينهما اتفاق على ذلك فالأمر جائز وصحيح لتستمر الحياة، أما إذا لم يشترط عملها من البداية فللزوجة الحق في رفض العمل والاستعانة بولي الأمر.

ويوافقه الرأي الدكتور أحمد أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، الذي يؤكد أن عقد الزواج الصحيح المستوفي الأركان والشروط يترتب عليه حقوق، منها ما يخص الزوجين معا، ومنها ما يخص كل منهما على حدة، فحق الزوجة هو النفقة من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وهذا أمر محل إجماع بين الفقهاء استنباطا من الآيات والأحاديث، فالأصل في الزواج أن يكد الزوج خارج المنزل ليوفر النفقة لمن يعول عملا بالحديث الشريف “كفا بالمرء إثما أن يضيع من يعول”، أما المرأة فدورها أن تكد داخل المنزل وترعى أسرتها.

ويضيف: صحيح أن مقاصد الزواج الإعفاف والذرية وليس أن تكون المرأة عاملة، ولكن أن يشترط أو يفضل الرجل فيمن يتقدم لخطبتها أن تكون ذات مال أو عمل فهذا أمر يرجع لعدة اعتبارات كالعرف أو العادة، أو المصلحة أو الضرورة، فليس في الشرع ما يمنع أو يوجب فكما قال الرسول : أنتم أدرى بشئون دنياكم. و: ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، إذن فالأمر ليس بسنة تتبع ولا ببدعة تجتنب.

من جانبها تقول الدكتورة سهير أستاذة علم الاجتماع بجامعة الأزهر : عمل الزوجة ومشاركة الزوج في نفقات المنزل أمر اختياري، فالعقد شريعة المتعاقدين وإذا اشترط الخطيب عمل الخطيبة بعد الزواج ووافقت هي على ذلك فله الحق في التمسك بهذا الشرط، وإذا أرادت الزوجة ترك العمل فلا يستطيع إجبارها، ولكن في هذه الحالة يجب عليها ألا تطلب منه ما لا طاقة له به حتى لا تدفعه لارتكاب الخطأ.

أما إذا كان العمل يضرها نفسيا أو صحيا، فلا يجوز للزوج دفعها له، وإن اشترط هذا من البداية، ولكن أن يتجاهل الزوج هذا ويجبرها على العمل بأي وسيلة سواء بالضرب أو التضييق في الإنفاق أو سوء المعاشرة فيحل لها عندئذ طلب الطلاق.


رانيا علي